فقراء جدُد يوسّعون خريطة الفوارق الاجتماعية في المغرب

22 مايو 2023
الغلاء يتربص بالطبقة الوسطى (الأناضول)
+ الخط -

تتشكل في المغرب خريطة جديدة للطبقات الاجتماعية، مع انضمام فئات إضافية إلى دائرة الفقر، في ظل تفاقم الأزمات المعيشية وضعف الإجراءات الحكومية التي تستهدف تخفيفها. عوامل عديدة تقف وراء ظاهرة زيادة نسبة الفقر المتسارعة يأتي الغلاء في مقدمتها، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات المعيشية في عشرات المدن والقرى أخيراً.

ولم يستغرب مراقبون الكشف عن انزلاق مغاربة إلى دائرة الفقر تحت تأثير الأزمة الصحية وارتفاع الأسعار والجفاف في الأعوام الثلاثة الماضية، إذ تم الكشف مرة أخرى عن هشاشة النمو الاقتصادي، الذي لا يخلق ما يكفي من فرص العمل، ناهيك عن اتساع دائرة الفوارق في ظل ضعف عملية إعادة التوزيع.

فقراء جدُد
في تقرير لها حول تطور الفوارق الاجتماعية في سياق آثار كوفيد وارتفاع الأسعار، خلصت المندوبية السامية للتخطيط الحكومية، إلى تعرّض 3.2 ملايين شخص للفقر، حيث فقد المغرب ما يقرب من سبع سنوات من التقدم المحرز في القضاء على الفقر والهشاشة، مؤكدة أن وضعية الفقر والهشاشة، تراجعت في المغرب حاليا إلى مستويات سنة 2014.

وعلى مدى عشرين عاما، عرف النمو الاقتصادي في المغرب ديناميكية ملحوظة. فقد بلغ النمو في المتوسط بين 2000 و2017 حوالي 4.4 في المائة، بينما زاد الدخل الفردي بنسبة 3.1 في المائة، حسب بيانات رسمية. وتجلى حسب البحوث التي تنجزها المندوبية السامية للتخطيط، أن معدل الفقر انتقل من 15.3 في المائة في 2001 إلى 8.9 في المائة في 2007 و4.8 في المائة في 2014 قبل أن يعاود الارتفاع بعد ذلك.

غير أن بحوث المندوبية مبنية على مقاربة تستحضر الفقر النقدي وليس الفقر متعدد الأبعاد والذي شهد زيادة واضحة خلال الفترة الأخيرة.

وقد لاحظت المندوبية في تقريرها حول تطور الفوارق الاجتماعية ارتفاع معدل الفقر المطلق من 3 في المائة سنة 2021 إلى 4.9 في المائة سنة 2022 على الصعيد الوطني.

غير أنه يتجلى أن ذلك المعدل قفز من 1 في المائة إلى 1.7 في المائة في المدن، ومن 6.8 في المائة إلى 10.7 في المائة في الأرياف.

وسجلت المندوبية أن معدل الهشاشة الاقتصادية قفز من 10 في المائة في 2021 إلى 12.7 في المائة في 2022 على المستوى الوطني، ذلك المعدل انتقل من 5.9 في المائة إلى 7.9 في المائة في المدن، ومن 17.4 في المائة إلى 21.4 في المائة في الأرياف.

وينتظر أن يفضي الإحصاء الخاص بالسكان في العام المقبل، إلى توضيح الخريطة الجديدة للفقر، علما أن الإحصاء الذي أجري قبل عشرة أعوام خلص إلى أن الفقر متعدد الأبعاد أصاب حوالي ثلاثة ملايين شخص، إذ تجلى أن أعلى النسب سجلت في جهة بني ملال خنيفرة وجهة مراكش- آسفي وجهة درعة- تافيلالت، ثم فاس - مكناس.

من الجائحة إلى الجفاف
ينشغل المسؤول في اتحاد الجامعة الوطنية للزراعة محمد الهاكش، بوضعية العمال الزراعيين في الأرياف. يؤكد الهاكش أن الجائحة ساهمت بشكل كبير في مفاقمة وضعية الأسر الفقيرة في الأرياف، ما دامت التدابير الاحترازية قلصت من قدرة أفرادها على التنقل بحثا عن تحسين أوضاعهم.

ويلاحظ أن أوضاع تلك الأسر تتأثر بشكل كبير بالظروف الصعبة التي يعيشها المغرب، على اعتبار أن العديد من أفرادهم يمارسون أعمالا غير مؤدى عنها أو يشتغلون في القرى، وعندما تتوالى سنوات الجفاف كما هو حاصل في العامين الأخيرين، يلجأون إلى الهجرة بحثا عن إيرادات يساعدون بها أسرهم في البوادي.

