مزايدة بين بايدن وترامب على فرض أكبر تعرفات جمركية على الصين

مزايدة بين بايدن وترامب على فرض أكبر تعرفات جمركية على الصين

15 مايو 2024
بايدن وشي على هامش اجتماع منظمة "أبيك" في الولايات المتحدة، 15 نوفمبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تتصاعد المعركة الجمركية بين الولايات المتحدة والصين مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، حيث يسعى كل من جو بايدن ودونالد ترامب لفرض رسوم جمركية أعلى على السلع الصينية لحماية الصناعات الأمريكية وإعادة تنظيم سلاسل التوريد.
- بايدن يخطط لمضاعفة الرسوم على السيارات الكهربائية وخلايا الطاقة الشمسية الصينية، بينما يعد ترامب بفرض رسوم تصل إلى 200% على السيارات الصينية، مع تأكيد كلاهما على نهج صارم تجاه الصين.
- الصين تعارض زيادة الرسوم الجمركية، معتبرة إياها انتهاكًا لقواعد منظمة التجارة العالمية، وتتعهد بحماية مصالحها، مما يشير إلى تصاعد التوتر التجاري بين القوتين العظميين مع تأثيرات محتملة على الاقتصاد العالمي.

تشتد معركة الرسوم الجمركية التي تشنها الولايات المتحدة على السلع الصينية قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وسط مزايدة بين الرئيس الديمقراطي جو بايدن ومنافسه الجمهوري اللدود دونالد ترامب الطامح إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض على فرض أعلى نسبة من التعرفات الجمركية على المنتجات الصينية التي تبدو أنها باتت وقود المعركة الانتخابية هذه المرة.

وكشفت إدارة بايدن، أمس الثلاثاء، عن خطط لفرض رسوم جمركية حادة على العديد من الواردات الصينية، على رأسها السيارات الكهربائية وخلايا الطاقة الشمسية والصلب والألومنيوم، بموجب مراجعة التجارة مع الصين طوال أربع سنوات. ووفق الخطط، من المقرر مضاعفة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية أربع مرات، لتصل إلى 102.5% هذا العام مقابل 27.5%. كذلك تقرر مضاعفة التعرفة الجمركية على واردات خلايا الطاقة الشمسية إلى 50% في 2024 أيضاً مقابل 25%، ورافعات الشحن 25%. كذلك تقرر مضاعفة الرسوم على بعض منتجات الصلب والألومنيوم الصينية ثلاث مرات إلى 25% هذا العام بدلاً من 7.5%.

وستتضاعف كذلك الرسوم على منتجات أخرى على مدى السنوات الثلاث المقبلة، منها الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات) إلى 50% بدلاً من 25% بحلول العام المقبل 2025، وبطاريات تخزين الطاقة إلى 25% من 7.5% والغرافيت الطبيعي بنسبة 25% في عام 2026. وقال مسؤولون كبار في إدارة بايدن إنهم أخروا بدء بعض زيادات الرسوم الجمركية لمنح الصناعات الأميركية الوقت لإعادة تنظيم سلاسل التوريد الخاصة بها. وقال البيت الأبيض إن التعرفات الجديدة ستطبَّق على منتجات صينية بقيمة 18 مليار دولار.

ترامب يتعهد بفرض رسوم تصل إلى 200%

تأتي الرسوم الجمركية الجديدة وسط حملة انتخابية شرسة بين بايدن وسلفه ترامب، حيث يتنافس كلا المرشحين على إظهار من هو صاحب المواقف الأشد صرامة تجاه الصين. وبعد يوم واحد من تناقل الصحف ووسائل الإعلام الأميركية، يوم الجمعة الماضي، أنباء تخطيط بايدن لرفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية إلى ما يقرب من 100%، تحرك دونالد ترامب للتفوق على منافسه، حيث قال الرئيس السابق في تجمّع حاشد في نيوجيرسي، يوم السبت الماضي، في إشارة إلى السيارات الصينية المصنعة في المكسيك: "سأفرض ضريبة بنسبة 200% على كل سيارة تأتي من تلك المصانع". وأشار إلى أن بايدن كان يمزق أجندته التجارية التي تركز على التعرفات الجمركية، بينما "استمع لي أخيراً.. لقد تأخر حوالى أربع سنوات".

