المخرج الإيراني محمد رسولوف: يصعب التنبؤ بالأحداث السياسية، لكن ثمة أمل دائماً

25 مايو 2024
حمل رسولوف صورتين لبطلي فيلمه الأخير على سجادة كان، 24 مايو 2024 (مصطفى يالشن/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المخرج الإيراني محمد رسولوف، الذي هرب من إيران، استُقبل بحفاوة في مهرجان كان السينمائي، حيث عُرض فيلمه "دانه انجر مقدس"، معبرًا عن أمله في زوال نظام القمع بإيران.
- رسولوف، واجه السجن والملاحقة في إيران، وصل إلى ألمانيا حيث وجد ملجأ، محافظًا على سرية عمله ومعبرًا عن قلقه تجاه زملائه تحت ضغط النظام الإيراني.
- مهرجان كان يوفر منصة للفنانين الإيرانيين للتعبير عن مقاومتهم للنظام، مع تأكيد رسولوف على أهمية الضغط السياسي لوقف القمع والرقابة، مبرزًا دور المجتمع الدولي في دعم الفنانين.

حصل المخرج الإيراني محمد رسولوف الذي نجح أخيراً في الهرب من إيران على ترحيب حار من الحاضرين في مهرجان كان السينمائي الجمعة، إذ صفّقوا له وقوفاً لمناسبة عرض فيلمه في المسابقة الرسمية للمهرجان.

وقد حضر محمد رسولوف شخصياً إلى المهرجان لمواكبة عرض فيلمه "دانه انجر مقدس" (بالإنكليزية: The Seed of the Sacred Fig، وبالعربية: بذرة التين المقدس) الذي يتنافس على السعفة الذهبية للدورة السابعة والسبعين من الحدث السينمائي، بعدما نجح في المغادرة "سراً" من بلاده. وحمل رسولوف لدى وصوله للمشاركة في الحدث صورتين لبطلي فيلمه الجديد، الممثلة الإيرانية سهيلا غلستاني ومواطنها الممثل ميثاق زاره.

ويشكّل حضور رسولوف، الملاحق من النظام الإيراني الذي حرمه من جواز سفره وحكم عليه بالسجن، رسالة قوية يريد من خلالها المهرجان الفرنسي تأكيد دعم حرية التعبير.

اعتلى رسولوف سلالم المهرجان برفقة ابنته باران، والممثلة الإيرانية غولشيفته فرحاني التي تعيش في المنفى في فرنسا منذ نحو 15 عاماً.

وقال المخرج بعد عرض فيلمه: "آمل أن يزول جهاز القمع والديكتاتورية برمته في إيران"، متوجهاً بأفكاره إلى "جميع من أتاحوا تنفيذ هذا الفيلم، وجميع من هم هنا، وأيضاً جميع من مُنعوا من المجيء".

وكان محمد رسولوف قال خلال مشاركته في برنامج "سيتافو" التلفزيوني الفرنسي مساء الخميس: "عندما عبرتُ الحدود، استدرتُ، وألقيتُ نظرة أخيرة على موطني، وقلتُ لنفسي: سأعود إلى هنا". وأضاف خلال أول ظهور علني له، إلى جانب الممثلة غولشيفته فرحاني: "أعتقد أن جميع الإيرانيين الذين اضطُروا إلى المغادرة بسبب هذا النظام الشمولي يحتفظون بحقائبهم جاهزة في المنزل، على أمل تحسن الأمور".

محمد رسولوف من أبرز المخرجين الإيرانيين، ويُعرف بتحديه الدائم لهيئات الرقابة، ولم يأتِ إلى مهرجان كان السينمائي منذ عام 2017 حين حصل على جائزة فئة "نظرة ما" عن فيلمه A Man of Integrity (الرد بالنسخة الفارسية الأصلية)، وهو عمل يتمحور حول الفساد. وعام 2020، مُنع رسولوف من مغادرة إيران لتسلّم جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عن فيلم There Is No Evil (شطان وجود ندارد بالنسخة الفارسية الأصلية)، والذي يتطرق إلى عقوبة الإعدام. ويعد فيلمه الجديد بمزيد من الإزعاج للسلطات الإيرانية، إذ يروي قصة قاضي تحقيق غارق في جنون العظمة، في وقت تندلع فيه تظاهرات ضخمة في العاصمة طهران.

ومن خلال الترحيب به شخصياً، يرسل المهرجان الفرنسي بنسخته السابعة والسبعين إشارة "إلى جميع الفنانين الذين يعانون في العالم العنفَ والانتقام بسبب تعبيرهم عن فنهم"، على ما أكد المندوب العام للمهرجان تييري فريمو لوكالة فرانس برس.

كما أن هذه الرسالة موجهة بصورة أوسع إلى معارضي النظام القائم في إيران، حيث يستمر القمع في التزايد. وتفيد منظمة العفو الدولية بأن إيران، التي اهتزت بسبب حركة احتجاجية نهاية عام 2022 بعد وفاة الشابة مهسا أميني، أعدمت 853 شخصاً عام 2023، وهو أعلى رقم منذ 2015.

