تهاوي أسعار النفط يقلق رجال أعمال السعودية

23 اغسطس 2015
حقول تابعة لشركة أرامكو السعودية (أرشيف/Getty)
+ الخط -
يُبدي رجال الأعمال السعوديون تخوفهم من أنهم قد يكونون مقبلين على فترة طويلة من ظروف اقتصادية أقل رفاهية وأكثر تواضعاً، وذلك بعد أكثر من عشر سنوات من طفرة نفطية دفعت إيراداتها اقتصاد أكبر مصدر للخام في العالم إلى نمو سريع.

وانعكست آثار هذا التخوف المؤلم على صفحات التواصل الاجتماعي، وفي مقالات الرأي بالصحف المحلية، وفي النقاشات العامة التي انتقد بعضها السياسات الحكومية، في بادرة غير مألوفة.

"غيمة اقتصادية سوداء تغطي سماء السعودية، والمحللون ما بين متشائم بشدة أو متفائل بأن الأمور ستعود كما كانت، بأن يرتفع النفط لأكثر من 100 دولار... شخصياً لست متفائلاً!"

هكذا غرّد الاقتصادي السعودي عصام الزامل على تويتر، الأسبوع الماضي، وسط موجة متصاعدة من التغريدات لاقتصاديين ورجال أعمال بارزين يعربون فيها عن مخاوفهم، في إشارة واضحة على تعكر مزاج مجتمع المال والأعمال من فكرة أن أسعار النفط التي هبطت إلى أدنى مستوى في ستة أعوام، قد تظل منخفضة لسنوات أخرى. 

وقال الكاتب الاقتصادي عبدالحميد العمري، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إن: "السعودية تستقبل مرحلة اقتصادية مختلفة مائة في المائة عن العشر سنوات الماضية.. سنواجه شح السيولة وارتفاع الفائدة على الريال وضعف النمو والتوظيف".

وأضاف في تغريدة أخرى، أن: "طوال العشر سنوات الماضية ذهبت نصائح المختصين أدراج الرياح، فلم يستمع لها الجهاز الاقتصادي، بل نام على وسادة ارتفاع النفط ونسب النمو لسياساته".

ولفت العمري إلى أن الفترة المقبلة، رغم صعوبتها، ستكون فرصة لتصحيح التشوهات الاقتصادية من إدمان القطاع الخاص للدعم الحكومي وتركز السيولة على مضاربات الأسواق المحلية، لا سيما سوقي الأسهم والعقارات.

ومن موقع "تويتر" إلى أعمدة الرأي في الصحف المحلية، حثّ اقتصاديون آخرون ورجال أعمال، المسؤولين على العمل بشكل أكبر على تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، والحد من اعتماد المملكة على ملايين العمال الأجانب.

وكتب الاقتصادي إحسان أبو حليقة في صحيفة اليوم: "ندرك جميعا أن التحديين الأكثر بروزا وتأثيرا على اقتصادنا السعودي تنمية ونموا، هما استقرار إيرادات الخزانة العامة وتنويع الأنشطة الاقتصادية المكونة للناتج المحلي الإجمالي.. النفط وإيراداته يمسك اقتصادنا السعودي إمساكا تاماً".

وأضاف: "هذا ليس اكتشافا جديداً.. أننا لم نبارح هذه العقبة الكأداء بما يحقق استقرارا لإيرادات الخزانة وتنويعا للأنشطة الاقتصادية، لنجد أننا وجها لوجه مع متلازمة البرد النفطي.. إصابة اقتصادنا بالبرد عندما عطس النفط!".

اقرأ أيضاً: تصنيفات دولية تهوي بالبورصة السعودية 5.34% في دقائق

من جانبه، قال الاقتصادي فضل البوعينين، في مقاله بصحيفة الجزيرة: "يبدو أننا لا نعاني ندرة الأفكار والأهداف الاستراتيجية بقدر معاناتنا مع أجهزتنا التنفيذية التي يفترض أن تهتم بتحويل الأهداف الموضوعة إلى واقع معاش.. تحديات الدخل الحالية يفترض أن تدفعنا نحو مراجعة الخطط الاقتصادية التي لم تسهم في تحقيق الأهداف الرئيسية".

