أندية مصر الرياضية... معركة وهميّة وديمقراطية مزيّفة

18 سبتمبر 2017
مشجّعون رياضيون وحماسة (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

خلال الأسابيع القليلة الماضية، أجرت الأندية الرياضية التابعة لوزارة الشباب والرياضة المصرية تصويتاً على لوائحها الداخلية، استعداداً لإجراء انتخابات مجالس إداراتها وفقاً لقانون الرياضة الجديد.

يُلزم قانون الرياضة المصري الجديد الذي جرت الموافقة عليه رسمياً في 31 مايو/ أيار الماضي، كل الأندية الرياضية في مصر بوضْع لائحتها الخاصة والموافقة عليها من قبل أعضاء الجمعية العمومية، لإجراء انتخابات مجلس الإدارة استناداً إلى القانون الجديد. وفي حال رفض اللائحة الداخلية التي يضعها النادي، من الممكن الاستعانة باللائحة الاسترشادية للجنة الأولمبية إلى حين إجراء الانتخابات ووضع لائحة جديدة.

لكنّ هذا التخيير ما بين موافقة أعضاء الأندية على لوائحها الداخلية وإجراء الانتخابات وفقاً للائحة الاسترشادية، جعل أعضاء الجمعيات العمومية للأندية يتوهّمون أنّ "ثمّة تربصاً ومحاولة لسيطرة الحكومة على الأندية"، على الرغم من أنّ محاولة التدخّل لم تأتِ من قبل اللائحة، بل جاءت بالفعل من بنود قانون الرياضة الجديد وما حمله من مواد عقوبات عدّة هدفها تصيّد روابط المشجّعين "الأولتراس" التي دخلت في مواجهات متعددة مع الدولة خلال الأعوام الماضية والتي تسبب الصدام معها في قرار منع حضور الجماهير للمباريات.

وادّعى أعضاء نادي "هليوبليس" في مصر الجديدة ونادي "الجزيرة" في الزمالك - وهما من أكبر وأغلى الأندية في مصر - أنّهما تمكّنا من إسقاط محاولات تدخّل الحكومة في شؤون الناديَين من خلال رفض اللائحة الاسترشادية والموافقة على اللائحة الداخلية التي أعدّها مجلس الإدارة الحالي. يُذكر أنّ المجلس الحالي من المتوقع أن يتغيّر مع الانتخابات المقبلة المتوقع إجراؤها قبل 15 ديسمبر/ كانون الأول 2017 وفقاً للقانون الجديد.

وكانت الأندية الكبرى "هليوبوليس" و"الأهلي" و"الزمالك" و"الجزيرة" في القاهرة بالإضافة إلى "سموحة" في الإسكندرية قد شهدت إقبالاً كثيفاً في الفترة الأخيرة على حضور الجمعيات العمومية الطارئة لتصويت الأعضاء على اللوائح الداخلية لكلّ نادٍ. وقد رفضت كلها اللائحة الاسترشادية، الأمر الذي عدّه أعضاء تلك الأندية "انتصاراً لإرادة الجمعية العمومية في مقابل التدخّل الحكومي".

وبدا رفض الجمعيات العمومية في الأندية الكبرى للائحة الاسترشادية "حراكاً ديمقراطياً" على الرغم ممّا يتضمّنه من "استعلاء طبقي"، خصوصاً أنّه ارتكز في المقام الأول على رفض مبدأ اللائحة الاسترشادية بـ"مساواة أعضاء الفروع بأعضاء المقرّ الرئيسي، ومنح العضويات الاستثنائية وأعضاء فروع الأندية حقوقاً متساوية مع أعضاء المقرّ الرئيسي في الانتخاب". وجاء رفض هذا المبدأ على خلفيّة "الحفاظ على المستوى الاجتماعي للنادي وأعضائه كجماعة مغلقة على نفسها، وعدم فتح الباب أمام أيّ تغير طبقي في تكوين الجمعيات العمومية، التي لها وحدها حقّ انتخاب مجلس الإدارة".

نادي الزمالك يحتفل بالكأس في يوليو 2014 (خالد دسوقي/ فرانس برس)


معركة طبقية

وهذه المعركة التي تبدو ديمقراطية المظهر فيما هي طبقية الباطن والتي أدارها أعضاء الجمعية العمومية للأندية الكبرى في القاهرة والإسكندرية، ابتعدت كثيراً عن المشكلات الكبرى التي تواجه القانون وفلسفته في "إبقاء الحركة الرياضية وجماهير الأندية في حظيرة النظام"، أسوة بباقي منظمات المجتمع المدني المصرية، خصوصاً ما اشتمل عليه من مواد عقوبات تستهدف روابط المشجعين "الأولتراس" وحدها.

ويشتمل الباب الثامن والأخير من قانون الرياضة الجديد "العقوبات"، على 13 مادة تصبّ كلها في منطق تغليظ العقوبات، بعدما جرّم في مادته رقم 91 إنشاء روابط رياضية "بالمخالفة للنظم الأساسية للهيئات الرياضية" التي يقرّها القانون، ونصّ على أنّه "يحبس مَن يؤسس رابطة رياضية مخالفة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو الغرامة أو كليهما".

