الوشم: رسالة جمال وتمرّد على اللحم الحيّ

02 نوفمبر 2014
عرف العربُ الوشمَ زينةً وهويّة(آي أون/يو اي جي/Getty)
+ الخط -

تعود تسمية الوشم بـ"تاتو" إلی تاهيتي في بولينيزيا، وتعني "الإشارة". وهي عملية يتمّ فيها الرسم علی الجسم بواسطة مواد ملوّنة وحبر يتمّ إدخالها الی الجلد بشكل دائم ومؤقت. ولا يقتصر استعمال الوشم علی الأغراض التجميلية بل تعدّاه إلی أغراض سياسية ودينية أيضاً.

الوشم والجمال
تشارف أم مصطفی علی السبعين من عمرها، ما زالت تجاعيدها ووشوم وجهها التي خفّت بفعل الزمن تخبّئ شيئاً من جمال الشباب. لا يستطيع الناظر إلی وجه المرأة تحديد نوع الوشوم، ولكن أم مصطفی تحفظها غيباً.
"وردة ورسمة في طرف الشفة، سنابل علی الرقبة والصدر، وردة ونقطة علی الخدود"، تشرح أم مصطفی، التي حصلت علی وشومها عندما كانت في العاشرة من عمرها، لـ"العربي الجديد"، وتذكر أنّ نساء نوريّات كنّ يقمن بزيارة البدو في فصل الربيع، أي قبل موسم الزواج الذي يجري عادة في فصل الصيف، يقمن بوشم العروس كاملة بواسطة سبع إبر توضع بمزيج من الفحم والزبدة ﻹعطائها اللون الأسود، أو استعمال الكحل مع الحليب فيكون لون الوشم أخضر غامقاً.
تشتهر هذه الوشوم بين النساء البدويات في لبنان وسوريا في منطقة دير الزور تحديداً، والعراق في مناطق الجنوب والشمال والبادية، والمغرب العربي والجزائر في منطقة جبال الأوراس، حيث تقوم امرأة غجرية رحّالة يطلق عليها اسم "عداسية" بدقّ هذه الوشوم.
بدأت ظاهرة الأوشام التقليدية بالتلاشي، وتنحصر حالياً بالجيل الأكبر من النساء. لكن النساء والرجال لا يزالون يقبلون علی الوشوم الآن لأغراض تجميلية. إذ بيّن أحد التقارير في صحيفة الوطن السعودية، إقبال الشباب في السعودية على الأوشام وخاصة الفئة العمرية بين 14 ـ 35 سنة. وتراوح الرسوم بين تصوير الحيوانات والجماجم وأسماء الأمّهات أو الأحبّاء. ينطبق الأمر نفسه علی باقي الدول العربية أيضاً.

الوشم والسياسة
يملك محمد 27 وشماً حتی الآن. يغلب الطابع السياسي علی وشومه التي كلفته نحو 5 آلاف دولار. يحمل أحد الوشوم عبارة: "كامل تراب فلسطين" باللغة العبرية. تتوزّع الوشوم المتبقّية بين رسم لوجه تشي غيفارا، عبارات مقتبسة عن لينين، صور لجورج حبش، شعار الحزب الشيوعي، وصورة لقناع فانديتا من الفيلم الشهير "V for Vendetta" وغيرها.
يصرّح الكثير من فناني رسم "التاتو" أنّ معظم الشباب يطلبون وشوماً تحمل معانٍ سياسية تراوح بين شعارات تتعلّق بالقضية الفلسطينية وصور لزعماء الحركة الشيوعية حول العالم بشكل خاص.
ويتحايل الشباب علی الأنظمة القمعية في بعض الدول العربية، مثل سورية، من خلال الوشوم. إذ إن إقبال الشباب علی الوشوم ارتفع كثيراً منذ الثورة السورية. ويقول أحد الشبان السوريين: "أجساد الشباب السوريين بمثابة وثائق سرية"، لأنّهم اعتادوا التعبير عن تمرّدهم ورفضهم للسلطة الحاكمة عبر وشوم تحمل عبارات مثل "حرية" و"ثورة". كما أنّ الزميل دارا عبد الله كتب مقالاً تناول فيه ظاهرة الطلب على وشم وجوه عائلة بيت الأسد على أجساد الناس في سورية.

الوشم والدين
يزيّن فراس ساعده الأيمن بوشم لسيف الإمام علي، يغطي ظهره أيضاً بوشم يحمل عبارة: "لبّيك يا حسين". يعتبر فراس أنّ وشومه لا تعني تعصباً لطائفته، إنّما طريقة للتعبير عن معتقداته الدينية بطريقة لا تمسّ معتقدات الآخرين ولا تزعجهم.

ويعبّر العراقيون أيضاً عن طوائفهم من خلال الوشوم، إذ أظهر تقرير لصحيفة "الإندبندت" البريطانية، في شهر آب من العام الحالي، أنّ الشباب العراقي، السني والشيعي والكردي والمسيحي، يلجأون إلی الوشوم لعرض أفكارهم ومعتقداتهم. وذكر التقرير أن الشباب الذين جرى استجوابهم في الأماكن المخصصة للحصول على الوشوم اعتبروا أنهم داخل هذه الأماكن "يشعرون، ولو لدقائق، أنهّم يعيشون داخل جدران وطن واحد".
وتأتي هذه الخطوة للتعبير عن الدين والطائفة رغم تحريم الدين لها. لا يوجد تحريم واضح للأوشام في الآيات القرآنية، ولكن، وفقاً للأحاديث المنقولة عن النبي محمد، فإنه قد قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة"، أما في المذهب الشيعي فيحرمّه البعض ويتبع البعض الآخر فتوی الإمام علي السيستاني التي تحلّل الوشم.
وتحرّم اليهودية الوشم أيضاً استناداً إلی التوراة "ولا تجرحوا أجسادكم لميت وكتابة وسم لا تجعلوا فيكم أنا الرب".
لكن، لا يوجد أيّ موقف للمسيحية من الوشم.





دلالات
المساهمون