غزّاويات: تعاطفي مع طفلَيْن إسرائيليَيْن تائهَيْن

30 يوليو 2014
(الصورة لمحمد عبد/AFP/Getty)
+ الخط -
في يوم الغفران الأخير (وهو عيد ديني يهودي للصوم يُمنَع خلاله تجوّل السيارات في الطرق، توجهتُ مع ابنتي، نيسان، مشياً على الأقدام، إلى شاطئ العزيزية، وهو من أقدم شواطئ حيفا، ويقع ناحية المدخل الجنوبي للمدينة، بموازاة سكّة القطار وأتوستراد حيفا - يافا. 

كانت الشوارع مليئة بالأطفال والعائلات. عائلات فلسطينية استغلّت إجازة عيد الغفران لتستمتع بروعة المدينة من دون سيارات. وكان البحر رائعاً كعادته: شاطئ هادئٌ ودافئ، أتاح لنا متعة السباحة، واللّهو، مع بعض الإزعاج من سمكات حاولت عضّ أرجلنا.

في طريق عودتنا ازداد عدد الأطفال على الدرّاجات، ولفتت انتباهنا شلّة أطفال فلسطينيين يغنّون ويزغردون، صاح أحدهم فجأةً: "الله أكبر"، فانضم إليه الباقون. أرعب المشهد طفليْن إسرائيليَيْن لا يزيد عمر أكبرهما عن 10 سنوات. كان أحدهما راجلاً والثاني على درّاجته.

أسرع الطفلان مبتعدَيْن عن باقي الاطفال. اقتربا منّي ومن ابنتي فسألني أحدهما بالعبرية: "هل معك موبايل؟". فقلت له إنّني لا أحمله معي اليوم. فهرول الطفلان وراءنا خائفَيْن فيما واصلنا طريقنا صعوداً إلى البيت. 

لفتتنا عائلة فلسطينية تسير خلفنا أيضاً. كان الأب يغني بنشازٍ وسرور، مرافقاً صوت موبايله "وراك وراك دايما". وعند مدخل حارتنا، "واد جمال"، لمحتُ الطفلَيْن مرّة أخرى، وهذه المرّة بادراني بالسؤال: "كيف نصل إلى حورب (حيّ إسرائيلي بالكرمل)؟". أجبتهما: "الطريق بعيدة جداً وأنتما تسيران بالاتجاه المعاكس. ما الذي حصل معكما؟".

 أخبراني حينها أنّ درّاجة أحدهما كُسِرت وأنّهما لا يعرفان المنطقة ولا طريقهما إلى المنزل. فقلت لهما: "أطلبا من العمّ الذي يُغنّي ورائي أن يُعيركما موبايله". فنظرا إليّ برعبٍ، وهنا قاطعتني ابنتي: "شكلهن عنصريين بخافو من العرب، اتركيهن وما تتدخلي".

لم أستطِع ألّا أتدخّل، خصوصاً أنّنا كنّا قد دخلنا حارتنا وهما يرافقاننا، وعندما وصلت إلى أوّل بيت في الحارة ناديتُ على جارٍ لا أعرفه، وطلبتُ منه أن يُعيرهما موبايله لأنّهما تائهان.

ارتسمت علامات خوفٍ وقلق على وجهيهما حالما سمعاني أتكلّم العربية. ولكن ما كان عندهما أيّ مفرّ. لم أتركهما إلّا بعدما تأكدّت أنّهما اتصلا بوالديْهما، أما ابنتي فواصلت طريقها. قلتُ لها: "بعد عشر سنوات قد أُقابل أحدهما على حاجز قلنديا في مدخل رام الله كجندي في الجيش الأكثر إنسانية في العالم! وسألعن أبو اللي عملو، لكن اليوم لم أستطِع إلّا أن أتصرّف بإنسانية مع طفلين تائهين".

المساهمون