ميادين 25 يناير... ثورة بمساحة مليون كيلومتر مربّع



25 يناير 2020
ميدان التحرير في يناير 2011 (بيتر ماكديارميد/Getty)
+ الخط -
ليس من المبالغة أن يقال إنه لم يكن ثمة ميدان أو ساحة كبيرة في محافظات مصر خالياً من الثورة؛ حين كانت أرجاء المحروسة (مساحة البلاد مليون كيلومترٍ مربعٍ) تهتز من الهتافات الصادقة التي تدعو لتوفير الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية لشعب قاسى طويلاً من ظلمات الفقر والقهر الاستبداد. نجحت الميادين إثر ثورة 25 يناير في إسقاط نظام مبارك في 18 يوماً بصمودها وصلابتها وعدالة مطالبها. وحين تمكّن الفاسدون من الالتفاف حول الثورة، والإيقاع بأبنائها الأبرار والإطاحة بحلمهم؛ تحوّلت الأنظار إلى الميادين لإسقاطها من الذاكرة الشعبية، وتغيير معالمها الثورية، بالسيطرة على مداخلها ومخارجها، وإعادة التمركز الأمني في محيطها لتطويق أي محاولات للتجمع وممارسة حق التظاهر السلمي.

أبو الميادين
كان ميدان التحرير واجهة الثورة المصرية أمام العالم، حتى قيل: إن من يملك ميدان التحرير سيحكم مصر. وهو الميدان الذي يعود تاريخه لأكثر من قرن ونصف. كان اليوم الأول للثورة موافقاً لعيد الشرطة، احتجاجاً على فساد هذا الجهاز والاستغلال المفرط للسلطة والقوة الممنوحتين له، وكثرة ضحاياه قتلاً وتعذيباً؛ مثل: خالد سعيد وسيد بلال وعماد الكبير وغيرهم.
تاريخياً، كان ميدان التحرير، الذي يقع في قلب القاهرة، ملتقى كافة الثورات المصرية منذ ثورة 1919، مروراً بمظاهرات 1935 ضد الاحتلال الإنكليزي، ومظاهرات 18 يناير 1977 ضد الغلاء. يشبه التحرير في تصميمه ميدان شارل ديغول الفرنسي الذي يحوي قوس النصر، وكان يسمى سابقاً ميدان الإسماعيلية نسبة للخديوي إسماعيل، والذي أمر بتصميمه وإنشاء مبانيه وشوارعه الداخلة والخارجة منه على النسق المعماري الفرنسي. حين قامت الثورة في 2011؛ استفاد المتظاهرون من موقع الميدان الاستراتيجي، باعتباره مركزاً مهماً لجميع المصالح الحيوية بالقاهرة، ونقطة التقاء وُسْطى لوسائل المواصلات في القاهرة والجيزة. قبيل حركة 30 يونيو صار الميدان مرتعاً للبلطجية عبر تكتيك مخابراتي واضح، وتم إغلاقه في وجه الثوار، بشتى الطرق لدرجة إلغاء وقوف مترو الأنفاق في محطة السادات الواقعة في وسط الميدان. وفي ذكرى الثورة من كل عام يتحول الميدان إلى ثكنة عسكرية وشرطية خوفاً من عودة المتظاهرين إليه.



عدوى التظاهر
من أهم العناصر التي تمتع بها ميدان التحرير، هو تمركز معظم وكالات الأنباء والقنوات الفضائية العالمية في محيطه. فبالرغم من تجاهل القنوات الإعلامية المصرية الأحداث، وبث صورة لكورنيش النيل مع موسيقى هادئة، وترويج مذيعي السلطة بأنه لا توجد مظاهرات في القاهرة؛ فإن وكالات الأنباء العالمية بثت بسهولة الصور الحية من داخل الميدان الملتهب، مما أشعل الوضع، وأفقد التلفزيون الحكومي مصداقيته. ومع توافد المتظاهرين إلى الميدان، كانت هناك محاولات أمنية لإغلاق مداخل القاهرة، لمنع المتظاهرين القادمين من الأقاليم من الانضمام إلى رفاقهم المرابطين في التحرير. وهو ما نتج عنه اشتعال ميادين أخرى داخل القاهرة مثل ميدان عبد المنعم رياض ورابعة العدوية والنهضة وسفنكس وغيرها، إذ كان الناس يتجمعون فيها استعداداً لمحاولة الدخول لميدان التحرير. أما في خارج القاهرة، فقد بدأ الناس يتجمعون في الميادين الكبرى بشتى المحافظات، مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية وميدان الأربعين بالسويس، وميدان الشونة في المحلة، وميدان الشهداء في بورسعيد، وميدان الثورة بالمنصورة، وميدان عرابي بالزقازيق، وميداني المنفذ وعمر مكرم في أسيوط... وغيرها.





استنساخ الثورة
لم يختلف ما يحدث في التحرير عن غيره من ميادين الثورة، فالمطالب واحدة والعدو واحد، ووسائل البطش لم تختلف، وكما حدث في القاهرة، حدث في الأقاليم، من قنص المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي، واستهداف عيون بعضهم، والاندفاع في استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه. ومع سقوط الشهداء والمصابين، تطوع كثيرون لنقل الصورة الحية البعيدة عن القاهرة للوكالات الفضائية ووسائل الإعلام العالمية، كما تحوّلت الساحات من منصات سياسية إلى منصات مقدسة، تقام فيها الصلوات للمسلمين يوم الجمع، كما أقيم قداس في ميدان التحرير للمتظاهرين المسيحيين، حيث برزت في هذه الثورة قيم التآخي والتسامح في أبهى صورها، تلك القيم التي أخفاها النظام الفاسد بتغذية الفتنة بين أبناء الشعب المصري طوال حكم مبارك. حيث شهدت ميادين المحروسة، من الإسكندرية إلى أسوان، في تلك الأيام أنبل حدث شعبي في تاريخ مصر.
المساهمون