شروط روسية تعرقل اجتماعات أنقرة حول حلب

شروط روسية تعرقل اجتماعات أنقرة حول حلب

03 ديسمبر 2016
نزح 50 ألف شخص خلال 3 أيام(إبراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -
في الوقت الذي ساد فيه هدوء نسبي، أمس الجمعة، في الأحياء الشرقية في مدينة حلب، بسبب الطقس الماطر، بقيت حماوة التصريحات على حالها، وخصوصاً بعد فشل الاجتماعات التي تعقد في أنقرة بين مسؤولين روس ومن المعارضة السورية، إذ أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ونظيره البريطاني، بوريس جونسون، رفضهما بقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد قتل قواته مئات آلاف السوريين، فيما حاول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قلب الطاولة، معتبراً أن المفاوضات السورية تقوض منذ أكثر من نصف عام من قبل الأطراف التي تضع شروطاً وتطالب بإسقاط بشار الأسد، فيما اتهم وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير موسكو بالمماطلة في إجراء محادثات بشأن شرق حلب، مؤكداً ضرورة وضع حد للحرب السورية.

وفي إطار مواصلة روسيا التغطية على المجازر التي ترتكبها قوات النظام السوري والمليشيات الداعمة لها، اتهم لافروف جميع الفصائل المسلحة في حلب بأنها تأتمر بأوامر "جبهة النصرة". وقال "بحسب معلوماتنا، فإن كافة المجموعات المسلحة تقريباً في شرق حلب تخضع لسيطرة النصرة. أنا لا أستبعد أن إنشاء ما يسمى بجيش حلب محاولة أخرى لإعادة تسمية جبهة النصرة، للتهرب من العقوبات الدولية". في هذا الوقت، ساد هدوء نسبي أمس الجمعة في الأحياء الشرقية في مدينة حلب، قطعه قصف جوي ومدفعي على بعض الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة قوات المعارضة، إضافة إلى مناطق في الريف الحلبي، في حين اتجهت الأنظار إلى اجتماعات أنقرة، بين روسيا ومندوبين عن فصائل المعارضة السورية المسلحة، بحضور تركي، بهدف التوصل الى هدنة جديدة في حلب.

ورغم التكتم الذي تجري فيه محادثات أنقرة إلا أن ما رشح عنها يشير إلى إخفاق المجتمعين في التوصل إلى اتفاق بشأن الهدنة، حيث تحاول موسكو "فرض الاستسلام" على مندوبي الفصائل في حلب، بناء على التقدم الذي أحرزته قوات النظام في المدينة أخيراً، بحسب مصدر مقرب من المفاوضات. وأوضح المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن الروس يريدون عملياً خروج جميع مقاتلي المعارضة من حلب باتجاه إدلب، وليس "جبهة فتح الشام" فقط، مقابل السماح بدخول مساعدات إنسانية لعشرات آلاف المحاصرين منذ أشهر عدة من قبل قوات النظام، والمليشيات، وهو ما رفضه مندوبو الفصائل، الذين يمثلون جميع الفصائل التي كانت موجودة في حلب قبل اندماجها في "جيش حلب"، باستثناء "جبهة فتح الشام". ووجه مسؤول رفيع المستوى في المعارضة السورية، أمس الجمعة، الاتهام لروسيا بالمماطلة وعدم الجدية في المحادثات التي تجريها مع جماعات معارضة من حلب. ونقلت وكالة "رويترز" عن المسؤول قوله إن مقاتلي المعارضة انضموا للمحادثات مع مسؤولين روس كبار قبل نحو أسبوعين، في محاولة لتأمين توصيل المساعدات ورفع الحصار عن شرق حلب. وأضاف "هناك مماطلة شديدة من الروس". وتابع "الدول العربية والولايات المتحدة إذا لم تدخل على الخط، سنكون أمام مأساة حقيقية إذا استمرت الأمور على نفس الوتيرة".


وأكد الصحافي التركي، أوكتاي يلماظ، فشل مفاوضات أنقرة بين الروس والفصائل، بسبب إصرار موسكو على إخراج جميع المقاتلين من حلب، ورفض المعارضة ذلك. وأضاف يلماظ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الروس، ورغم حديثهم الشكلي عن دعم الهدنة والحل السلمي، إلا أنهم منخرطون عملياً في الحل العسكري، ومحاولة فرض أمر واقع جديد في حلب وسورية بالقوة العسكرية. ورأى أن قدرة تركيا في التأثير على الموقف الروسي محدودة، حيث لا يمكن لأنقرة بمفردها الوقوف في وجه التحالف الروسي الإيراني مع نظام الأسد، بينما تدير الولايات المتحدة ظهرها لهذه التطورات.

وقال المحلل المختص في الشؤون التركية، علي باكير، إن الروس ما زالوا منتشين بنجاحات قوات النظام في حلب، وهم غير مستعدين في هذه المرحلة للتوصل إلى هدنة في حلب إلا وفق شروطهم، والتي هي شروط النظام السوري نفسها. واعتبر باكير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الروس "سيحتاجون إلى تركيا في مرحلة من المراحل حتى لا يصلوا إلى طريق مسدود، خصوصاً إذا صمدت المعارضة في المقاومة بأشكال مختلفة. وقال "في هذا السياق يمكن لتركيا أن تلعب دوراً، سواء في التوصل إلى هدنة أم إلى إعادة إطلاق العملية السياسية أو إلى اتفاق حول حلب، وطبعاً هذا لا يتناقض مع مساعي تركيا لتخفيف وطأة سيطرة الروس على الملف السوري، لكن الأكيد أنه ليس باستطاعة تركيا أن تفرض شيئاً على روسيا".