ويُتهم السينمائيون الإيرانيون بانتظام بالدعاية ضد النظام، في بلد يستحوذ المحافظون فيه على كامل مقاليد السلطة. ومن غير المرجح أن يتغير الوضع بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي قبل أيام في حادث تحطم مروحية.

محمد رسولوف: اخترت المنفى

بعد تحدي الرقابة لسنوات، اضطُرّ محمد رسولوف، الذي حُكم عليه عند الاستئناف بالسجن ثماني سنوات، خمس منها قابلة للتطبيق، إلى التسليم بقرار الفرار من البلاد. وأوضح رسولوف: "كان عليّ الاختيار بين السجن ومغادرة إيران، وبقلب مثقل، اخترت المنفى".

وكان هروبه سرياً، في رحلة محفوفة بالخطر استمرت ساعات عبر الجبال لاجتياز الحدود سيراً على الأقدام. وأوضح رسولوف الذي وصل بأمان إلى ألمانيا حيث وجد ملجأ له، أنه كان قادراً على الحفاظ على سرية "هوية الممثلين وطاقم العمل، بالإضافة إلى تفاصيل الحبكة والسيناريو". وأبدى ارتياحه لأن بعض الممثلين "تمكنوا من مغادرة إيران" في الوقت المناسب. لكن الكثير من أعضاء الفريق الآخرين ما زالوا هناك "وأجهزة المخابرات تمارس ضغوطاً عليهم. وقد خضعوا لاستجوابات طويلة. وجرى استدعاء عائلات بعضهم وتهديدها".

تُعتبر المهرجانات الدولية وما توفره من اهتمام إعلامي واسع شكلاً مهماً من أشكال الاعتراف بالسينمائيين الإيرانيين الذين يكافحون ضد ممارسات النظام، مثل جعفر بناهي أو سعيد روستايي، وقد باتوا ضيوفاً دائمين في هذه الأحداث رغم القمع الذي يتعرضون له.

وعبرت شخصيات سينمائية عدة عن دعمها للمخرج محمد رسولوف في رسالة مفتوحة، من بينهم الممثلة الإيرانية التي لجأت إلى فرنسا زار أمير إبراهيمي، ونجمة فيلم Anatomy of a Fall ساندرا هولر، أو حتى صانعي الأفلام مثل فاتح أكين وأنيسكا هولاند، ولورا بويتراس، إضافة إلى اثنين من المتنافسين على جائزة السعفة الذهبية لعام 2024، وهما بايال كاباديا وشون بيكر.

ومن المنتظر إعلان قائمة الفائزين في مهرجان كان السينمائي مساء اليوم السبت.

عشرون عاماً من التدريب لصنع فيلم

قال محمد رسولوف، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، على هامش وجوده في مهرجان كان السينمائي، إن التوصل إلى إخراج فيلم جيد بطريقة سرية "يتطلب تدريباً لمدة 20 عاماً". وأوضح: "يتطلب تعلّم ذلك 20 عاماً من التدريب، وإلا لكان في وسع أيّ كان صنع فيلم سري جيد! بمعنى أكثر جدية، بقدر ما تُمضي وقتاً في الاستجوابات لدى أجهزة الاستخبارات، تتعلّم كيفية تعطيل أساليب عملها. فهي تُطلعك على رسائل بريدك الإلكتروني، فتفهم كيف يجب أن تكتبها (لتجنب اكتشاف ما تعدّ له). وهي تعرض لك بياناتك المصرفية، فتدرك أنك لم يكن ينبغي أن تستخدم بطاقتك الائتمانية. في كل مرة، من خلال التعاطي مع هذه الأجهزة، ستفهم كيف وجدوك، وما يجب أن تفعله كي لا يجدوك في المرة المقبلة. أعترف أن مسألتي تشبه إلى حد ما عمل العصابات، لكنّ السجن مكان جيد لتعلم هذه الأمور".

وحين سئل عمّن يمكنه حماية من بقوا في إيران، أجاب: "أعتقد أن من الواجب ممارسة الضغط السياسي على النظام الإيراني حتى يوقف القمع والرقابة على الفنانين. ببساطة، إن وصف وضعهم، والتحدث عن الضغوط التي يتعرضون لها، تشكّل بداية جيدة. قد يكون في الاعتقاد بأن هذا الضغط السياسي سيأتي بشيء من المثالية، لكنني مقتنع بأنه السبيل الوحيد لتحقيق التغيير.

أما عن رأيه في إمكانية تغير النظام الإيراني من الداخل، خاصة بعد مقتل إبراهيم رئيسي الذي فتح مرحلة من الغموض، فأكد أنه "ثمة أمل دائماً، ولكن من الصعب التنبؤ بالأحداث السياسية. وأنا غير قادر على فعل ذلك. كل ما آمله هو أن يأتي هذا التغيير وأن يتمكن الشعب الإيراني من التنفس".

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون