مصر: الشرطة والبلطجية ورؤوس الأموال تحاصر "الصحافيين"

11 مايو 2016
(العربي الجديد)
+ الخط -
يحاول عشرات الصحافيين في مصر جمع مائة توقيع على طلب رسمي يُقدم لمجلس نقابة الصحافيين، للدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة، وفقًا للوائح النقابة، التي تُلزم المجلس بالدعوة للجمعية، حال تقدم مائة عضو بطلب رسمي لها. ويسعى قطاع عريض من الصحافيين لهذه الخطوة، في محاولة منهم لمواجهة التصعيد الأمني حيال أزمة النقابة الأخيرة مع وزارة الداخلية المصرية، في مواجهة قطاع آخر يخشى تلك الخطوة ويحذر منها بشدة، إذ لديه مخاوف من عدم اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية، وإجهاض ما تم بناؤه خلال اجتماع الجمعية العمومية في الرابع من مايو/أيار الجاري.

وتنص اللوائح المنظمة لنقابة الصحافيين المصرية، على وجوب تسجيل نسبة "50%+1" من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة، البالغ عددهم قرابة تسعة آلاف صحافي، لإتمام الجمعية العمومية.

وكانت قوات الأمن المصرية، قد حاصرت نقابة الصحافيين بالتعاون مع عشرات البلطجية ومن يعرفون بـ"المواطنين الشرفاء"، قبل الدعوة لاجتماع الجمعية العمومية، الأربعاء الماضي، 4 مايو/أيار الجاري، وهي الخطوة التي حالت دون وصول عدد من الصحافيين لحضور الاجتماع، خشية تحرش الأمن والبلطجية بهم، وهي الخطوة المتوقعة أيضا في أي حدث تدعو له النقابة لاحقًا.

وخلال اجتماع الجمعية العمومية الأخير، الذي جاء عقب أيام من اقتحام قوات الأمن المصرية، مبنى النقابة للقبض على الصحافيين، عمرو بدر، رئيس تحرير بوابة يناير، ومحمود السقا، الصحافي بنفس الموقع؛ أصدر مجلس نقابة الصحافيين عدة قرارات جاء على رأسها المطالبة بـ"إقالة وزير الداخلية مجدي عبد الغفار من منصبه، واعتذار رئاسة الجمهورية، والإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين في قضايا رأي ونشر ومن تم تلفيق تهم لهم، والعمل على إصدار قوانين تجرّم الاعتداء على النقابة، أو اقتحامها، وإصدار قانون منع الحبس في قضايا النشر".

هذا التصعيد من جانب اجتماع الجمعية العمومية، جاء بتحريض من الصحافيين أنفسهم لمجلس النقابة، الذي بدأ بعض أعضائه في التراجع عن التزامهم بالقرارات، وهو ما ظهر في تصريحاتهم الصحافية اللاحقة، وهو ما أكد عليه أيضا، حضور خمسة من أعضاء مجلس النقابة، وهم حاتم زكريا، وإبراهيم أبو كيلة، وخالد ميرى، ومحمد شبانة، وعلاء ثابت، اجتماع ما تسمى بـ"جبهة تصحيح المسار"، التي ادعت انحراف مسار النقابة والجمعية العمومية، وتطوعت لتصحيحه، من خلال مؤتمر حضره عشرات الصحافيين ونقباء سابقون ورؤساء تحرير، بمقر جريدة الأهرام القومية، الأحد الماضي، الذي أطلق عليه صحافيون "اجتماع الفتنة"؛ مؤكدين، أن أجهزة بالدولة رتبت له، لمحاولة شق الصف الصحافي المصري.

هذا التراجع المبدئي عن موقف الجماعة الصحافية من اجتماع الجمعية العمومية، استنبطه أيضا صحافيون، من بيان نقيب الصحافيين المصريين، يحيى قلاش، أمام مجلس النواب، الذي جاء فيه "يؤكد مجلس النقابة ترحيبه بكل المبادرات والوساطات الجادة الساعية لنزع فتيل الأزمة بما يحفظ كرامة المهنة والنقابة والمنتمين لها، وبما يعزز المصلحة الوطنية التي تستوجب من الجميع مراعاة التحديات التي تواجه وطننا الحبيب".

فقد اعتبر البعض أن هذا البيان يعد بمثابة تسليم من مجلس النقابة بتورطهم في الأزمة وعدم قدرتهم على مواصلة الدفاع عن قرارات اجتماع الجمعية العمومية، وسعيهم الحثيث وراء أي مبادرة أو مخرج للأزمة، لا سيما عقب قرار مجلس النقابة بتأجيل المؤتمر الذي كان مقررا له أمس الثلاثاء، لمناقشة كيفية تنفيذ مطالب اجتماع الجمعية العمومية، لمدة أسبوع على الأقل.
إلى ذلك، يستمر مجلس نقابة الصحافيين في حالة انعقاد دائم، على خلفية الأزمة الأخيرة مع وزارة الداخلية المصرية، فضلاً عن تشديده على أن القضية ليس قضية المجلس وحده، ولكنها قضية كل الصحافيين في مصر.

وعلمت "العربي الجديد"، أن بعض الصحافيين المعتصمين في النقابة، منذ اقتحام الشرطة لها إلى اليوم، كانوا قد اجتمعوا مع نقيب الصحافيين، منذ عدة أيام، وأكد لهم استمراره في حمل كافة مطالب الجمعية العمومية والدفاع عن حرية وكرامة الصحافة، ولكنه آثر ألا يبدي رأيه في تطورات الأوضاع ومدى قدرة الصحافيين على المواجهة في ظل نظام يعصف بالحريات، بجحة أن "لديه معلومات لا يمكنه الإدلاء بها حاليا، ولكنها تجعله ينظر للأزمة من منظور مختلف".