وفي السياق، قال نائب رئيس الحكومة التركي، نعمان قورتولموش، إن الجانب التركي يجري مباحثات مع جميع الأطراف بشأن الأزمة السورية، مضيفاً "هناك مشاورات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وروسيا، وإيران، والجميع". وأعرب عن قناعته بأنه في حال تمكنت أنقرة وموسكو من التفاهم بخصوص الضمانات، فإن وقف إطلاق النار في حلب، سيكون ممكناً في غضون وقت قصير، يعقبه إطلاق عملية إنسانية. وكشف أن بلاده أبلغت جميع الأطراف قرارها إقامة منطقة آمنة شمالي سورية، مشدداً، في حديث للقناة الحكومية التركية، على عدم إفساح المجال للتنظيمات الإرهابية الأخرى بالتموضع مكان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المناطق التي طردت منها ضمن عملية "درع الفرات"، في اشارة إلى القوات الكردية. وكانت أنباء صحافية ذكرت أن تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بأن هدف التدخل العسكري التركي في سورية، عبر عملية "درع الفرات"، هو إسقاط نظام بشار الأسد أثارت غضب الروس، وأسهمت في توتير أجواء محادثات أنقرة التي تجري منذ الاثنين الماضي، غير أن جاويش أوغلو، جدد من بيروت التأكيد على موقف تركيا بأنه "لا يمكن للأسد أن يبقى في السلطة، لأن هذا يتعارض مع العدالة الدولية". وقال، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره اللبناني جبران باسيل، "لا أحد ينكر مسؤولية الأسد عن سقوط مئات آلاف الضحايا في سورية، ولا يمكنه أن يبقى في السلطة".

وعلى الأرض، استطاعت قوات المعارضة وقف تقدم قوات النظام في الأحياء الشرقية من مدينة حلب بعد أن نظمت صفوفها، وتوحدت تحت راية "جيش حلب". وبعد صدها قوات النظام، التي حاولت التقدم إلى حي الشيخ سعيد جنوبي المدينة، شنت قوات المعارضة هجمات مضادة محدودة كبدت خلالها قوات النظام والمليشيات خسائر كبيرة. وخفت وتيرة القصف على الأحياء الشرقية في حلب أمس بسبب العوامل الجوية كما يبدو، حيث شهدت المدينة هطول أمطار وتلبدت السماء بالغيوم ما عطل حركة الطيران. ومع ذلك شن الطيران الحربي غارات جوية على حي الراشدين غربي المدينة، في حين استهدفت غارات أخرى قريتي البيشة وجبل الحص في ريف حلب الجنوبي. وقال الناشط الإعلامي، محمد الحلبي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أحياء حلب الشرقية المحاصرة، شهدت حالة هدوء حذر، استغلها المدنيون لشراء حاجياتهم الضرورية من طعام ومؤونة"، موضحاً أنّ "أصوات تحليق الطائرات لم تُسمع إلا نادراً في سماء المدينة"، لافتاً إلى أنّ هطول الأمطار الكثيف قد يكون السبب في ذلك.

وعلى صعيد الوضع الإنساني، قال مدير الدفاع المدني في حلب، نجيب الأنصاري، إن جميع الأفران في حلب توقفت عن العمل "جراء الهجمات الإرهابية من نظام الأسد وروسيا والمليشيات الإيرانية عليها". وأشار إلى أن الأفران المتبقية، التي كان من المنتظر أن تنتج الخبز منذ السبت الماضي، وعددها 3 فقط، لم تعمل حتى اليوم بسبب القصف. وأوضح ناشطون أن توقف الأفران أدى إلى حرمان مئات الآلاف من المدنيين داخل حلب من الخبز، فضلاً عن تعطل جميع المستشفيات والمدارس الموجودة في المدينة. من جهته، قال المسؤول في الدفاع المدني، بيبرس مشعل، إن عدد الذين نزحوا، خلال الأيام الثلاثة الماضية، داخل مدينة حلب بلغ نحو 50 ألف شخص، مشيراً إلى أن السكان في حالة هلع شديد جراء القصف الذي لا يتوقف على جميع الأحياء المحاصرة في المدينة. وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها تجري محادثات مع النظام السوري لإنقاذ النازحين من حلب المحاصرة، بالتزامن مع مطالبات عدة لوقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة تشرف عليها الأمم المتحدة. وأوضح مدير عمليات اللجنة، دومينيك ستيلهارت، أن المحادثات تستهدف الوصول إلى حل بشأن النازحين الفارين من شرق حلب الذين يتعرضون للاستجواب والاعتقال.

وكانت أنباء تحدثت عن قيام قوات النظام السوري باعتقال واستجواب مئات النازحين من حلب، بينما يتم زج الشبان منهم في معسكرات اعتقال تمهيداً لزجهم في المعارك على جبهات القتال. وعلى صعيد ذات صلة، قال رئيس "مجلس محافظة حلب الحرة"، محمد فضيلة إن المجلس فقد الاتصال مع ثلاثة من أعضائه منذ ثلاثة أيام، لافتاً لاحتمال تعرضهم للأسر من جانب قوات النظام السوري، غير أن مصادر محلية ذكرت أن أعضاء من مجلس مدينة حلب الحرة، الذي تديره المعارضة السورية، عادوا مع عائلاتهم إلى مناطق سيطرة النظام في حلب.

المساهمون