مفيش حاجة بجنيه

04 مارس 2017
تنتظر الزبائن (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
على مدى سنين طويلة، كانت الطعميّة الوجبة المصرية الأولى، بالإضافة إلى الفول. ولطالما عدّها الفقراء جيّدة، هم الذين يحتاجون إلى سدّ رمقهم بأيّة لقمة ساخنة. إلّا أنّ أحد العمّال صرخ قرب عربة فول في الجيزة، قائلاً: "خلاص، الطعميّة بقت أكل البهوات"، في إشارة إلى إرتفاع سعرها المفاجئ. من جهته، يحرص الكاتب الساخر أسامة سمير على إخبار قرائه بمستجدات سعر قرص الطعمية يوماً بعد يوم.

يقول مدير إحدى الجمعيات الأهلية، محمد علي: "اليوم، أصبحت الطعمية مثل الدواء، بعدما زادت كلفتها وصغر حجمها، في محاولة من الباعة للحصول على ربح أكبر. في السابق، كان القرص القديم يعادل ثلاثة أو أربع أقراص من تلك التي باتت تعدّ في الوقت الحالي". كذلك، انتشر في مصر "برغر" الطعمية و"كريب" الطعمية، وقد انتقلت الوجبة الشعبية هذه إلى موائد الطبقة المتوسطة، والتي انخفضت مشترياتها بسبب الغلاء وانهيار قيمة الجنية المصري.

بالنسبة إلى عامّة المصريّين، فإنّ الفلافل المصنوعة من الحمص تعدّ تقليداً لتلك المصنوعة من الفول، إلا أنهم لا يفضلون طعمها، لذلك كانت تباع فقط في محال ومطاعم المناطق الراقية أو الفنادق. وقد حلّت الفلافل محلّ اللحوم كبديل لذيذ الطعم للنباتيّين، وللمسيحيّين في فترات الصيام.

لكنْ حاليّاً، بدأت المطاعم في المناطق الشعبيّة إعداد برغر وكريب من الطعميّة التقليديّة، بدلاً من اللحوم التي ارتفعت أسعارها إلى درجة كبيرة، حتّى أنّها لم تعد على قائمة غذاء الفقراء. في الوقت الحالي، يصل سعر شطيرة "كريب" الطعمية، وفيها القليل من البطاطس المقليّة، وقطعة جبنة، وقرصان كبيران من الطعمية، وبعض الخضار الطازجة، إلى 15 جنيهاً (أقل من دولار)، علماً أن سعر شطيرة الطعمية التي تسدّ رمق الفقير، كانت تباع منذ ستة أشهر فقط بجنيه واحد.



أمّا برغر الطعميّة، فيصل سعره في الوقت الحالي إلى ثمانية جنيهات على الأقل. وهذه الأسعار موجودة في المناطق الشعبية المزدحمة، وفي وسط القاهرة، وميدان رمسيس وغيرها من الأماكن التي تنتشر فيها أشهر محال الوجبات السريعة، وقد أصبحت الطعميّة ضمن الوجبات الفاخرة. أمّا برامج الطهو التي تقدّم على القنوات المصريّة، فباتت تعلّم كيفيّة إعداد شطيرة الطعميّة في البيت، كون سعرها مقبولاً.

وباتت عبارة "مفيش حاجة بجنيه" تنتشر في المطاعم ومحال الشطائر الرخيصة في القاهرة وبعض المحافظات، بعدما تهاوت قيمة الجنيه المصري. في ظلّ هذا الواقع، يأمل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون سعر شطيرة الكبدة أو السجق على حاله، رغم ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة إلى الضعفين، وهو ما تحقّق فعلاً. وما زالت شطيرة الكبدة تجذب المصريين، وقد احتفظت بسعرها وهو ثلاثة جنيهات. أمّا أصحاب العربات المتنقلة في الشارع، فيبيعونها بجنيهين ونصف الجنيه.

إلى ذلك، يقول محمود، وهو بائع طعميّة في القاهرة، إنّ البائع وحده يعرف مصدرها، ويمكنه التلاعب بها بسهولة. أما الطعميّة، فمصدرها واحد وهو الفول المدشوش الذي لا يمكن استبداله. ويرى أنه لا يمكن أن يبقى سعرها على حاله في ظلّ الغلاء المتفشي في مصر.
أمّا الفول المدمس، فصار يُخلط بالأرز والقمح والنشاء ليصير كما يجب، إلّا أنّ نسبة الفول فيه انخفضت إلى الربع تقريباً. أمّا البطاطس، فحالها حال الطماطم، لا تستقر على سعر. لذلك، انحصرت معظم مشتريات الفقراء بمخلّفات المصانع، على غرار زيوت القلي القديمة الناتجة عن مصانع رقائق البطاطس ومخلّفات البطاطس المقلية والمنتجات المنتهية الصلاحية، التي أزالها أصحاب المحال عن رفوفهم، وغيرها من المواد الضارّة بالصحة، والتي انتشرت في وسط البلد، خصوصاً منطقة العتبة المزدحمة. ويُقبل الناس عليها رغم معرفتهم بأضرارها الصحيّة البالغة.