الانتخابات الروسية تهمل ملف الأزمات الاقتصادية

01 اغسطس 2016
المواطن الروسي يعاني من زيادة الأسعار (الأناضول)
+ الخط -


بعكس المرة السابقة، تجري انتخابات مجلس الدوما (البرلمان) الروسي المرتقبة في سبتمبر/أيلول المقبل وسط أكبر أزمة اقتصادية تمر بها البلاد منذ عام 1998، ومع ذلك، لا يتم التركيز على الملف الاقتصادي في إطار الحملات الانتخابية كثيرا حتى الآن، إذ لا يتوقع سكان البلاد أنفسهم أن يسفر الاستحقاق عن ارتفاع مستوى معيشتهم.
وعلى مدى أكثر من عامين، تصدرت ملفات السياسة الخارجية أجندة الكرملين، بدءاً بقرار ضم شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014، ومرورا بالتطورات الدراماتيكية في شرق أوكرانيا وحرب العقوبات مع الغرب، ووصولا إلى التدخل العسكري المباشر في سورية في العام الماضي، وتصفية الحسابات مع تركيا قبل المصالحة معها. إلا أن الملفات الداخلية مثل تردي الأوضاع الاقتصادية بدأت بالعودة إلى المشهد على استحياء مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية التي ستجري في 18 سبتمبر/أيلول المقبل.

ورغم أن ارتفاع أسعار النفط في النصف الأول من العام أسفر عن تعافي مؤشرات الاقتصاد الروسي، إلا أن انخفاضها إلى ما دون 45 دولارا للبرميل الفترة الأخيرة ينذر بمواجهته مزيدا من المتاعب.
وستجري انتخابات البرلمان الروسي هذا العام وسط أزمة اقتصادية طاحنة، من أبرز مظاهرها انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 3.7% في العام الماضي، وانهيار قيمة الروبل من 33 روبل للدولار في منتصف عام 2014 إلى أكثر من 66 روبل حالياً، وارتفاع نسبة الفقراء إلى قرابة 23 مليون شخص في الربع الأول من العام الجاري، أي 15.9% من بين إجمالي سكان روسيا البالغ عددهم أكثر من 146 مليون نسمة، وفقاً لإحصائيات حديثة.




وقد يكون العدد الفعلي للفقراء أكبر من الأرقام الرسمية، إذ أظهر استطلاع أجرته "المدرسة العليا للاقتصاد" مؤخرا أن 41% من المستطلعة آراؤهم يشكون من نقص الموارد النقدية لشراء الملابس والمواد الغذائية، كما اعتبر 23% أن أوضاعهم المادية "سيئة" أو "سيئة جدا".
ومع ذلك، فإن مدير برنامج "السياسة الداخلية الروسية والمؤسسات السياسية" بمركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، يشير لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لا يتم التطرق إلى الملفات الاقتصادية كثيرا في إطار الاستعدادات للانتخابات حتى الآن، كما أنه ليست هناك أي مؤشرات جادة لبدء الحملة الانتخابية من أساسها.

ويقول كوليسنيكوف: "في ظل استمرار التكيف السلبي مع الوضع الاقتصادي، لم يعد الناس يربطون آمالهم في تحسن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية بالانتخابات البرلمانية والبرلمان".
ويضيف: "ليست هناك تغييرات كبيرة للوضع الاقتصادي، بل انخفضت وتيرة التضخم نتيجة لتراجع مشتريات السلع، وبذلك حتى أفقر الطبقات تستطيع العيش، وهو أمر يساعد في إجراء الانتخابات في أجواء هادئة".
وحسب دراسات حديثة، أدت الأزمة الاقتصادية الراهنة إلى تغيير أنماط الاستهلاك لدى المواطنين الروس، حيث تجاوزت حصة المواطن من المواد الغذائية في تجارة التجزئة، نسبة 50% لأول مرة منذ 8 سنوات.

في المقابل، واصلت مبيعات السيارات، على سبيل المثال، تراجعها، ليبلغ خلال النصف الأول من العام الجاري 14.1% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حسب إحصائيات رسمية. وشهدت حركة السياحة الخارجية الروسية هي الأخرى تراجعا كبيرا منذ انهيار قيمة الروبل، وذلك بنسبة تزيد عن 50% خلال عامين.
ويعود ذلك إلى الارتباط المباشر بين أسعار الرحلات الخارجية وأسعار صرف العملات الصعبة، ما أدى من جانب آخر إلى طفرة في الحجوزات إلى الوجهات السياحية داخل روسيا، وهو أمر يعكس أيضا تكيف المستهلكين مع الواقع الاقتصادي الجديد.