وأضاف: "ما حدث في أسواق النفط مؤخرا، وما قد يحدث مستقبلا، يجعلنا أكثر حاجة لتنويع الاقتصاد، وخلق قطاعات إنتاج جديدة قادرة على خلق الوظائف، وزيادة الناتج المحلي، ورفع حجم الصادرات، وتوفير مصادر دخل حكومية مستقلة عن إيرادات النفط".

بدوره، قال المستشار الاقتصادي فواز العلمي في مقال بصحيفة الوطن إن: "المملكة كان يمكن ان تستعيض عن إصدار سندات لتمويل عجز الموازنة بإصلاح أساليب دعم الطاقة وتوجيهها للمستحقين".

وسجلت المملكة احتياطيات مالية هائلة، خلال السنوات الماضية، تحول بينها وبين تعرضها لأزمة اقتصادية مثلما يتخوف البعض، ومع وصول سعر مزيج برنت إلى 45 دولاراً للبرميل ستسجل المملكة عجزاً في الموازنة يقارب 150 مليار دولار، لكن لديها احتياطيات أجنبية تزيد على 600 مليار دولار، كما أن الدين الخارجي منخفض، وهو ما يعني أن الرياض لا تزال قادرة على الإنفاق ودعم الاقتصاد.

ولم تصدر أرقام رسمية بعد، لكن هناك علامات على أن الناتج المحلي الإجمالي سجل نمواً قويا في الربع الثاني من العام، مع زيادة المملكة إنتاجها النفطي في تعويض جزئي لتراجع الاسعار.

ولم يتأثر إنفاق المستهلكين الذي دعمته مكافآت سخية من العاهل السعودي الملك سلمان عندما تولى عرش البلاد في يناير/كانون الثاني الماضي. وسجلت شركة جرير إحدى أكبر شركات التجزئة في المملكة نمواً بلغ 9% على أساس سنوي في مبيعات الربع الثاني.

ومع ذلك، يتخوف السعوديون من أن تكون تلك المكافآت قد ولّى زمنها في عصر تراجع النفط، ودفعت تلك المخاوف سوق الأسهم للهبوط بنحو 12% في أغسطس/آب الجاري، وخسارة 50 مليار دولار من قيمته السوقية، وما يعزز المخاوف كذلك قلة التصريحات الحكومية حول خطط مواجهة تراجع النفط لسنوات.

وكان وزير المالية إبراهيم العساف قال في ديسمبر/كانون الأول إن المملكة قادرة على استيعاب تراجع النفط على المدى المتوسط، وإنها ستواصل الإنفاق على خطط التنمية، لكن لم تظهر أي تصريحات حكومية مباشرة في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد هبوط سوق الأسهم، وهو ما ترك رجال الأعمال يضربون أخماسا في أسداس بشأن ما قد يحدث مستقبلا.

وفي يوليو/تموز الماضي، أصدرت الحكومة سندات للمرة الأولى منذ 2007 لتمويل عجز الموازنة، لكنها لم تعلن عن المبلغ المتوقع اقتراضه، مما أثار تخوف مصرفيين من وجود أزمة سيولة.

وقد يترك غياب التصريحات الحكومية الأسواق عرضة للمضاربات، وكان أحد عوامل هبوط السوق السعودي الأسبوع الماضي شائعات بأن الحكومة تبيع أسهما لتوفير سيولة، وهو ما نفته وكالة الأنباء السعودية، عبر تصريح لمسؤول رسمي لم تفصح عن هويته.

وخلال الأسبوع الماضي، حث صندوق النقد الدولي الرياض على إجراء إصلاحات تتعلق بأسعار الطاقة المحلية، وعلى خفض فاتورة أجور القطاع الحكومي، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وفرض رسوم على الأراضي خلال السنوات المقبلة.

ويرى الكثير من الاقتصاديين أنه لن يكون هناك بديل عن تلك الإصلاحات على المدى الطويل، لكن لم يصرح المسؤولون الحكوميون بشأن الوقت الذي قد تطبق فيه هذه الإصلاحات.

ونقلت وكالة "رويترز" عن مصرفي سعودي، لم تفصح عن هويته، أن: "الهيكل الهرمي للحكومة والذي يتسم بالجمود يجعل تغيير السياسيات الاقتصادية أمراً صعباً.. الكل ينتظر التوجيه".


اقرأ أيضاً: صندوق النقد يتوقع ارتفاع عجز الموازنة السعودية إلى 19.5%

المساهمون