الدواء هو الداء... غشّ الصيدليات يقتل المصريين

20 يوليو 2017
قد يكون من بينها ما هو مغشوش(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
معاناة المصريين متعددة الأقطاب. فبالترافق مع الفقر والفساد في الإدارة والتعليم والغذاء، والأزمة الاقتصادية وما تجره من مشاكل اجتماعية لا تنتهي، ها هي صحة المواطن "الغلبان" على المحك، إذ تنتشر في صيدليات مصر أدوية مغشوشة

فتحت لجنة الصحة في مجلس النواب المصري قضية انتشار الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلاحية في الأسواق في الفترة الأخيرة، مطالبة بضرورة إجراء تعديل تشريعي لتغليظ العقوبة، مطالبة وزارة الصحة بسرعة سحب تلك الأدوية من الصيدليات وإعدامها، حفاظاً على صحة وأرواح المواطنين.

يأتي ذلك في الوقت الذي كشف فيه وكيل اللجنة الدكتور أيمن أبو العلا عن وفاة مئات من المواطنين ممن تناولوا تلك الأدوية من دون أيّ معرفة بأسباب الوفاة. وطالب أبو العلا بوضع عقوبات رادعة على من يرتكب تلك الجرائم، وإغلاق أي صيدلية أو شركة أو مخزن أو مصنع يثبت تورطهم فيها. كذلك، شدد على ضرورة أن تعمل الدولة على النهوض بقطاع صناعة الدواء، وتطوير المصانع القائمة وتشغيل المصانع المغلقة وضخ أموال فيها لتعود عجلة الإنتاج، ومساندة شركات الدواء التابعة للدولة بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام، وضرورة إسراع وزارة الصحة في سحب جميع الأدوية المنتهية الصلاحية في مختلف الصيدليات على مستوى الجمهورية، نظراً لخطورتها على صحة المواطنين خصوصاً الذين لا يجيدون القراءة والكتابة.

وكانت قد انتشرت خلال السنوات الماضية أدوية مجهولة المصدر في الصيدليات المصرية، إذ تؤكد مصادر طبية أنّ هناك أكثر من 50 نوعاً من الأدوية غير صالحة للاستخدام الآدمي متوفرة حالياً في صيدليات البلاد، الأمر الذي يهدد بوقوع كارثة صحية. وكانت المصادر الحكومة ممثلة بوزارة الصحة قد طالبت بضرورة تفعيل دور الجهات الرقابية للقضاء على تلك الظاهرة الخطيرة التي تهدد حياة الملايين من المرضى المصريين والمقيمين.

في هذا الإطار، تتحدث المصادر عن كثير من الأدوية المغشوشة المنتشرة في الصيدليات، أهمها أدوية القلب والسكر وسيولة الدم والضغط والمكملات الغذائية، وكذلك أدوية السرطان، وعلاجات زرع الكلى التي تتولى رعاية الكلية المزروعة بعد العملية. وهناك أيضاً علامات تجارية لأدوية مغشوشة بعينها مثل أقراص "ترامادول" و"تامول" المخدرة، والمضاد الحيوي "أوغمنتين"، وأقراص "سيروكسات" المخصصة للعلاج النفسي، والمنشطات الجنسية بأنواعها المختلفة. كذلك، يطاول الغش منتجات غذائية للأطفال الرضع مثل مستحضر "سيريلاك" والعديد من أنواع كريمات البشرة والشامبو. ولا يقتصر الأمر على الغش في الأدوية والأغذية الطبية بل هناك أيضاً ترويج لأعشاب بديلة باستمرار. كثير من تلك الأدوية مرتفع الثمن، وهو ما تستغله مافيا تجارة الدواء المغشوش لبيعه بسعر بخس، كما ليس في إمكان المواطن التفريق ما بين الأدوية المغشوشة والسليمة.

