22 شهراً من ركود الشركات المصرية

09 يوليو 2023
أزمة الدولار تؤثر سلباً في أداء الشركات المصرية (Getty)
+ الخط -

يسحق ثالوث التضخم وشح الدولار والبيروقراطية الممثلة في سوء الأداء الحكومي الشركات غير النفطية في مصر، ليبقيها في منطقة الركود للشهر 22 على التوالي.

فرض الثالوث القاتل للصناعات المحلية أجواء متشائمة، سجلها مؤشر مديري المشتريات MPI عن شهر يونيو/ حزيران 2023، الصادر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز، عند ثاني أدنى معدل تفاؤل مسجل بالمؤشر، بينما يؤكد الدكتور محمد هلال، رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين، بلوغها "حد الخراب".

وكشف تقرير S&P Glopal، عن أبطأ انخفاض في الإنتاج بالشركات خلال الشهر الماضي، منذ ما يقرب من عامين، وانخفاض بمعدل التوظيف، مع بقاء ثقة الشركات ضعيفة، رغم التراجع الطفيف في الضغوط التضخمية المسجلة في يناير/ كانون الثاني 2023.

أوضح التقرير أن اقتصاد القطاع الخاص غير المنتج للنفط يعيش تحت الضغط مع تدهور ظروف الأعمال، يظهر جليا مع انخفاض الإنتاج والطلبات الجديدة بمعدلات أضعف ومستوى التوظيف للشهر السابع على التوالي.

أكد التقرير عدم ثقة مديري الشركات في تحسن الأجواء لمدة مقبلة، تصل إلى 12 شهراً، مبينا أن ارتفاع مؤشر مديري المشتريات من 47.8 نقطة في شهر مايو/ أيار إلى 49.1 في شهر يونيو وهو أعلى مستوى له منذ أغسطس/ آب 2021، مع ذلك يظل انخفاض هامشي يبقي الشركات في منطقة الركود عند أقل من 50 نقطة، وهي الحد الفاصل بين الركود والنمو.

أكدت اللجنة الفنية المعدة للتقرير أن ضغوط الأسعار ومشكلات السيولة وضعف الطلب أدت إلى انخفاض حجم النشاط التجاري الإجمالي لأدنى مستوى في 21 شهراً والمحقق في ديسمبر/ كانون الأول 2021، مبينا أن الأسعار المرتفعة والظروف الاقتصادية الضعيفة أثرا على أداء المبيعات وأن أي تحسن كان ناتجا عن الطلب المحلي، حيث انخفضت طلبات التصدير الجديدة بوتيرة حادة ومتسارعة كانت الأقوى في 9 أشهر.

من جهته، أشار كبير الباحثين في "ستاندرد آند بورز ماركت إنتليجينس" جو هايز إلى انخفاض ثقة الشركات إلى ثاني أدنى مستوى لها على الإطلاق، وهو ما يسلط الضوء على حالة مزاجية متشائمة بين الشركات يمكن أن تشهد تحسنا خلال الأشهر المقبلة إذا تمكنت مؤشرات الإنتاج والطلبات الجديدة من الحفاظ على مسارها التصاعدي، مع تراجع ضغوط التضخم والتي ارتفعت بحدة في بداية العام.

وتتجه شركات القطاع الخاص إلى خفض مشترياتها ومخزون مستلزمات الإنتاج، مع خفض مستويات التوظيف. أرجع رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين محمد هلال أزمة الشركات وحالة التشاؤم بين المديرين إلى فقدان المنشآت الصناعية والإنتاجية الحافز الحقيقي للاستثمار، مؤكداً أنّ الوعود التي تطرحها الحكومة لحلّ أزمة الشركات والمنتجين لا تطبق على أرض الواقع، وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "لقد كانت إجازة العيد الطويلة فرصة للالتقاء بأصحاب الأعمال، للتشاور حول مواجهة الأزمات التي تحيط بهم، فإذا بأغلبيتهم يتحدثون عن معاناة كثيرة، ويدرسون إغلاق منشآتهم، ومنهم من يفكر في السفر".

وأضاف هلال أن استفحال الأزمات، وعدم تحويل الأوامر الرئاسية والحلول السياسية المطروحة من الجهات العليا والمجلس الأعلى للاستثمار إلى أرض الواقع، جعلا الأزمات تتحول إلى خراب لكل من يعمل في صناعة أو زراعة أو جهة إنتاجية، وأشار إلى استمرار معاناة المستثمرين من عدم القدرة على توفير الدولار لشراء مستلزمات الإنتاج من الخارج، مطالبا بوضع أولويات للاستيراد، تستهدف الصناعات التي تشارك في توليد العملة الصعبة، بزيادة الصادرات السلعية والصناعية، وأن تتوقف الدولة عن سداد الديون وتتعامل بشدة مع برنامج الإصلاح المتفق عليه مع صندوق النقد، ولو أدى ذلك إلى وقف الاتفاق معه.