ويؤكد الهاكش أن الجائحة قيدت حركة فقراء الأرياف كما المدن، ما ألحق ضررا كبيرا بوضعهم الاقتصادي، مشيرا إلى أن الجفاف والتضخم فاقما وضعهم المعيشي، وهو ما يتجلى من بيانات المندوبية السامية للتخطيط التي أكدت اتساع دائرة الفقر وارتفاع معدل البطالة الذي يؤشر عليه فقدان 280 ألف فرصة عمل، من بينها 247 ألف فرصة عمل في الربع الأول من العام الجاري.

نمو غير مسعف
ويأتي التخوف من اتساع دائرة الفقر في ظل ترقب تراجع النمو الاقتصادي في العام الحالي إلى 3.1 في المائة، بعدما كانت الحكومة تتوقع بلوغه 4 في المائة.

وتؤكد المندوبية السامية للتخطيط أن توالي الأزمات في العامين الأخيرين أفضي إلى فقدان عامين ونصف من النمو وثلاثة أعوام من الجهود التي بذلت من أجل محاربة الفقر وحوالي عقدين من محاربة الفوارق.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتعتبر المندوبية السامية للتخطيط أن سنة 2023 ستنتهي بعودة النمو إلى مسار تطور أقل استدامة مقارنة بفترة ما قبل الأزمة، مؤكدة أن "الجهد الاستثماري، الموجه نحو الانخفاض والذي تدهور عائده، على مدى العقد الماضي 2010-2019 ليستقر في 9.2، لن يمكن من استرجاع الخسائر في نقاط النمو أو الوظائف المسجلة على مدى السنوات الثلاث الماضية.

كما أن استعادة مستويات ما قبل الأزمة فيما يتعلق بمكافحة الفقر والتفاوتات الاجتماعية ستكون أبطأ، خاصة مع استمرار سياسات عمومية أقل ملاءمة".

وعاكست الظروف في الأعوام الثلاثة الأخيرة وهشاشة النمو، وعود الحكومة التي توقعت إحداث مليون فرصة عمل على مدى خمسة أعوام، بمعدل 200 ألف فرصة عمل سنويا، غير أنها اختارت في ظل ضعف النمو الذي يتيح إحداث 120 ألف فرصة عمل فقط، خلق فرص مؤقتة عبر برنامجي "فرصة" و"أوراش".

وتؤشر البيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول سوق العمل، إلى أن معدل البطالة انتقل إلى 12.9 في المائة في مارس/آذار الماضي بعدما كان في حدود 12.1 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي، غير أن ذلك المعدل انتقل من 16.3 إلى 17.1 في المائة في المدن ومن 5.1 في المائة إلى 5.7 في المائة بالأرياف.

ويظهر أن البطالة شهدت ارتفاعا حادا بين المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة، حيث انتقل من 33.4 في المائة إلى 35.3 في المائة والأشخاص المتراوحة أعمارهم ما بين 25 و34 سنة، من 19.2 في المائة إلى 20.9 في المائة.

ويؤكد الهاكش، أنه إذا كانت البطالة تضم حوالي 1.5 مليون شخص، فإن الذين يعانون من الشغل الناقص يقدرون بمليون شخص، كما أن الشغل غير المؤدى عنه يطاول مليون شخص آخرين، حيث إن هذه الفئة ضمن الساكنة الفقيرة.

ضغوط التضخم
يستحضر المراقبون عندما يتناولون وضعية الفقر، مستوى التضخم الذي وصل إلى 6.6 في المائة في العام الماضي، وقفز إلى 8.2 في المائة في مارس الماضي، مدفوعا بارتفاع أسعار مستهلكي السلع الغذائية بنسبة 16.1 في المائة، حسب المندوبية، بينما سجلت السلع غير الغذائية زيادة بنسبة 3 في المائة.

ولم تخف الأسر قلقها من ارتفاع أسعار السلع الغذائية، فقد كشفت نتائج بحث أصدرته المندوبية السامية للتخطيط، أن 98.7 في المائة من الأسر أكدت ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الأشهر الاثني عشر الماضية.

تؤكد الأسر، حسب بحث المندوبية السامية للتخطيط، تراجع مستوى معيشتها، وعدم القدرة على الادخار، وتوسع دائرة البطالة، وغلاء أسعار السلع الغذائية، في سياق متسم بارتفاع معدل التضخم. وقد شددت اتحادات عمالية، في بداية شهر مايو/أيار الجاري على ضرورة وقف ما تعتبره هجوما على القدرة الشرائية.

دعم لمواجهة الغلاء
يحلل البنك الدولي في تقريره حول الاقتصاد المغربي في مواجهة صدمات العرض، تأثير التضخم على مختلف الشرائح الاجتماعية، حيث تُظهر استطلاعات الرأي أن الرفاه الشخصي للسكان انخفض بشكل ملحوظ إلى ما دون المستويات التي لوحظت حتى خلال أسوأ شهور أزمة الوباء.

وسعى المغرب إلى التخفيف من آثار زيادة أسعار السلع الغذائية والطاقة على الأسر، حيث لاحظ البنك الدولي في تقريره، أن تقديم الدعم للسلع الغذائية الأساسية وعدم الزيادة في أسعار السلع المنظمة، أفضى إلى استقرار أسعار السلع والخدمات التي تستحوذ على نحو 25 في المائة من متوسط إنفاق الأسر.

