مخطط تدمير حلب: إفشال مبكر من النظام وروسيا لجنيف3

عبسي سميسم (العربي الجديد)
عبسي سميسم
عبسي سميسم. صحافي سوري؛ مدير مكتب سورية في موقع وصحيفة "العربي الجديد".
11 ابريل 2016
1572D13B-08DA-4989-B171-EC392F462EF2
+ الخط -
على مشارف الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف 3، الأربعاء المقبل، يظهر فشل النظام السوري ومن خلفه روسيا، في فرض حلولهما على المعارضة، وذلك عبر إعلان النظام، أمس الأحد، أن "معركة تحرير حلب ستنطلق، بعملية عسكرية مشتركة مع الروس". ويعني هذا إنهاء هدنة "وقف الأعمال العدائية" التي بدأت في 27 فبراير/ شباط الماضي، والتي قررتها روسيا والولايات المتحدة، وتشرفان على تنفيذها. كما يثبت هذا الإعلان عدم جدّية الروس بالتوصّل لحلّ سياسي، ما لم يكن ضامناً لبقاء النظام. بالتالي، من المتوقع أن تتحوّل حلب إلى نقطة مفصلية مواكبة للمفاوضات برمّتها، ويتزامن الإعلان مع تأكيد إيران، تمسّكها بدعم النظام السوري للنهاية، واعتبارها أن "بشار الأسد خط أحمر". في المقابل، أظهرت المعارضة نواياها التفاوضية، بإعلان "الهيئة العليا للتفاوض" في العاصمة السعودية الرياض، موافقتها على الدخول في مفاوضات مباشرة مع وفد النظام السوري، في جنيف. إلا أن وزير الإعلام في النظام السوري عمران الزعبي، كان رافضاً لهذه الفكرة. واعتبر في كلمة له، مع وصول المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا إلى العاصمة السورية دمشق، للقاء وزير خارجية النظام وليد المعلم، أن "الدخول في مفاوضات مباشرة مع المعارضة تحتاج تفسيراً وتبريراً يقدم للناس"، معتبراً أنه "لا يجب أن يضمّ وفد المعارضة جماعات وتنظيمات إرهابية عند الحديث عن مفاوضات مباشرة" على حد تعبيره. وأضاف الزعبي أن "لا حكومة موحدة موسعة إذا تم استبعاد أطراف معينة". 

وفي سياق الحديث عن العملية العسكرية المشتركة بين روسيا والنظام، فقد خرج مخطط تدمير ما تبقى من المدينة وريفها، على لسان رئيس حكومة النظام، وائل الحلقي، والذي أبدى استعداده في لقاء جمعه بوفد مجلس النواب (الدوما) الروسي في دمشق، أمس الأحد، مع "شركائنا الروس لعملية تحرير حلب، ومحاصرة كل المجموعات المسلحة اللاشرعية هناك، والتي لم تلتحق بالمصالحة وتعكف على انتهاك الهدنة ووقف إطلاق النار المعلن". وأضاف الحلقي أن "السوريين واثقون من أن التعاون العسكري والعمل المشترك بين الشعبين الروسي والسوري سوف يتكلل بالنجاح وسيتيح إنجاز هذه العملية في حلب، إمكانية فتح الطريق أمام التحرّك لاحقاً نحو دير الزور".

بالتزامن مع تصريحات الحلقي، جدّد مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، تأكيد بلاده على دعم الأسد، معتبراً أن "الأخير خط أحمر بالنسبة لإيران، ويجب أن يبقى في الرئاسة حتى نهاية مدة ولايته"، بحسب قوله.
ويبدو أن قوات النظام المدعومة روسياً، قد أدركت أنها لم تحقق هدفها من الاستثمار في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) باستعادة مدينة تدمر من التنظيم، وذلك بسبب تحقيق المعارضة نصراً موازياً على التنظيم في ريف حلب، وتمكنها من السيطرة على بلدة الراعي الاستراتيجية، وعدد من القرى والبلدات المحيطة بها كقرى الوقف، وتلة عيشة، وهدبات، وتل أحمر، وتل عار، وتل بطال شرقي، لتدخل للمرة الأولى منذ بداية عام 2014 هذه المسافة الكبيرة في عمق مناطق سيطرة "داعش" شمال حلب. تطوّر أفقد النظام فرصة التسويق لنفسه كقوة وحيدة بإمكانها الانتصار على التنظيم واستثمار هذه الميزة في محادثات جنيف، كما أن انتصار المعارضة على "داعش" أنهى عملياً فرص قوات "حماية الشعب" الكردية المتحالفة مع الروس من تقديم نفسها كمرشح وحيد، للقضاء على التنظيم في منطقة شمال وشرق حلب.

