الغاز يتراجع 16.5% تأثرا بالنفط

30 نوفمبر 2014
محطة روسية للغاز الطبيعي المسال (فرانس برس)
+ الخط -
بعد أن كان نقل الغاز المسال عبر الأنابيب التي تمتد عبر دولة أو أكثر، واحدة من العقبات التي تفرض أسعارا معينة، وعمولات للبلدان التي يمر بها خط أنابيب الغاز، أتاحت التكنولوجيات المتقدمة وسائل أسهل وأسرع عبر الناقلات، ومحطات التخزين المتخصصة في استيراد الغاز المسال، والتي يتوفر منها الآن 27 محطة حول العالم، وهناك أربع محطات قيد الإنشاء، ويُخطط لإنشاء 30 محطة أخرى، مما سيسهل عمليات الإتجار في الغاز المسال ليصل لنفس تجربة تجارة النفط.
وفي ظل الظروف الحالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي، واستمرار حالة الركود، وهشاشة معدلات نمو الاقتصاد العالمي، فإن المعروض من الغاز الطبيعي أصبح أكثر من الطلب العالمي، مما ساهم في انخفاض أسعار الغاز الطبيعي خلال الشهور الماضية أسوة بأسعار النفط.
غير أن موجة الهبوط التي ضربت النفط منذ يونيو/حزيران الماضي، أبت إلا أن تجر الغاز في نفس الاتجاه الذي أجبرت عليه بفعل التخمة في المعروض التي تُغرق الأسواق، والتي يقدرها مراقبون بحدود مليوني برميل يوميا.
وكان أعلى سعر قد سجله الغاز منذ يونيو/حزيران الماضي هو 4.88 دولارات للمليون وحدة حرارية، لُيغلق تعاملات الأسبوع الماضي عند 4.08 دولارات، بانخفاض 16.5%. غير أن هذا التراجع لا يزال دون مستوى التراجع الذي سجلته أسعار النفط خلال نفس الفترة، والبالغ نحو 40%.
ويشير التقرير الإحصائي السنوي لمنظمة الأوابك لعام 2013، إلى أن الإنتاج العالمي من الغاز بلغ 3.4 تريليونات متر مكعب، وأن الإنتاج العربي بلغ 604 مليارات متر مكعب، بما يمثل 17.1% من حجم الإنتاج العالمي.
وتعد دولة قطر من أكبر الدول العربية إنتاجًا للغاز الطبيعي، حيث يصل إنتاجها السنوي إلى 204 مليارات متر مكعب، وبما يمثل نسبة 5.9% من حجم الإنتاج العالمي.
أما عن احتياطيات الغاز الطبيعي فيشير نفس التقرير إلى بلوغ الاحتياطي العالمي 192.3 تريليون متر مكعب، منها 53.8 تريليون متر مكعب في الدول العربية، وبما يمثل نسبة 28% من الاحتياطي العالمي، وتعتبر قطر أيضًا من أكبر الدول العربية من حيث احتياطي الغاز الطبيعي، حيث تمتلك 24.4 تريليون متر مكعب، يعادل 12.6% من حجم احتياطي العالم.

فك ارتباط التسعير

ولا يزال السوق العالمي يعتمد في تسعير الغاز الطبيعي على مجموعة من الآليات، منها معادلة الغاز الطبيعي بسعر النفط، على أساس أن برميل النفط يعامل 5.8 مليون وحدة حرارية، وبالتالي يقسم سعر برميل النفط السائد في وقت التعاقد أو حال تسليم الغاز وفق توقيت التعاقد على 5.8.
وفي حالة وجود عقود طويلة الأجل كما كان سائدًا لفترات طويلة، فإنه عادة ما يضاف تكلفة مد أنابيت الغاز وعمولات الدول التي يمر بها خط أنابيب الغاز، وفي المتوسط ما يضاف لسعر الغاز في هذه الحالة يكون بين 5 و7 دولارات للمليون وحدة حرارية. وتعتبر أوروبا واليابان من أكثر الدول التي تعتمد في إمداها بالغاز الطبيعي عبر الأنابيب التي تمر بدول الجوار أو من خلال البحر المتوسط.
ونظرًا للتغيرات التي شهدها السوق العالمي للغاز، وما أدت إليها تكنولوجيات الإنتاج والنقل، وكذلك وجود فائض بالأسواق فهناك مطالبات بفك هذا الارتباط في تسعير الغاز الطبيعي مقارنة بسعر النفط، حيث تخضع آلية تسعيره الجديدة للعرض والطلب كسلعة مستقلة.

لكن ما زالت خطوط نقل الغاز الممتدة في كثير من المناطق بين دول الإنتاج ودول الاستهلاك، وارتفاع تكلفتها، تفرض نفسها كتحد، على تفعيل استقلال تسعير الغاز الطبيعي بعيدًا عن الارتباط بسعر النفط.

منتدى ضمان الاستقرار

منذ بداية الألفية الثالثة توالت الدعوات لوجود كيان جامع للدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم، على غرار "أوبك"، وبالفعل تُوجت هذه الدعوات بإقامة منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي، واتخذ من العاصمة القطرية مقرًا لأمانته، ويعقد العديد من الفعاليات، ولكن المنتدى عند إعلان تأسيسه في عام 2008، بين أنه معني بضمان استقرار العرض والطلب على مصادر الطاقة، وأنه ليس له دور في تحديد حصص الإنتاج أو التأثير على الأسعار، ويضم المنتدى في عضويته 13 دولة، من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
ومما يُصعب من أن يكون لهذا المنتدى دور يمكن وصفه بـ "الكارتل" أو التكتل المتحكم في سوق الغاز العالمي، أن عقود الغاز عادة ما تكون طويلة الأجل، وكثير من شروط التعاقد متفق عليها بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، كما أن الشركات المنتجة، عادة ما تدخل كشريك في عقود توريد الغاز، فضلًا عن التكلفة العالية التي تتطلبها عمليات الإنتاج والنقل.
ومن خلال استعراض أسماء الدول أعضاء منتدى مصدري الغاز، نجد أنها تتسم بنفس سمات الدول المصدرة للنفط، حيث تمثل عوائد تصدير الغاز أحد الموارد المهمة لموازناتها العامة، كما أنها تعد من الاقتصاديات التي تتسم بفقر التنوع الاقتصادي، مما يجعلها غير قادة على ممارسة أدوار تمكنها من تحجيم إنتاجها أو منعه للحصول على أسعار أفضل، أو استخدامه خارج نطاق أغراض الطاقة، كورقة ضغط سياسية مثلًا.
وثمة نقطة ضعف أخرى تعيق هذا المنتدى من ممارسة أدوار تحكمية في سوق الغاز الطبيعي، وهي افتقادها لتكنولوجيات الاستكشاف أو الإنتاج أو النقل، أو تحويل الغاز إلى حالة الإسالة التي تمكن من سهولة نقله عبر الوسائل المختلفة، سواء عبر الأنابيب وغيرها من الوسائل الحديثة، أو محطات التخزين المتخصصة.
كما أن اتفاقيات الغاز تتم بين طرفين، أحدهما طرف قوي وهو الدول المتقدمة المستهلكة للغاز، والطرف الضعيف هو الدول المصدرة للغاز، ومن الطبيعي أن تصاغ الاتفاقيات لصالح الطرف الأقوي. إذًا المحصلة واحدة ارتفع سعر الغاز الطبيعي أو انخفض، سيظل المستفيد الأكبر طرف واحد هو الدول المتقدمة والمستهلكة للغاز الطبيعي.
المساهمون