وبعد استقرار سعر صرف الروبل عند مستوى 63 روبل للدولار الواحد، عادت العملة الروسية إلى التراجع من جديد، ليتجاوز الدولار حاجز الـ66 روبل في تعاملات بورصة موسكو.
وتتمثل مفارقة الموقف في أن الروبل القوي لا يصب في مصلحة المصدرين بعد أن عانت روسيا طويلا من التحديات الناجمة عن ارتفاع قيمة العملة المحلية نتيجة لعائدات الصادرات النفطية، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الصادرات بما تعادلها بالروبل، حسب محللين.
ووصل الأمر إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لفت إلى "تعزيز الروبل مواقعه رغم عدم الاستقرار المعروف للأسعار في أسواق المواد الخام"، موجها رئيس حكومته، دميتري مدفيديف، بـ "التفكير في كيفية التعامل مع هذه العوامل".

لكن من جانب آخر، يؤدي تراجع الروبل إلى ارتفاع معدلات التضخم وبصفة خاصة للسلع المستوردة، وهو أمر تسعى السلطات الروسية لتفاديه عشية الانتخابات.
وتوضح كبيرة المحللين بشركة "ألباري" للتداول، آنا بودروفا، أن الروبل عزز مواقعه أمام الدولار بنسبة 14% خلال النصف الأول من العام، ولكن ذلك يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة بسبب تراجع قيمة الصادرات بالعملة الروسية.
وتقول بودروفا لـ"العربي الجديد": "تستهدف الحكومة عجز موازنة بواقع 3% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن العجز الفعلي يبلغ 4.3%.
وتضيف: "إن الروبل القوي لا يناسب السلطات ووزارة المالية والمصدرين، كما لم يشعر السكان بالارتفاع الأخير لسعر صرف الروبل بأي شكل من الأشكال".

ومع تكيف الاقتصاد الروسي مع واقع تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية بسبب الوضع في أوكرانيا، لم يعد تذبذب سعر الصرف يؤثر على أسعار السلع الاستهلاكية كما كان سابقا. واستقر معدل التضخم نسبياً خلال الأشهر الماضية عند مستوى لا يزيد عن 7.5% على أساس سنوي، وذلك بعد أن سجل نسبة 12.9% في العام الماضي، حسب بودروفا.
وأشارت، إلى أن الضغط على الروبل يقل في فترة جني الضرائب حيث يقوم المصدرون خلالها ببيع العملة الصعبة لدفع الضرائب بالروبل.
وتعتبر بودروفا أن سعر الصرف "العادل" للدولار في الظروف الحالية هو حوالي 68 - 69 روبلا، مستبعدة في الوقت نفسه احتمال تدخل المصرف المركزي الروسي لخفض قيمة الروبل قبل الانتخابات التشريعية.

وتضيف الخبيرة المالية الروسية: "بعد الانتخابات، قد يبدأ المصرف المركزي بشراء العملة لمنع تعزيز الروبل مواقعه، وقد يبلغ سعر صرف الروبل ما بين 69 و72 روبل للدولار الواحد".
وتشير إلى أن فترة نهاية العام تعتبر صعبة من وجهة نظر دفعات الديون الخارجية، وهو أمر تترتب عليه عودة المؤشرات الاقتصادية إلى مستوياتها الواقعية.
وتوقع مصرف "غازبروم بنك" في تقرير حديث، أنه في حال استمرار أسعار النفط عند مستوى 45 - 50 دولارا، فإن سعر صرف العملة المحلية سينخفض تدريجيا إلى مستوى 70 - 75 روبل للدولار، بينما قد يؤدي ارتفاع أسعار النفط أو زيادة الاستثمار إلى تعزيز مواقعها أمام الدولار عند مستوى 50 - 55 روبل.

وسبق للروبل أن سجل أدنى مستويات تاريخيا أمام الدولار الذي تجاوز 80 روبل في بداية العام الجاري وسط هبوط أسعار النفط إلى 27 دولارا فقط للبرميل، ولكن العملة الروسية بدأت تتعافى مع ارتفاع أسعار النفط في الأشهر التالية وصولا إلى مستوى 50 دولارا للبرميل، وهو الرقم الذي بنيت على أساسه الميزانية الروسية لعام 2016.


دلالات

المساهمون