فضلاً عن ذلك، فشلت قوات النظام في محاولة التقدّم بريف حلب الجنوبي، بدعوى محاربة تنظيم "جبهة النصرة"، بل خسرت بعض المناطق المهمة كتلة العيس، بالإضافة إلى فشل حلفائها "وحدات حماية الشعب" الكردية، في قطع خط الإمداد الوحيد عن المعارضة في حلب الواقع على طريق الكاستيلو، وفشلهم في تحقيق تقدم على المعارضة. مع العلم أن روسيا كانت تعوّل على تسويق "وحدات حماية الشعب" كطرف معارض في مواجهة النظام، ويقبل بتسوية سياسية على مقاس الرؤية الروسية، على أن تُشكّل قواته العسكرية الذراع الذي يتمكن الروس من استخدامه في ضرب المعارضة من جهة والاستثمار به سياسياً في محاربة تنظيم "داعش". ويبدو أن كل هذه الأسباب قد دفعت بالنظام وروسيا إلى اللجوء إلى لعبة قلب الطاولة، من خلال إنهاء الهدنة والعودة إلى حل الأمور عسكرياً قبل بدء المفاوضات.

ويختلف السيناريو الذي يسعى الروس لتنفيذه الآن في حلب، عن السيناريو الذي تم تنفيذه قبيل الجولة الماضية من المفاوضات، إذ إن السيناريو السابق لإفشال المحادثات سار بالتوازي مع الهدنة، في حين أن السيناريو الحالي سيُنفّذ من خلال إنهاء هذه الهدنة. الأمر الذي ينذر بإنهاء العملية السياسية برمتها والعودة للحل العسكري، والذي لا يمكن التكهّن بنتائجه، وخصوصاً أن العديد من الدول الإقليمية لم تعد تحتمل التدخل الروسي غير المحدود في الشأن السوري، تحديداً تركيا والسعودية، والتي لوحّت سابقاً بتدخل بري في سورية، من خلال إرسال قوات إسلامية لمحاربة "داعش". وكانت روسيا قبل الجولة الماضية من المفاوضات، في مطلع العام الحالي، قد قدّمت غطاءً جوياً لقوات النظام، مكّنتها من خلاله من السيطرة على العديد من المناطق الاستراتيجية في ريف حلب الشمالي، خصوصاً المناطق التي كانت تسعى تركيا لإنشاء منطقة عازلة فيها. وتسبّب ذلك بنزوح أكثر من مائتي ألف مدني من قرى ريف حلب الشمالي، كما مكّن النظام من فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، بالإضافة إلى تأمين جبهة الساحل وفصل جبل التركمان عن جبل الأكراد، ومن ثم مكّنت النظام في تلك المناطق، من خلال هدنة "وقف الأعمال العدائية"، والتي هندستها روسيا والولايات المتحدة.

وتكشف الذرائع التي يسوقها النظام للقيام بعمليته العسكرية في حلب بغطاء روسي، أن تصنيف روسيا للإرهاب، يقوم على تبني رؤية النظام، وهي أن "كل من يعادي النظام هو إرهابي"، وبالتالي فهي تستطيع القيام بأي عمل عسكري ضد فصائل المعارضة في أي وقت تحت ذريعة "محاربة فصائل إرهابية"، وتستطيع في أي مرحلة من مراحل التفاوض أن تقلب الطاولة وتعود إلى ساحة الحرب وفرض أمر واقع على كل الأطراف. يُذكر أن دي ميستورا، في طريقه إلى طهران، أجرى في العاصمة الأردنية عمّان، مباحثات مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، بشأن "أهمية دعم وإنجاح" محادثات جنيف. وذكرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا" أن "دي ميستورا وجودة بحثا خلال اللقاء في تطورات الوضع على الساحة السورية والجهود المبذولة للتوصل إلى تفاهم مشترك بشأن عملية الانتقال السياسي وفي مقدمتها مفاوضات جنيف". وأكد جودة التزام الأردن بدعم كل الجهود والمساعي الرامية إلى ايجاد حل سياسي في سورية". وجدد موقف بلاده الداعي إلى "التوصّل لحلّ يضمن أمن وأمان سورية ووحدتها الترابية".

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.