العالم أقل إنجاباً أكثر شيخوخة ... الخطر القادم

18 يناير 2023
انكمش عدد سكان الصين في 2022 للمرة الأولى في قرابة ستة عقود/ Getty
+ الخط -

باتت العديد من دول العالم تخشى التداعيات الخطرة لظاهرة تراجع معدلات الإنجاب وزيادة الشيخوخة وعدد كبار السن في مجتمعاتها، وهو ما قد يهدد بقاءها، ذلك لأن استمرار تلك الحالة يمكن أن يؤثر سلبا على معدلات النمو الاقتصادي والقدرة الشرائية والإنتاج داخل الدولة.

واللافت أن الظاهرة باتت تنتشر داخل العديد من الدول الصناعية الكبرى، اليابان والصين وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة.

صحيح أن هذه الدول تتحرك بسرعة لزيادة عدد المواليد وتشجيع الأسر على الإنجاب ومعالجة الفجوة بين صغار وكبار السن، لكن الأزمة تتسع رقعتها يوما بعد يوم، وهو ما كشفت عنه أرقام أمس الثلاثاء الصادرة عن الصين أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان والتي تضم ما يزيد عن 1.41 مليار نسمة.

تخرج علينا بعض الحكومات من وقت لأخر تعير شعوبها بزيادة الانجاب، وتردد مقولة إن المواليد الجدد باتوا عبئا على موارد الدولة

وفي مقابل التحرك تخرج علينا بعض الحكومات من وقت لأخر تعير شعوبها بزيادة الانجاب، وتردد مقولة إن المواليد الجدد باتوا عبئا على موارد الدولة، وتطالب بالحد من النسل و"خلفة" الأولاد، وكأن القوة البشرية باتت عبئا شديدا على المجتمع والاقتصاد والموازنة وليس ثروة قومية كما تتعامل معها الدول الكبرى التي تدرك أهمية العنصر البشري في بناء المجتمعات.

في الصين انكمش عدد السكان خلال عام 2022 للمرة الأولى في قرابة ستة عقود، في تحول تاريخي لثاني أكبر اقتصاد في العالم يواجه أزمة ديموغرافية متنامية ومتزايدة الخطورة، كما يواجه تحديات اقتصادية شديدة مع تهديدات متحورات كورونا ومخاطر الركود التضخمي والموجة التضخمية.

السلطات الصينية باتت قلقة للغاية من انخفاض عدد المواليد وانكماش السكان، خاصة وأن الانخفاض يصاحبه تراجع رغبة الأفراد في إنجاب الأطفال، وتأخر الزواج والحمل، ولا يوجد مبرر رسمي لتلك الظاهرة بعد أن تخلت السلطات عن سياسة الطفل الواحد التي طبقت بشدة في الفترة من 1980 إلى 2015، ثم تحولت في ما بعد إلى سياسة ثلاثة أطفال.

وقبل أسابيع قال الرئيس شي جين بينغ إن الصين ستطبق سياسات لزيادة معدل المواليد مع شعور صناع السياسة بقلق من أن يلحق انخفاض وشيك في عدد السكان ضررا بثاني أكبر اقتصاد في العالم.

في ألمانيا تخشى البلاد تداعيات تراجع الإنجاب على القطاع الاقتصادي والإنتاجي وتركيبة السكان، بل على مستقبل الدولة، بخاصة أن الأرقام تشير إلى أن عدد السكان سيتراجع حتى العام 2060، ليصل إلى نحو 67.6 مليون نسمة، وأن عدد السكان لم يزد في العام 2021 للمرة الأولى منذ عام 2011، وأن الرقم الحالي لم يتغير كثيراً لأسباب تتعلّق بانخفاض الهجرة وزيادة عدد الوفيات وتراجع عدد المواليد.

في ألمانيا تخشى البلاد تداعيات تراجع الإنجاب على القطاع الاقتصادي والإنتاجي وتركيبة السكان، بل على مستقبل الدولة

والأخطر في الأمر هو تراجع فئة الشباب بين إجمالي عدد السكان، فقد انخفض عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما إلى أدنى مستوى له منذ عام 1950.

 ولمعالجة الأمر تشجع ألمانيا الانجاب وباب الهجرة للخبرات والكوادر، وتبحث حاليا عن نحو 400 ألف عامل أجنبي سنوياً للتخفيف من الأثر الاقتصادي الناجم عن شيخوخة مجتمعها، حيث يُعد سكان البلاد من أكبر سكان العالم عمراً، ومن المتوقع أن يكون ربعهم تقريباً فوق عمر 67 عاماً بحلول نهاية هذا العقد.

وفي روسيا تراجعت أعداد المواليد بشكل ينذر بـ"فناء الروس"، ويتواصل تراجع معدل الإنجاب عاما بعد أخر، وتظهر بيانات رسمية أن عدد المواليد يتراجع منذ العام 2014، وأن عدد مواليد عام 2021 كان أقل من 1.4 مليون، بتراجع 2.7% مقارنة بعام 2020 الذي سجل تراجع المواليد بنسبة 3%.

ولمعالجة الأزمة قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إحياء لقب "الأم البطلة" الذي يمنح لمن تنجب 10 أطفال أو أكثر. كما قرر بوتين منح المرأة التي تنطبق عليها الشروط وتنجب هذا العدد على مليون روبل (16 ألف دولار)، بمجرد أن يبلغ طفلها العاشر عامه الأول.

بوتين يعيد إحياء لقب "الأم البطلة" الذي يمنح مليون روبية لمن تنجب 10 أطفال أو أكثر

كما أعلن بوتين، عن تقديم دعم كبير للأسر، تتضمن تقديم مخصصات مالية لتشجيع الإنجاب. وحث الحكومة على تقديم دعم مالي وضريبي للأسر متعددة الأطفال، وتخفيف العبء الضريبي عليها. كما دعا المصارف العاملة في روسيا إلى تقديم قروض عقارية بشروط ميسرة لهذه الأسر.

العالم يشجع الإنجاب ويتعامل مع السكان على أنهم ثروة بشرية تفوق ثروات النفط والغاز والمعادن والموقع الجغرافي والعقار وغيرها، لأنها تستفيد من تلك الثروة في إحداث تنمية حقيقية داخل الدولة، ولا تتعامل معها على أنها عبء شديد على موارد الدولة يجب التخلص منه.

المساهمون