في هذا الإطار، يقول الصيدلاني طلعت محمود: "لا صيدلية في مصر لا تتوفر فيها أدوية مغشوشة. حجم تلك الأدوية المغشوشة يتجاوز خمسة مليارات جنيه (279 مليون دولار أميركي)". يشير إلى أنّ "ظاهرة" الأدوية المغشوشة تعتبر من أخطر "الظواهر" انتشاراً في مصر وتهدد صحة المواطنين، فتلك الأدوية المغشوشة تحتوي على نفس المواد الفعالة الموجودة في الدواء الحقيقي، لكن بتركيز أقل أو قد تكون منتهية الصلاحية تماماً، مما يؤدي إلى عدم استفادة المريض منها أو تعرضه لأضرار بالغة قد تؤدي به إلى الوفاة. يوضح أنّ الصيدليات تحصل على الأدوية المغشوشة عن طريق مخازن أو وسطاء بين شركات الأدوية والصيدليات، مشيراً إلى صعوبة اكتشاف الغش في تلك الأدوية المغشوشة، إلّا من خلال التحاليل الدوائية في المختبرات.


يتابع محمود أنّ "الراغبين في الكسب الحرام يستغلون ارتفاع أسعار الأدوية لغشها وتحقيق مكاسب خيالية، ولأول مرة في تاريخ مصر هناك أكثر من سعر لنوع واحد من الدواء، فمن المعروف أنّ أيّ نوع دواء سعره واحد على مستوى محافظات مصر". ويطالب بخطة لمكافحة تجارة الأدوية المغشوشة تتضمن مراقبة المنافذ الجمركية التي تدخل عن طريقها هذه الأدوية، ومراقبة السوق الداخلي، ومنع تداول الأدوية عبر الإنترنت، ووضع ضوابط لإعادة تدوير الأدوية غير الصالحة، إذ إنّ بعض الوسطاء يجمعون الأدوية المنتهية الصلاحية ويعيدون تعبئتها.

من جهته، يعتبر رئيس شعبة الأدوية في غرفة صناعة الدواء التابعة لاتحاد الصناعات المصرية الدكتور هشام حجر أنّ مصانع "بير السلم" في صناعة الدواء هي المسؤولة عن انتشار الأدوية الفاسدة، مؤكداً أنّ تلك المصانع ليست مخالفة للقانون فقط، لكنّها أيضاً مخالفة لكلّ معاني الإنسانية، وتعاليم الأديان السماوية. يلفت إلى توفر أنواع من الأدوية في السوق تعجّل بوفاة المريض، مشيراً إلى أنّ مصانع "بير السلم" تجمع عبوات الأدوية من القمامة وتنظفها وتعيد تعبئتها. يعلّق: "طالبنا مراراً وتكراراً بضرورة إنشاء هيئة للدواء والغذاء في مصر لا يقتصر دورها على منح تراخيص صناعة الدواء فقط، لكن يمتد دورها ليشمل الرقابة المستمرة على تلك الصناعة". يوضح أنّ تناول الأدوية المغشوشة له تأثيرات خطيرة على الكلى والكبد والأعصاب، محذراً من ظاهرة الأعشاب التي طفت هي الأخرى على سطح سوق الدواء في مصر.

من جانبه، يقول مدير "المركز المصري للحق في الدواء" محمود فؤاد إنّ تجارة الأدوية المغشوشة تشكل ضرراً جسيماً على المرضى الذين يتعاطون تلك الأدوية، كما أنّها تخلق سوقاً موازياً غير قانوني، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الضغط المتزايد على الموازنة العامة للدولة ومخصصات وزارة الصحة. يؤكد أنّه لا يمكن حصر ومعرفة حجم تجارة الأدوية المغشوشة أو المهربة. يوضح: "طالبنا أكثر من مرة من الحكومة ممثلة في وزارة الصحة، ومن نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة بالقيام بدورها في مواجهة تلك الجريمة التي استشرت في البلاد بطريقة خطيرة، إذ نتج عن تعاطي تلك الأدوية كثير من الأمراض فضلاً عن الوفاة". ويشير إلى أنّ جريمة الأدوية الفاسدة تعد "قتلاً مع سبق الإصرار والترصد" كما أنّ المجنيّ عليه، أي المريض، "هو الذي يدفع المال للتعجيل بنهاية حياته من دون أن يدري".
دلالات
المساهمون