"غوغل" و"ميتا" ترفضان الدفع للصحافة الكندية

01 يوليو 2023
عشرات المطبوعات الكندية توقفت عن الصدور في السنوات الأخيرة (أندرو تشن/Getty)
+ الخط -

قررت شركتا ميتا وغوغل منع الأخبار المحلية الكندية عن مستخدميهما هناك، بعد تمرير قانون يهدف إلى إجبار عمالقة التكنولوجيا على الدفع لمقدّمي الأخبار مقابل المحتوى. ماذا سيحدث الآن؟

قانون الأخبار على الإنترنت مُرّر الأسبوع الماضي، والهدف منه دعم قطاع الأخبار الكندي المتعثر، بعدما توقفت منشورات عدة خلال السنوات العشر الماضية. يتطلب القانون من عمالقة التكنولوجيا عقد صفقات تجارية عادلة مع المنافذ الكندية مقابل الأخبار والمعلومات التي تُشارك على منصاتهم. إذا لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق، يمكن لهيئة تنظيم البث الكندية إجبارهما على الخضوع للتحكيم.

لكن "غوغل" منعت، اعتباراً من أول من أمس الخميس، مستخدميها الكنديين من الاطلاع على الأخبار المحلية عبر منصتها.

وفي بيان، أشارت "غوغل" إلى أن القانون الجديد "غير قابل للتطبيق"، وأن الحكومة الكندية لم تعطها سبباً للاعتقاد بأن "المشكلات الهيكلية المتعلقة بالتشريع" ستحلّ أثناء تنفيذه. وأضافت الشركة الأميركية، في البيان نفسه، أنه "سيكون من الصعب على الكنديين العثور على الأخبار عبر الإنترنت، كما سيصعب على الصحافيين الوصول إلى جمهورهم".

وذكرت، في الوقت نفسه، أن لديها حالياً اتفاقيات مع أكثر من 150 مؤسسة إخبارية كندية، وقدّرت أن الوصول إلى الأخبار عبر منصتها ساعد المواقع الإخبارية على كسب 250 مليون دولار كندي سنوياً. وأكدت الشركة على موقفها بالقول: "نحن على استعداد لبذل المزيد"، في إشارة إلى ما تدفعه. وأضافت: "لا يمكننا فعل ذلك بطريقة تكسر الكيفية التي صمم بها الويب ومحركات البحث للعمل، وهذا يخلق حالة من عدم اليقين المالي والشكّ بشأن المنتج".

المستخدمون في كندا سيظلون قادرين على الوصول إلى الأخبار التي تنشرها المواقع الكندية من خلال الدخول إلى عناوين هذه المواقع مباشرة، إن من خلال المتصفح أو التطبيقات.

وأبرمت "غوغل" اتفاقيات دفع مع ناشري الأخبار في أوروبا وأستراليا وأماكن أخرى، وبدا أنها مستعدة للتفاوض. ويأتي إعلان "غوغل" بعد فشل محادثاتها مع الحكومة الكندية حول القانون في اللحظة الأخيرة.

الأسبوع الماضي، أعلنت شركة ميتا أنها ستحظر الوصول إلى الأخبار الكندية عبر منصتيها "فيسبوك" و"إنستغرام"، وكانت قد عارضت الاقتراح منذ البداية، وأكدت أنها ستبدأ بحجب المواقع الإخبارية للمستخدمين الكنديين خلال الأشهر القليلة المقبلة. وحاججت بأن القانون الكندي أوسع من ذلك الذي سُنّ في أستراليا وأوروبا، وأشارت إلى أنه يضع سعراً على روابط الأخبار المعروضة في نتائج البحث، ويمكن أن ينطبق الأمر على المنافذ التي لا تنتج أخباراً. واقترح محرك البحث العملاق مراجعة القانون، لجعل عرض المحتوى الإخباري ـ بدلاً من الروابط ـ أساساً للدفع، ولحصر الدفع للمؤسسات التي تنتج الأخبار وتلتزم بالمعايير الصحافية.

الشركتان العملاقتان اللتان تهيمنان على سوق الإعلانات عبر الإنترنت تُتهمان بسلب المال من المؤسسات الإخبارية التقليدية عند استخدام محتواها من دون دفع أي مقابل.

وقالت نائبة رئيس الوزراء كريستيا فريلاند، وهي صحافية سابقة، إن "خسارة غرف التحرير في كندا للعائدات ليست مشكلة الصحافيين وحدهم، بل مشكلة البلد كله". وأضافت: "لكي نحظى بثقافة راسخة ومجتمع وسياسة صحيين، نحتاج إلى صحافيين مذهلين يتقاضون رواتب جيدة".

وقدّر تقرير صدر في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عن هيئة مراقبة الميزانية في البرلمان الكندي، أن يدرّ قانون الأخبار على الإنترنت نحو 330 مليون دولار كندي سنوياً على الصحف الكندية من المنصات الرقمية.

