الوجه الآخر للجوء [4/5]... سد النقص في سوق العمل الألماني

26 ديسمبر 2022
1.74 مليون وظيفة شاغرة في ألمانيا حتى نهاية عام 2021 (العربي الجديد)
+ الخط -

يساهم اللاجئون في سد النقص الذي يعانيه سوق العمل الألماني، ما يوفر حاجة الشركات الصغيرة والمتوسطة من الموارد البشرية، غير أن تعقيدات بيروقراطية تحول دون اندماجهم ومعادلة شهاداتهم والاستفادة الكاملة من خبراتهم.

-حظي اللاجئ السوري في ألمانيا أدهم النجار بفرصة في سوق العمل بعدما تلقى تدريبا في مجال قيادة الحافلات والشاحنات الكبيرة بإشراف ودعم من مكتب العمل في مدينة فورث بمحافظة فرانكونيا الوسطى في ولاية بافاريا، موضحا أنه بمجرد انتهاء التدريب واجتياز الامتحانات التي تليه، قدم طلبه إلى شركة الحافلات في المدينة ليحصل على عقد عمل منذ بداية يوليو/ تموز 2022. ويعزو النجار، الذي وصل إلى البلاد في يوليو عام 2015، ما لقيه من تسهيلات إلى حاجة البلد الكبيرة لسائقين في تخصصات مختلفة وعلى رأسهم سائقو الحافلات والشاحنات بسبب النقص الكبير في عددهم، ويعد هذا القطاع من بين عدة مجالات تشهد نقصا في الأيدي العاملة، وانخرط فيها اللاجئون بفضل ما لديهم من مهارات، إذ تمكنوا من ولوج سوق الشغل وسد جزء من النقص في الأيدي العاملة الذي تعاني منه البلاد، كما يبين تقرير صادر في 30 يونيو/ حزيران 2022 عن معهد سوق العمل والبحث المهني التابع لوكالة العمل الفيدرالية الألمانية، بعنوان "بيانات ومؤشرات الهجرة الحالية".

ووصل عدد اللاجئين في ألمانيا إلى 1.9 مليون شخص من مختلف البلدان حتى مايو/ أيار 2022، من بينهم 40.4% في سن العمل (أي ما بين 16 و67 سنة)، وهؤلاء وجدوا فرصة وصاروا جزءا من سوق الشغل، بينما بلغت نسبة العاطلين 29.9%، بينما من يعيشون على إعانات الدولة بلغت نسبتهم 48.5 حتى مارس/ آذار 2022، إضافة إلى ما يزيد عن 966 ألف لاجئ أوكراني، بلغت نسبة العاملين بينهم 19.1% ونسبة العاطلين 10.7%، ومن يعيشون على إعانات الدولة 5.5%، ويبقى اللاجئون السوريون في مقدمة عدد اللاجئين في ألمانيا، يليهم العراقيون والأفغان والإريتريون والإيرانيون، بحسب البيانات التي نشرها المعهد.

أين يتركز عمل اللاجئين في ألمانيا؟

يتركز عمل اللاجئين في ألمانيا في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتصل نسبتهم فيها إلى 56% من الأيدي العاملة، بحسب دراسة أجراها معهد سوق العمل والبحث المهني حول توظيف اللاجئين في ألمانيا ونشرت في يونيو 2022، وتؤكد أن اللاجئين يحظون بفرص أفضل في الشركات التي عمل فيها موظفون أجانب أو لاجئون سابقا، أما الشركات الكبرى فلا يكون اللاجئون خيارها الأول كونها تفضل توظيف أشخاص يتحدثون الألمانية بطلاقة.

1.9 مليون لاجئ في ألمانيا عام 2022 ويتصدرهم السوريون

وفي عام 2022، عمل 6000 لاجئ فقط في 40 شركة كبيرة، 96% منهم كان عملهم في البريد الألماني دويتشه بوست (حكومي)، وفقا لبحث نشرته مؤسسة MEDIENDIENST (منصة معلومات ألمانية حول مواضيع الهجرة واللجوء والتمييز العنصري)، على موقعها في 22 مايو 2022.

