"البوذية وقانون الصمت": اغتصاب واختلاس أموال في معابد أوروبا

18 سبتمبر 2022
تغاضى الدالاي لاما ومساعده ماتيو ريكار عن محاسبة المرتكبين (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -

عرضت قناة ARTE الفرنسية/ الألمانية الأسبوع الماضي وثائقيّاً بعنوان "البوذية وقانون الصمت"، آخذةً المشاهدين في رحلة مُظلمة إلى كواليس المعابد البوذية في أوروبا، وعارضةً شهادات عن ممارسات كبار الأساتذة الروحيين التابعين لطائفة البوذيين التيبيتيين.
رحلة للتعرّف إلى الوجه الآخر، للطائفة التي تحظى منذ عشرات السنين باهتمام شريحة كبيرة من الأوروبيين: اعتداءات جنسية وجسدية على نساء وأطفال، تلاعب عقلي وعمليات اختلاس أموال وغيرها الكثير من التفاصيل الصادمة. عوالم حاولت بعض الأوساط البوذية الضغط لمنع خروجها الى العلن، وهددت باللجوء الى القضاء في حال عرض الوثائقي، حسب ما نقلت صحيفة "لومانيتيه" الفرنسية عن الصحافيَين اللذين عملا على هذا التحقيق الاستقصائي الطويل. 
يأخذنا الوثائقي في رحلة بين المعابد البوذية في فرنسا وبعض الدول الأوروبية، ناقلاً وجوه الكهنة (أو كبار الأساتذة الروحيين) وشهادات ضحاياهم ومن عملوا معهم لسنوات وشاهدوا ممارساتهم عن كثب. ساعة و28 دقيقة هي نتاج عمل صحافي استغرق تحضيره عشر سنوات، وهو من إنجاز صحافيين فرنسيين هما: إيلودي إيميري ووندريل لانوس. 
كما صدر كتاب في اليوم التالي لعرض الوثائقي حمل نفس العنوان. لا يتوقّف المجهود الصحافي الاستقصائي عند حدّ الكشف عن "فظائع" من داخل هذه المعابد البوذية الأوروبية، بل يُظهر أيضاً، بالوثائق والتواريخ، كيف تغاضى كلّ من الدالاي لاما (جائزة نوبل للسلام في عام 1989، وهو القائد الروحي الأعلى للبوذيين التيبيتيين)، ومساعده (المُترجم الى الفرنسية) الراهب البوذي (فرنسي الأصل) ماتيو ريكار عن اتّخاذ أيّة إجراءات للمحاسبة أو حتى للتحذير من هذه الممارسات، التي غالباً ما برّرها مرتكبوها باسم طائفتهم وتعاليمها.
وعلى الرغم من إبلاغ الدالاي لاما بهذه الاعتداءات، في لقاء جرى في عام 1993، يُظهر الوثائقي كيف تنصّل من تحمل المسؤولية، وكيف استمرّ في الظهور في العلن جنباً إلى جنب مع أبرز الوجوه المتهمة بهذه الاعتداءات وعمليات الاختلاس. في عام 2017، أي سنوات طويلة بعد اطّلاعه على هذه التفاصيل، أسقط الدالاي لاما شرعيّته عن أحد كبار الوجوه التي أسّست العديد من المعابد في فرنسا: سوغيال رينبوشيه (توفي في عام 2019 وذلك بعد اختبائه في تايلاند).
في شهادة لواحدة من الضحايا أمام القضاء البلجيكي، بدا واضحاً الاستغلال والتبرير "الروحي" لفعل الاغتصاب. مأسسة "روحية" وتذنيب للضحية تلتقي في تفاصيلها مع عمليات الاعتداء الجنسي في قلب العديد من المؤسسات الدينية. اللاما كونزانغ دورجيه (بلجيكي الأصل واسمه روبرت سباتز)، على سبيل المثال، برّر اغتصاب ضحيته على أنه قصاص الحياة لها، لفعلٍ ربما اقترفته في واحدة من حيواتها السابقة. تتلو الضحية على القاضي تبرير الكاهن فعله هذا: اغتصابي في هذه الحياة، يعود على الأرجح لاحتمال أني كنت رجلاً في حياة سابقة، وأني سبق أن ارتكبت الجريمة مع امرأة. هذا قصاص. الآن ستغيب مفاعل الكارما السيئة. أنا أقترب من اليقظة". وهذا ليس كل شيء، بل تمكّن الوثائقي أيضاً من إظهار تعامل هيكليّ في هذه الطائفة، يجعل من المرأة شخصاً أقلّ قيمة وظيفته خدمة كبار الأساتذة الروحيين.

أحد "كبار المعلمين" كان على الدوام ينتقي الفتيات "الأجمل" ويضعهنّ في حلقته القريبة والضيقة تحت ما يُسمّى "داكينيس". يبقينَ برفقته على الدوام، وفي خدمته في أدق تفاصيل حياته اليومية (الحمام جزءٌ منها) وصولاً إلى حدّ اغتصابهنّ تحت عناوين وممارسات روحية. على صعيد آخر، لا يتردّد الوثائقي في تشبيه عمل هذه المعابد ورؤوسها الكبيرة بعمل "المافيا"، وذلك بسبب التورط في عمليات اختلاس وتهريب أموال عبر الحدود، وتهديد من يُساعدون في نقل الأموال (من تلامذتهم) بالقتل.
احتفت الصحافة الفرنسية بالوثائقي ووصفته بالتحقيق الصادم، والتحقيق القنبلة وغيرها الكثير من الصفات المُثنية على جودة العمل. على الأرجح سيفتح هذا الوثائقي الأبواب لمزيد من الحقائق والشهادات، خاصة أن ردود الفعل جاءت كثيرة. ومن ضمنها، ردّ مُترجم الدالاي لاما، الكاهن الروحي ماتيو ريكار، على ما جاء في التقرير عبر تدوينة خاصة في موقعه وعبر سلسلة من التغريدات عبر صفحته الخاصة في تويتر. اعتذر ريكار من الضحايا لتأخّره في إظهار إدانة أكثر صرامة لما تعرّضوا له، بينما برّر رفضه نشر مقابلته في الوثائقي بتعرّضه للخداع. إذ يقول في مدونته إنه تمّ تقديم طلب مقابلته للحديث في تاريخ البوذية والعلاقة مع علم الأعصاب، ليكتشف في منتصف المقابلة توجّه الصحافي إلى طرح أسئلة "واتهامات كاذبة" في مواضيع لم تكن على الجدول.   
في هذا الوقت، يُعيد الوثائقي التذكير بالفضائح التي تُلاحق الكنيسة الكاثوليكية، ومحاولة تغطيتها المُستمرّة على رجال دين متهمين بالتحرش والاعتداءات الجنسية. فهل هذه بداية انكشاف عوالم البوذية السُفليّة أيضاً؟ 

المساهمون