ويتصور البنك الدولي أن ذلك أفضى إلى تجنب حدوث زيادة أكبر في معدلات الفقر. وتطلب ذلك تعبئة إنفاق عام إضافي يصل إلى نحو 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

غير أن المؤسسة المالية الدولية، تؤكد مع ذلك أن الأسر المتواضعة والأكثر احتياجاً لا تزال تعاني أشد المعاناة من آثار ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها بسبب التضخم. والحسابات المعتمد عليها تُبرز أن "التضخم قد يكون أعلى بنسبة 30 في المائة للشريحة الأفقر من توزيع الدخل مقارنة بالفئة الأكثر ثراء".

ويضيف البنك الدولي أنه "بسبب الجفاف فقدت أكثر من مائتي ألف وظيفة في المناطق الريفية". وترى المؤسسة المالية الدولية أن الأسر الريفية الفقيرة والمستضعفة تعاني بشكل غير متناسب من تأثير الارتفاع التضخمي.

فقر يتربص بالطبقة الوسطى
يرجّح رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إدريس السدراوي، أن تتسع دائرة الفقر أكثر وأن تستوعب أشخاصا جددا، في الوقت نفسه الذي لا يستبعد فيه أن يلتحق أفراد من الطبقة المتوسطة بتلك الدائرة.

ويوضح أن زحف الفقر سيحفزه عدم اتخاذ الحكومة تدابير من شأنها محاصرته، خاصة في سياق متسم بارتفاع معدل البطالة، وهو ما يؤشر عليه فقدان 280 ألف فرصة عمل في الربع الأول من العام الجاري، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط.

ويعتبر أن ذلك يأتي في وقت لم تبادر فيه الحكومة إلى اتخاذ تدابير ملموسة تساهم في توسيع التعويض عن فقدان الشغل أو تقديم مساعدات للعاطلين، ملاحظا في الوقت نفسه أن مبادرات الحكومة في مجال التشغيل لا تفضي إلى استيعاب الذين يعانون فعليا من البطالة.

وتسجل الرابطة الحاصلة على الصفة الاستشارية لدى الأمم المتحدة، أن الذين يعيشون في وضعية فقر يعانون من عدة أشكال من الحرمان، وهو ما يتجلى، بحسبها، في ظروف العمل الخطيرة، وغياب الإسكان المأمون، ووجود تفاوت في الوصول إلى العدالة.

ويؤكد السدراوي، الذي يشدد على أهمية سن ضريبة على الثروة والرأسمال، أن الحكومة لم تبد انشغالا كبيرا بمعالجة مسألة الفقر الذي تتسع دائرته. في الوقت نفسه، يشدد على أن الحكومة تبدي حرصا كبيرا لتقليص عجز الموازنة بتخفيض نفقات الدعم الذي يهم السكر والدقيق وغاز الطهو عبر صندوق المقاصة.

سعى المغرب إلى التخفيف من آثار زيادة أسعار السلع الغذائية والطاقة على الأسر

ويلاحظ أن فئات من الطبقة المتوسطة مرشحة في سياق تراجع قدرتها الشرائية إلى الانزلاق إلى دائرة الفقر، خاصة مع عدم اتخاذ تدابير للزيادة في الأجور أو فتح المجال أمام الترقي الوظيفي.

فوارق ودعم
يرى الاقتصادي المغربي إديس الفينا، أن زياراته للعديد من المناطق النائية بالمغرب، تدفعه إلى التأكيد على أنه رغم الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة أو الجفاف أو التضخم أو السياسات الجيوسياسية، إلا أن الأسر تتحصن بنظام للمقاومة يقوم على التضامن بين أفرادها.

ويضرب لذلك مثلا بما حدث في سياق الجائحة، حيث هرع المغتربون لنجدة ذويهم في المغرب عبر تحويلات غير مسبوقة.

ووفق الفينا، فإن ذلك تعبير عن تضامن راسخ، يخفف من عدم استفادة الأسر من إيرادات أو نظام للمساعدة عبر موازنة الدولة التي "واصلت توفير الدعم للسلع عبر صندوق المقاصة" على حد تعبيره.

ويتصور البنك الدولي أنه يمكن أن تكون أدوات الحماية الاجتماعية الموجهة بشكل أفضل مثل التحويلات النقدية، أكثر فعالية من حيث التكلفة للتخفيف من آثار صدمات العرض، حيث يعتبر أن التحويلات النقدية للأسر يمكن أن تسمح بحماية الأسر الفقيرة بشكل أكثر فعالية وكفاءة.

ووضع المغرب مشروع نظام السجل الاجتماعي الموحد، من أجل استهداف الفئات الفقيرة بالدعم، قبل المضي في تحرير أسعار السلع التي تحظى بالدعم عبر صندوق المقاصة، على غرار ما طرأ على السولار والبنزين قبل خمسة أعوام.

المساهمون