وأوضح هلال أن الدولة ملزمة بتوفير مستلزمات الإنتاج للشركات الإنتاجية والمصانع حتى لا تتجه إلى تصفية أعمالها، محذرا من أن موجات الإغلاق إذا ما بدأت لن يستطيع أحد حلها أو إعادة روافد التشغيل بسهولة من جديد، من دون أن تمر فترة زمنية طويلة، وبخاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المغذية للاقتصاد والتي تمتص أكبر عدد من العمالة، وقال إنّ هناك انفصاماً تاماً بين كلام المسؤولين والواقع المرير، وهناك عدم شفافية في نقل المعلومات إلى القيادة السياسية، فهي لا تعلم مدى قسوة الاستثمار والعمل في السوق المصرية، ولو علمت لكان من شأنها أن تحمي الأعمال وفرص العمل بالبلد، مبينا تعطل استيراد خامات المصانع، بما أدى إلى تراجع في الصادرات بنسبة 21 في المائة خلال الربع الأخير من العام المالي 2022-2023، عن الفترة نفسها من العام الماضي.

ودعا هلال الحكومة إلى السماح باستيراد مدخلات الإنتاج للصناعات، التي تشارك في زيادة الصادرات والتشغيل والضرائب، ووقف أي وارادت غير مفيدة، واقترح أن يسمح البنك المركزي لرجال الأعمال بإدخال الدولار الذي يحصلون عليه من السوق الموازية للبنوك، واعتماد الحكومة لسعره المعلن بالأسواق، لتسجيل قيمة الفرق في العملة في سجلات تكاليف التشغيل والضرائب، لحين حل أزمة تعدد سعر صرف الدولار والعملة الصعبة التي تضيف عبئا كبيرا على المصنعين وتربك تسعير المنتجات والتكاليف أمام المستثمرين.

بدوره، اعتبر عضو مجلس إدارة اتحاد المستثمرين عبد الغني الأباصيري أن تراجع قيمة الجنيه أكبر مشكلة تواجه الشركات، بما تحمله من ضغوط ناتجه عن زيادة قيمة الدولار الذي يحتاجه المصنعون لشراء مستلزمات الإنتاج، وغلاء الأسعار، وعدم قدرة الحكومة على تدبير العملة الصعبة لشراء الخامات اللازمة للمصانع، وطالب في حديثه مع "العربي الجديد"، الحكومة بحل أزمة الدولار، باعتبارها قضية دولة ولا تخص أفراداً، مبيناً أنها تضع أولوية تدبير الدولار الذي بحوزتها لشراء الغذاء والدواء، بينما مستلزمات الإنتاج تظل عرضة للتأخير لآجال غير معلومة.

ودعم الأباصيري، وهو المسؤول عن قطاع الصناعات النسيجية بالاتحاد، رؤية هلال بضرورة أن يتخذ البنك المركزي قرارات جريئة ويعتمد حيازة الشركات للدولار من السوق الموازية أو مما يملكه الأفراد لشراء الخامات ومستلزمات الإنتاج، مشيراً إلى أنه من دون توافر هذه الخامات، لن تتمكن الدولة من زيادة صادراتها، أو الحفاظ على العمالة بها، في قطاعات ناجحة ولديها فرصة للتوسع بالأسواق الدولية، وسداد حاجة المواطنين بما يقلل الواردات وعلى رأسها الصناعات النسيجية والملابس.

وكان المجلس الأعلى للاستثمار قد أصدر في جلسته الأولى في 16 مايو/ أيار الماضي، 22 قراراً لتسهيل أعمال المستثمرين ودفع العمل بمناطق التنمية الصناعية والإنتاجية بأنحاء البلاد، اعتبرها اتحاد المستثمرين والمشاركين في الحوار الوطني انطلاقة كبيرة ستعمل على القضاء على البيروقراطية والفساد وزيادة الصادرات إلى نحو 100 مليار دولار خلال 5 سنوات. ويشير مستثمرون إلى أن الضمانات القانونية لا تحسم بمفردها زيادة الإنتاج، طالما ظلت السياسات نفسها المتبعة على أرض الواقع هي الحاكمة للاقتصاد.

المساهمون