يعتمد الإجراء الذي اتخذته كندا على قانون مساومة الوسائط الجديدة الأسترالي، وهو الأول من نوعه في العالم، والذي جعل "غوغل" و"ميتا" تدفعان مقابل نشر الأخبار على منصاتهما. أثار القانون الأسترالي اعتراضات مماثلة، ما دفع "ميتا" إلى فرض تعتيم على الأخبار لفترة وجيزة. لكن بعد إجراء بعض التغييرات على مشروع القانون، انتهى الأمر بالشركتين إلى التفاوض على أكثر من 30 صفقة مع ناشرين، تزيد قيمتها على 130 مليون دولار (200 مليون دولار أسترالي).

من جهة ثانية، قال رئيس مجلة "لا برس"، وهي إحدى المطبوعات الرائدة باللغة الفرنسية في كيبيك، بيير-إليوت ليفاسور إنه حاول لسنوات التفاوض بشأن اتفاقيات الدفع مع عمالقة التكنولوجيا، لكنهم "رفضوا (التعاون) رفضاً قاطعاً لسنوات وسنوات".

كان ليفاسور يأمل بأن يغير القانون الجديد الوضع القائم ويؤدي إلى تدفق الأموال التي يمكن استثمارها في القطاع. ولكن بدلاً من تحقيق مكاسب مفاجئة، تواجه "لا برس" والمؤسسات الإخبارية الكندية الأخرى الآن تعتيماً، بعد منع الوصول إلى أخبارها عبر منصات "غوغل" و"ميتا".

وقال ليفاسور لـ"بي بي سي"، الجمعة، إن العاملين في قطاع الأخبار "لا يريدون صَدَقة". وأضاف: "إننا نطلب الحصول على فرصة للتفاوض على اتفاقية تجارية عادلة. السبب الوحيد وراء عدم قيامهم (عمالقة التكنولوجيا) بذلك هو أنهم محتكرون".

قبل تمرير القانون هذا الشهر، رفض رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو تهديدات شركات التكنولوجيا بسحب الأخبار من منصاتها. وقال ترودو، في يونيو/ حزيران الماضي: "حقيقة أن عمالقة الإنترنت هؤلاء يفضلون منع وصول الكنديين إلى الأخبار المحلية بدلاً من دفع حصة عادلة هي مشكلة حقيقية، والآن يلجأون إلى أساليب التنمر لمحاولة الوصول إلى مبتغاهم. لن ينجح الأمر".

يمكن أن تكون كيفية حل النزاع بمثابة لحظة محورية في معركة أوسع، إذ تدرس دول أخرى، بينها إندونيسيا وجنوب أفريقيا والهند والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، اتخاذ إجراءات مماثلة. في الولايات المتحدة، رفعت وزارة العدل ومجموعة من ثماني ولايات دعوى قضائية ضد شركة غوغل في يناير/ كانون الثاني الماضي، متهمة إياها بإساءة استغلال احتكارها للتكنولوجيا التي تدعم الإعلانات عبر الإنترنت. وكانت الدعوى القضائية هي الأولى المتعلقة بمكافحة الاحتكار التي ترفعها الوزارة ضد عملاق التكنولوجيا في عهد الرئيس جو بايدن. وتهدد كاليفورنيا أيضاً بممارسة ضغوط قانونية على شركات التكنولوجيا. وفي الشهر الماضي، صوّت مجلس الولاية لتقديم مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ يفرض ضرائب على شركات التكنولوجيا لتوزيعها مقالات إخبارية. ورداً على ذلك، صرحت "ميتا" بأنها "ستضطر" إلى إزالة الأخبار من "فيسبوك" و"إنستغرام" إذا أقر القانون.

المبالغ التي تجري مناقشتها ضئيلة مقارنة بعشرات المليارات من الدولارات التي يحققها عمالقة التكنولوجيا كل عام، لكنها قد تكون شريان حياة للصحافة، كما قالت مديرة مركز الصحافة والحرية في مؤسسة أوبن ماركتس لمكافحة الاحتكار كورتني رادش. وقالت رادش لـ"بي بي سي": "هناك إجماع متزايد حول العالم على أن غوغل وفيسبوك يجب أن تدفعا مقابل الأخبار (...) يدرك الناس أن هناك حاجة لحماية الصحافة باعتبارها ركيزة أساسية للديمقراطية".

في المقابل، رأى الباحث القانوني الكندي في مجال التكنولوجيا والمنتقد البارز لمشروع القانون مايكل جيست أن الحكومة أخطأت في حساباتها، لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي طرأت على كيفية تسيير شركة ميتا أعمالها. كانت "ميتا" قد كشفت أن نسبة البالغين الذين يستخدمون "فيسبوك" للأخبار تراجعت بنحو الثلث بين عامي 2016 و2022، من 45 في المائة إلى 30 في المائة. وتُظهر استطلاعات الرأي التي أجرتها للمستخدمين أنهم يريدون رؤية أخبار أقل على المنصة.

المساهمون