ولا يزال نهج بايدن أضيق من خطط ترامب لفترة ولاية ثانية محتملة، التي تشمل فرض تعرفة بنسبة 60% على الأقل على جميع البضائع القادمة من الصين وفرض ضريبة بنسبة 10% على كل الواردات من أي بلد. ورغم ذلك فإن فرض حواجز صارمة على التجارة مع الصين أصبح الآن يحظى بإجماع لدى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بينما كان يُنظر في السنوات الماضية إلى نهج ترامب على أنه يعمل على زعزعة الإيمان بالتجارة الحرة. ويتوَّج قرار بايدن سنوات من الجدل داخل الإدارة حول الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في الأصل على أكثر من 300 مليار دولار من الواردات من الصين.

مضاعفة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية أربع مرات، لتصل إلى 102.5% هذا العام مقابل 27.5%

وهذه الرسوم التي نُفِّذَت في عامي 2018 و2019 وعززتها خطوات بايدن الجديدة، أصبحت الآن سمة دائمة على ما يبدو لسياسة الولايات المتحدة تجاه الصين الطامحة إلى إزاحة الولايات المتحدة من صدارة أكبر اقتصاد في العالم. في حين تعهدت بكين، أمس الثلاثاء، باتخاذ "كل الإجراءات اللازمة" للرد على واشنطن. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين إن "الصين تعارض زيادة الرسوم الجمركية من جانب واحد، وهو انتهاك لقواعد منظمة التجارة العالمية، وستتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة". وسبق أن نددت الصين، الأسبوع الماضي، بالخطوة الأميركية عقب نشر تقارير حولها، محذرة من أنها تزيد من التوترات بين البلدين.

وقالت المستشارة الاقتصادية في البيت الأبيض لايل برينارد للصحافيين، أمس: "يتخذ الرئيس نهجاً استراتيجياً صارماً يجمع بين الاستثمار في الداخل ومواجهة الصين في القطاعات الرئيسية، على عكس الإدارة السابقة التي فشلت في المتابعة". وأضافت أن ضريبة ترامب المقترحة بنسبة 10% على جميع الواردات ستكون تضخمية (سترفع معدل التضخم في الولايات المتحدة).

اصطفاف لمواجهة الصين

وبينما كانت العديد من القطاعات التجارية والإنتاجية تعارض الكثير من الرسوم التي فرضها ترامب، على اعتبار أنها ترفع من التكاليف وبالتالي الأسعار النهائية على المستهلكين، هناك ارتياح للرسوم الانتقائية التي يعتزم بايدن تطبيقها. وضغطت النقابات العمالية، ولا سيما في صناعات الصلب وألواح الطاقة الشمسية والسيارات على بايدن لحماية الصناعات المحلية من المنتجات الصينية الرخيصة. وقال مايرون بريليانت، نائب الرئيس التنفيذي السابق لغرفة التجارة الأميركية لصحيفة وول ستريت جورنال، أمس: "الحقيقة أنه لا أحد يريد أن يبدو ضعيفاً في مواجهة الصين". هذا التأييد للرسوم التي يعتزم بايدن تطبيقها يأتي رغم التحفظ الذي كان يبديه بريليانت في السابق ضمن آخرين بشأن الاستخدام المفرط للتعريفات الجمركية والذين يحذرون من التكاليف التي يتحملها المستهلكون الأميركيون.

ويبدو أن القلق بشأن الممارسات الاقتصادية الصينية يتصاعد داخل إدارة بايدن منذ أشهر وكذلك القطاعات الاقتصادية المختلفة. وفي عهد بايدن، أنفقت الولايات المتحدة المليارات لبناء القدرة التصنيعية المحلية للسيارات الكهربائية وأشباه الموصلات وألواح الطاقة الشمسية وغيرها من الصناعات التي تهيمن عليها الصين. ولكن مع بدء الاقتصاد الكلي الصيني في التباطؤ، ضاعف المسؤولون في الصين من إنتاجهم في الصناعات نفسها التي كانت الولايات المتحدة تستهدفها. ويتمثل الخوف بين مسؤولي إدارة بايدن بأنّ التصنيع الصيني قوي بما يكفي لخفض الأسعار على مستوى العالم، ما يقوّض الشركات الأميركية الناشئة ويضيع الدعم الذي تقدمه إدارة بايدن.

