العراق: المناصب الحكومية للبيع والشراء

19 نوفمبر 2015
احتجاجات ضد الفساد في العراق (فرانس برس)
+ الخط -
في ظل التجاذب السياسي والاتهامات المتبادلة بين كبار السياسيين في العراق، تنتعش عمليات الشراء المؤقت للمناصب الحكومية، وفيما يعد منصبا الوزير أو المدير العام، ذوي خصوصية لدى الأحزاب المتنفذة، تبرز مناصب أخرى، بعضها دنيا، لكنّ حظوظ توليها تتطلب دفع مبالغ كبيرة.

ووفق مصادر من داخل المؤسسات الحكومية، برز في العراق - خصوصاً منذ 2009، حيث عاد الهدوء النسبي للعاصمة العراقية بعد موجة عنف طائفي ضربت مدنه - تدوير في المناصب داخل الوزارات شمل المفاصل التي تتعلق بالعقود والتفتيش، التي باتت تعرف أنها المفاصل الأكثر ربحاً ومنفعة لأصحابها.

وكان للروتين أثر مباشر في رفع قيمة بعض المناصب، لا سيما في مواقع بوزارة الداخلية، حيث الإقبال على استخراج بطاقات شخصية رسمية وجوازات السفر، أثرى العاملون عليها من منتسبين وضباط، إذ وصل الانتفاع من استصدار جواز واحد بالوساطة من دون المرور بالروتين ما يتجاوز مئتي دولار أحياناً، فضلاً عن بقية البطاقات الشخصية، وهو ما أكده موظف في وزارة الداخلية، نُقل مرات عدة داخل المكاتب المتخصصة بإصدار هذه الوثائق الرسمية.

وأشار محمد الجنابي، إلى أنه نُقل من دائرة الجوازات في وقت سابق، وعلم أن بديله اشترى وظيفته بمبلغ كبير، وأكد أنه يبلغ قرابة خمسين ألف دولار، مبيناً أن ذلك حصل قبل نحو أكثر من خمسة أعوام، لافتاً إلى أن مبلغاً كهذا يستطيع صاحبه استعادته في فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر، إذا ما عمل خارج إطار القانون.

ومن بين أهم الوظائف التي ترتفع أسعار شرائها، تبرز اللجان التفتيشية، التي تراقب عمل بعض الدوائر أو الأعمال الحرة، التي تعتمد استحصال "رِشى" مقابل التصديق على صلاحية العمل، بحسب رياض الزيدي الذي طُلب منه دفع مبلغ عشرة آلاف دولار مقابل بقائه في لجنة تفتيشية رفض تبيان جهتها، لـ"العربي الجديد" حفاظاً على سلامته، وبعد رفضه دفع المبلغ، نقل إلى وظيفة أخرى.

وعلى الرغم من صدور مذكرات اعتقال وطلبات استجواب في حق متهمين بالفساد الإداري والمالي في وزارات عراقية من جهات رقابية، أكد أحد المتهمين لـ"العربي الجديد" أن "بعض الاتهامات بنيت على أباطيل، وكان عليّ أن أعدِل عن تمسكي بمنصبي في وزارة الكهرباء أو أقبل بما يعرض عليّ من رِشى لتمرير التلاعبات"، قبل أن يشير إلى أنه لا يستطيع البوح بالإسرار لأن هذا الأمر قد يعرضه للقتل.

وتعتبر اللجان الوزارية المختصة بالعقود والمشتريات، الأعلى "تكلفة" بين المناصب، ويصل المبلغ الذي يتوجب على من يسعى إلى العمل داخل هذه اللجان إلى نحو 100 ألف دولار، وهو ما أكده الموظف في وزارة النفط العراقي، عبد الحميد الساعدي.

 وأضاف لـ"العربي الجديد" أن الكثير من زملائه يسعون إلى العمل فيها، وأنهم "عرضوا مبالغ مالية لتحقيق هذا الهدف، لكن من يعملون في تلك اللجان لا يدفعون فقط مبالغ طائلة، إنما تربطهم، أيضاً، علاقات قوية مع مليشيات مسلحة أو شخصيات حكومية كبيرة".

من جهته، كشف مصدر مقرب من جهة تفتيشية مختصة بالنزاهة أجرت تحقيقات مع عدد من كبار الموظفين في دوائر الدولة على إثر كشف ملفات فساد مؤكدة بحقهم تدينهم بالسجن ومصادرة أملاكهم كونها تتعلق بمبالغ طائلة، أن"هذه الجهات لم تستطع إتمام الإجراءات القانونية بحقهم، وتمت تبرئتهم بسبب تدخل جهات سياسية ومليشياوية، فرضت إيقاف تلك التحقيقات".

ولفت المصدر نفسه كذلك إلى أن "المناصب الكبرى تعبر عن العلاقات بين الجهات السياسية، وفيها كذلك يضرب الخصوم، حيث تشن حملات تشهيرية واتهامات فساد في حال لم يتم التوافق بين تلك الجهات، تنتهي أحياناً بالتخلي عن المنصب، والعكس صحيح في حال وجد التوافق".

كذلك، أوضح أن التوافق يعني في هذه الحالة "أن تكون الأولوية في عقود الشراء والمقاولات التابعة لتلك الوزارة لشخصيات تملك، بالإضافة إلى ارتباطها بمليشيات نافذة، قوة داخل المؤسسة الأمنية"، على حد قوله.

ويقول مراقبون إنّ الإيرادات الضخمة التي جناها العراق، حتى عام 2014، بفضل ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية كانت هدفاً رئيسياً للفساد المالي.

وقال الباحث الاقتصادي، زياد الربيعي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن العراق "جنى بين 2006 و2014 قرابة 700 مليار دولار بفضل النفط، لكن نسب البطالة والفقر والتخلف تفاقمت، ما يبرز الفساد الكبير الذي استشرى في مفاصل الدولة".

وفي هذا السياق، قال المحلل السيسي، فيصل عبد النبي، إن "من أمن العقاب أساء الأدب، نُفذت من طبقة واسعة من الموظفين، بعد أن صار رؤساؤهم يشاركونهم الفساد"، ليخلص إلى أن "فساد أصغر رتبة وظيفية بالدولة مرتبط بفساد أكبر وظيفة فيها".

اقرأ أيضاً: الحشد يفرض على العبادي زيادة موازنته من مخصصات الوزارات

المساهمون