شهداء لا قتلى... ثورة لا حرب

13 نوفمبر 2018
تجنب أويحيى ذكر "الاستعمار" بسوء(فرانس برس)
+ الخط -
ذهب رئيس الحكومة الجزائرية، أحمد أويحيى، إلى باريس في مئوية نهاية الحرب العالمية الأولى. هناك ألقى خطاباً سمَّى فيه شهداء الكفاح الجزائري "قتلى" وثورة التحرير "حرب" وتجنب أن يذكر "الاستعمار" بسوء. في ألف باء السياسة الكلمات مواقفُ، وفي الأبجديات الدبلوماسية كل حركة بيانٌ، وحين ينسى رئيس حكومة الجزائر قاموس أدبيات السياسة الجزائرية، ويقرأ من قاموس الكولونيالية الجديدة ويتحدث بمفرداتها (خطاب مكتوب)، يكون من الجدير التساؤل عن مغزى هذه الحركة السياسية ودوافعها وملابساتها.

"الشهيد" حالة رمزية ثابتة وقيمة مشرفة غير قابلة للصرف في بورصة المواقف والنفط والعلاقات الدولية، و"الثورة" حركة تمرد تاريخي على وضع ظالم لا تكيل بميزان الحرب، لكن الواضح أن الكولونيالية الجديدة، التي تعمل منذ فترة طويلة على سحب قيم "مزعجة في منظورها" من التداول السياسي والإعلامي، نجحت، في لحظة إرهاق يعانيها المجتمع الجزائري في تركيز مفاهيم وقيم جديدة (أيضاً عبر غربلة مناهج التعليم والنخب والإعلام)، في أن تخلط بين المقاومة والإرهاب، وبين الشهداء والقتلى، وبين الثورة والحرب، وبين المجاهدين والمحاربين. ما حدّث به أويحيى قادة العالم لا يمثل أدنى قناعة لدى الجزائريين. لكن بالنسبة لأويحيى لم يكن ذلك مهماً ولا أن يقتنع الرأي العام الداخلي بالتوضيحات المتناقضة التي نشرتها رئاسة الحكومة لاحقاً بشأن تصريحاته، بقدر ما كان يهمه تصدير موقف جزائري يبدو مستعداً الآن أكثر من أي وقت مضى لإجراء مراجعة للسياسات والانفتاح على الليبرالية. وأويحيى نفسه يمثل نموذجاً متقدماً لليبرالية الجديدة في الجزائر، المتصالحة، باسم المصالح الاقتصادية والبراغماتية، مع العقل السياسي الغربي، والكولونيالية الجديدة، سواء في قراءتها للتاريخ أو في تعاطيها مع الجغرافيا الاقتصادية.

لكنْ ثمة تزامن غريب بين تصريحات أويحيى في باريس عن التاريخ وبين تصريحات في الجزائر لوزير المالية الجزائري، عبد الرحمن راوية، الذي أعلن أن ما تبقى من احتياطي الصرف في الخزانة العامة لا يغطي سوى ثمانية أشهر من واردات البلاد (في يناير/كانون الثاني 2017 كان الاحتياطي يغطي ثلاث سنوات)، بين تآكل الرصيد الرمزي الذي تمثله ثورة التحرير وشهداؤها في الجزائر، وبين تآكل الرصيد المالي لخزينة البلد ومدخراته. والحقيقة أن الغرب الكولونيالي، الذي يقرأ الأرقام جيداً ويعنيه ذلك، ويرصد المتغيرات المجتمعية، منتبه بشدة إلى هذا التزامن في تآكل الرصيد الرمزي والرصيد المالي للبلاد في الوقت ذاته، ويعتقد أن الوقت مناسب لأن تصبح الجزائر غير الجزائر التي يعرف.