إلا أن اللافت في الأمر، هو بحث مجلس نقابة الصحافيين عن "مبادرات ووساطات جادة تسعى لنزع فتيل الأزمة"، بحسب بيان قلاش للنواب؛ في مقابل تصعيد وزارة الداخلية من جانبها للأزمة؛ إذ رفضت الوزارة استقبال الصحافيين البرلمانيين المصاحبين لوفد مجلس الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، لتقديم واجب العزاء في شهداء حادث حلوان الإرهابي، الذي راح ضحيته ثمانية من أفراد الشرطة المصرية، بينهم ضباط.

كما تواصل وزارة الداخلية، عدم إرسال نشرات دورية بأخبارها، للصحافيين، منذ اجتماع الجمعية العمومية وحتى اليوم، بمن في ذلك مندوبو صحف الوكالة القومية.

فيما تتمسك نقابة الصحافيين بسلك الطرق القانونية، من خلال إعداد مذكرة قانونية برأي النقابة في الأزمة، تتضمن سردًا للوقائع الخاصة بحصار النقابة واقتحامها، لتقديمها إلى الجهات المعنية والنائب العام لكشف الملابسات الخاصة بما حدث، مع تأكيد النقابة على أن "حل الأزمة يكون عبر الطريق الذي يضمن الحفاظ على هيبة النقابة وكرامة أعضاء الجمعية العمومية، وأن تحقيق ذلك يتطلب تماسك جموع الصحافيين ووحدتهم دفاعًا عن مهنتهم وكرامتهم".

ليس فقط التصعيد من أحد الجانبين هو ما يعزز تفاقم الأزمة، بل أن تعلُق الصحافة ووسائل الإعلام المصرية ماديا وإداريا بالنظام الحالي، يقف عقبة أمام سبل إنهاء الأزمة قريبا، وهو تخوف آخر يتحدث عنه صحافيون غير مؤيدين للدعوة لعقد جمعية عمومية خلال الأيام المقبلة. فتلويح النظام الحالي، بوقف طباعة الصحف المؤيدة لقرارات الجمعية العمومية، أو وقف بث قنوات تهاجم الشرطة، أو منع إصدار بدل التدريب والتكنولوجيا عن الصحافيين، يزيد من عمق الأزمة، ويزيد من مخاوف الصحافيين على قدرتهم على المواجهة.
إذ تراجعت بعض الصحف بالفعل، كـ"الأهرام" القومية" و"اليوم السابع" الخاصة، عن مواقفهما الداعمة لقرارات الجمعية العمومية، وأعلنت "اعتذارها عن موقفها السابق، مقابل الانحراف لأقصى يمين النظام".

أما من استمر في معارضة النظام، والتمسك بقرارات اجتماع الجمعية العمومية، فقد واجهته جهات أمنية من ناحية أخرى؛ إذ قد أصدرت أوامر مباشرة لمطابع الصحف المصرية، بوقف طباعة عدد من الصحف الخاصة، التي استجابت لقرار الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المصرية، بتسويد جزء من الصفحة الأولى في أعدادها الصادرة، الأحد الماضي، وبالفعل لم تتمكن صحف مثل "الشروق" و"المصري اليوم" من إصدار الطبعة الأولى لها في الأسواق يوم الأحد الماضي، إلا بعد أن أجبرت على تغيير محتوى الصفحة الأولى، وإزالة شعار قرار الجمعية العمومية من أعلى الصفحة "لا لحظر النشر"، الذي التزمت به الأيام الماضية.

كما كانت فضائية "ايه بي سي" المصرية الخاصة، قد قطعت بث برناج "الجرنالجي" الذي يقدمه الإعلامي، يسري السيد،، لهجومه على وزارة الداخلية في مجمل حديثه عن أزمة الصحافة في مصر. وأصدرت القناة بيانا لها أعلنت فيه مخالفته لـ"سياسة القناة المؤيدة والمساندة للرئيس عبد الفتاح السيسي ومؤسسات الدولة المصرية وعلى رأسها القوات المسلحة ووزارة الداخلية والسلطة القضائية"، بحسب نص البيان.

فيما تستمر أبواق النظام الحالي وإعلاميوه، في شيطنة الصحافيين والنقابة ومجلسها، أمام الرأي العام، وإظهارهم في صورة "مخربين يهددون استمرار الوطن"، كما يردد بعض الإعلاميين مثل أحمد موسى، ومصطفى بكري، وغيرهم، وانضم لهم أخيراً، خالد صلاح.

أما التخوف الأخير الذي يحمله غير المؤيدين للدعوة من عقد جمعية عمومية طارئة، أنه في حال عدم اكتمال النصاب القانوني للجمعية، لدواعي الخوف أو اليأس أو محاصرة النقابة بالأمن والبلطجية من جديد؛ فستبدو الصورة وكأن "قلة من الصحافيين يتعنتون في مواجهة وزارة الداخلية والنظام"، وستصبح قرارات اجتماع الجمعية العمومية السابق غير إلزامية، وحينها قد يتطور الأمر لسحب الثقة من مجلس النقابة، والتنكيل الأمني به.
المساهمون