في العام الماضي، صدّرت شركات السيارات الصينية ما قيمته 400 مليون دولار فقط من السيارات الكهربائية إلى الولايات المتحدة، بينما كانت مبيعات المصنعين الأوروبيين أعلى بنحو 20 مرة، وفقاً لشركة الاستشارات "أكسفورد إيكونوميكس"

ويبدو أن إدارة بايدن تشعر بارتياح حيال أنّ الرسوم الجديدة لا يرجَّح أن يكون لها تأثير تضخمي كبير على عكس ما سبّبته الرسوم الواسعة التي فرضها ترامب خلال وجوده في البيت الأبيض قبل أربع سنوات. وقال مسؤولون في الإدارة الأميركية إنهم يعتقدون أنّ الرسوم لن تؤدي إلى تصعيد التوتر مع الصين، لكنهم يتوقعون أن تستكشف الصين طرقاً للرد. ويوجد في الوقت الحالي عدد قليل للغاية من السيارات الكهربائية الصينية في الولايات المتحدة، لكن المسؤولين يشعرون بالقلق من إغراق هذه النماذج منخفضة السعر، التي أصبحت ممكنة بفضل دعم الحكومة الصينية السوق الأميركية قريباً. وتستطيع الشركات الصينية بيع السيارات الكهربائية مقابل أقلّ من 12 ألف دولار. كذلك تمتلك مصانع الخلايا الشمسية ومصانع الصلب والألومنيوم القدرة الكافية على تلبية قدر كبير من الطلب العالمي.

قلق من انتقام الصين

ورغم الاطمئنان الذي تبديه إدارة بايدن حيال الرد الصيني، يتخوف محللون من نتائج عكسية. وقال إسوار براساد، زميل بارز في معهد بروكينغز الأميركي: "هذه التعرفات تتويج لصراع السياسات الصناعية بين البلدين، وهي أيضاً تتويج لموسم الانتخابات الذي يلوح في الأفق في الولايات المتحدة". وأضاف براساد أن تعريفات بايدن الجديدة تزيد من خطر الانتقام الصيني، الأمر الذي قد يؤثر في النهاية بالنمو الاقتصادي الأميركي. وأشار إلى أن العلاقات بين البلدين قد تتضرر إذا واصل الجمهوريون والديمقراطيون تبنّي موقف المواجهة ضد الصين للفوز بمناصب منتخبة. وخلال حملته الانتخابية وعد ترامب باستخدام التعرفات الجمركية مرة أخرى كهراوة، وبوضع خطط لفرض رسوم على الحلفاء والخصوم على حد سواء. وحذر ترامب من خطة بايدن لرفع الرسوم الجمركية على الصين، قائلاً: "إنها مجرد حيلة لتجاوز الانتخابات، وبعد ذلك سينهار كل شيء".

وقبل يومين من إعلان الإدارة الأميركية الرسوم الجمركية الجديدة، اعتبرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أن من الممكن أن ترد الصين على فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية المنتجة في الصين. وقالت يلين في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ: "نأمل ألّا ترد الصين بإجراءات ذات ثقل. ولكن هذا يظل احتمالاً قائماً.

ويبدو أن الولايات المتحدة تدرك حجم القوة الاقتصادية الصينية الهائلة، لذا تعمل على تقوية دفاعاتها بوضع حوائط صدّ لطوفان قادم وفق وصف محللين ومسؤولين تنفيذيين في شركات إنتاجية. وعلى الرغم من أن تهديد السيارات الكهربائية الصينية في الوقت الحالي لا يزال في مرحلة الجنين، إلا أنّ مسؤولي الإدارة والمحللين المستقلين يقولون إن التحدي التنافسي سينمو. وفي العام الماضي، صدّرت شركات السيارات الصينية ما قيمته 400 مليون دولار فقط من السيارات الكهربائية إلى الولايات المتحدة، بينما كانت مبيعات المصنعين الأوروبيين أعلى بنحو 20 مرة، وفقاً لشركة الاستشارات "أكسفورد إيكونوميكس". وقال مايكل دون، مستشار صناعة السيارات الذي قضى عدة سنوات في الصين ويقيم الآن في مدينة سان دييغو جنوبيّ ولاية كاليفورنيا لصحيفة واشنطن بوست، أمس: "الأمر كله يتعلق بوقف الفيضان قبل أن يبدأ".

وقال مسؤول أميركي إن واشنطن لا تحاول "تقويض" التنمية في الصين أو الإضرار بالجهود التي بذلتها مع بكين لتحقيق الاستقرار في العلاقات منذ التقى بايدن الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. لكن المسؤول أضاف، وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن الصين تنتج بمعدل "يفوق بكثير أي تقدير معقول للطلب العالمي"، وهو ما من شأنه أن يغرق الأسواق العالمية ويقوض قدرة الولايات المتحدة على بناء القدرة الإنتاجية. وأكد: "هذا يقلل من مرونة سلسلة التوريد لدينا، ما يجعلنا جميعاً في مختلف أنحاء العالم أكثر عرضة للإكراه الاقتصادي".

المساهمون