وتنصّ المادة رقم 88 من قانون الرياضة الجديد على أنّه "يعاقب كل من سب أو قذف أو أهان بالقول أو الصياح أو الإشارة شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، أو حضّ على الكراهية أو التمييز العنصري بأيّ وسيلة من وسائل الجهر والعلانية، في أثناء أو بمناسبة النشاط الرياضي، بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو الغرامة أو كليهما. وتتضاعف العقوبة إذا وقعت الأفعال السابقة على إحدى الجهات أو الهيئات المشاركة في تأمين النشاط الرياضي أو أحد العاملين به".

كذلك تنص المادة رقم 86 على أنّه "يعاقب كل من دخل أو حاول الدخول إلى مكان النشاط الرياضي من دون أن يكون له الحق في ذلك بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر. وتتضاعف العقوبة إذا كان هذا الشخص حائزاً أو محرزاً لألعاب نارية أو مادة حارقة أو قابلة للاشتعال، سائلة أو صلبة، أو أيّ أداة يكون من شأن استخدامها إيذاء الغير أو الإضرار بالمنشآت أو المنقولات".

مشجعّون لنادي الأهلي في يوليو 2017 (خالد دسوقي/ فرانس برس)


تدوينة الوزير

من جهته، خرج وزير الشباب والرياضة المصري، خالد عبد العزيز، بتوضيح مفصل عبر حسابه الخاص على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، ردّ فيه على كلّ ما ادّعاه أعضاء الأندية من "محاولة السلطة فرْض هيمنتها على الأندية الرياضية". وبدأ عبد العزيز ردّه في تدوينة تحت عنوان "قانون الرياضة وجزاء سنمار"، بتوضيح "أعتقد أن الجميع يعلم أنّه منذ عام 1975 وحتى 31 مايو/ أيار 2017 كان وزير الشباب والرياضة له الحق المطلق في وضع لائحة تسري على جميع الأندية المصرية في جميع المحافظات من دون الرجوع لأعضاء النادي أو حتى مجالس إدارات الأندية.. بذلنا مجهوداً كبيراً حتى استطعنا تغيير القانون وصدر قانون جديد يعطي الحق الكامل لأول مرة في تاريخ الأندية المصرية لأعضاء النادي في صياغة لائحة ناديهم الخاصة". وتابع: "لأوّل مرة في تاريخ الرياضة المصرية يسعى الوزير للتنازل عن صلاحياته في وضْع لائحة موحدة لجميع الأندية ويعطي هذا الحق لأعضاء النادي بل ويعطي لهم الحق في تعديل هذه اللوائح لأعضاء النادي وحدهم دون الرجوع لأيّ جهة، ولأوّل مرة في التاريخ يتنازل الوزير عن حقه في تعيين مجلس إدارة لأيّ نادٍ أو يصدر قراراً بحل هذا المجلس أو بعض أعضاء المجلس".

وعن اللائحة الاسترشادية، كتب عبد العزيز أنّ "السؤال الذي جاء من العديد من نواب البرلمان وأعضاء الحكومة.. ماذا يحدث لو فشل أيّ نادٍ في وضع لائحته الخاصة أو تأخر لعدة شهور أو سنوات لإعدادها؟ هل يستمر مجلس الإدارة الموجود كل هذه الفترة من دون إجراء انتخابات جديدة؟ لذلك تم وضع لائحة بديلة مؤقتة مبسطة يتم استخدامها (فقط) إذا لم يتم وضع لائحة خاصة للنادي عن طريق الأعضاء يتم إجراء الانتخابات على أساسها، مع الاحتفاظ بكل الحق للجمعية العمومية للنادي في تغييرها في أيّ وقت حتى بعد الانتخابات مباشرة، وأُطلق على هذه اللائحة الاسترشادية". أضاف أنّ "اللائحة الاسترشادية لم توضع لتعمل بها الأندية ولكن وضعت كمثال لكل نادٍ يأخذ منه ما يناسبه من بنود ويرفض ويعدّل بنوداً أخرى لأنّه من البديهي جداً جداً والذي سعينا من أجله أنّه لا يمكن أن تصدر لائحة واحدة تتناسب مع جميع الأندية في جميع المحافظات وعلى اختلاف الأعداد والمساحات". واستطرد عبد العزيز شارحاً: "لم نختر موعد انعقاد الجمعية العمومية في شهر أغسطس/ آب ولا حتى يوم الانعقاد سواء الجمعة أو الثلاثاء، ولكن تحديد شهر أغسطس كان طبقاً للقانون الذي نص على أن تتم الجمعيات خلال 3 شهور من صدوره، وقد صدر (وليس لنا أيّ دخل في هذا) يوم 1 /6/ 2017 ولذلك لا بدّ أن تتم الجمعيات قبل 31 أغسطس/ آب طبقاً للقانون".

وجزم عبد العزيز بأنّ "كل ما يقال عن رغبة الوزارة في السيطرة على الأندية وضمّها للوزارة وتحويلها لمراكز شباب أو السماح لأيّ شخص للانضمام لعضوية النادي والتدخل في الشؤون الداخلية للأندية ومنْح عضويات فخرية أو موسمية أو ضم أعضاء الفروع للمركز الرئيسي من دون موافقة مجلس إدارة النادي؛ كلام ليس له أيّ أساس من الصحة ومجرد افتراءات وشائعات ربما مقصودة وربما لعدم القراءة والدراسة والحكم السليم على الأمور، وأتحدى أن يكون هناك كلمة واحدة في قانون أو لائحة أو حتى خطاب رسمي يشير إلى محاولة فرض السيطرة على أيّ نادٍ".

دلالات