وكان قطاع الخدمات مثل التنظيف والبناء والمطاعم، وكذلك قطاع الصناعة والسيارات، إضافة للوظائف البسيطة كالعناية بالمسنين، من أكثر القطاعات التي تشهد نقصا في الأيدي العاملة، ويجد أرباب العمل المنخرطون فيها صعوبة في إيجاد موظفين وعاملين، لذلك كانت متاحة للاجئين الذين اختاروها بكثرة، بحسب بيانات تحت عنوان "الشركات التي توظف اللاجئين"، منشورة على الموقع الإلكتروني لمعهد الدراسات التابع للوكالة الفيدرالية. ويفسر حسن المحافظ، المسؤول عن توظيف اللاجئين والسوريين في مكتب وكالة العمل التابع لوزارة العمل في بلدة فورث بولاية بافاريا، جنوب البلاد، هذه النتيجة بأن اختيارات اللاجئين لنوع العمل الذي سيزاولونه في ألمانيا تكون تحت ضغط ظروفهم المالية أو الصحية والجسدية والنفسية، إذ يفضل كثيرون الأعمال البسيطة بدل الالتحاق بوظائف تحتاج تدريبا مهنيا طويلا، قد يصل إلى ثلاث سنوات في المتوسط ويشمل تعلم اللغة حتى يصبح اللاجئ مؤهلا للمجالات التي تشهد نقصا كبيرا.

الصورة
لاجئ

لذلك يجد اللاجئون مشاقّ في إيجاد فرص مهنية في المجالات التي كانوا يزاولونها في بلدانهم، ويضطرون للعمل في وظائف دون مستوى مهاراتهم، بخاصة بعد وصولهم بفترة وجيزة، وفق توضيح الباحثة تانيا فيندل، والتي تعمل ضمن طاقم معهد سوق العمل والبحث المهني، عازية ذلك إلى تفرد نظام التعليم الألماني، وحاجة اللاجئين إلى تعلم اللغة، لذلك فإن عملية إدماجهم في سوق العمل تتطلب وقتا، وهو ما يؤكده المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الفيدرالية الألمانية توماس هايم لـ"العربي الجديد"، موضحا أن أحد الأسباب التي تحول دون انخراط عدد أكبر من اللاجئين واستفادة البلاد من مهاراتهم في سد النقص الحاصل يعود إلى أن اندماج اللاجئين في سوق العمل يحتاج وقتا طويلا، إذ يعد الوقت المخصص لتعلم اللغة الألمانية والحصول على مؤهلات تتماشى مع ما يتطلبه سوق العمل الألماني وأيضا الاستقرار في بيئة جديدة من الأسباب الأساسية لذلك.

ويوضح المحافظ المطلع بحكم عمله على حركة بحث اللاجئين عن عمل وأيضاً أصحاب الشركات التي تحتاج لأيد عاملة، أن النقص الذي تشهده ألمانيا يتركز في بعض الأطر المختصة والتي تتطلب شهادات أكاديمية ومهنية، مثل الطب، وهو وصف لا ينطبق على نسبة كبيرة من اللاجئين من مختلف الدول.

الصورة
نقص التخصصات

علاوة على ذلك، يلعب عامل الاعتراف بالمؤهلات المهنية دورا رئيسيا في اندماج اللاجئين، ما يصعّب عليهم العمل بسبب تعقيد مسار معادلة الشهادات من السلطات المسؤولة، لكن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الاتحادية تعمل حاليا على تبسيط إجراءات الاعتراف وتسريعها جنبا إلى جنب مع الوزارة الاتحادية للتعليم والبحث وسلطات الولايات، وفق مصادر التحقيق.

معوقات أمام استفادة أكبر

رغم محاولات إدماج اللاجئين في سوق العمل بشكل مستقر، بما يتماشى مع مؤهلاتهم وقدراتهم، بحسب ما يؤكده هايم، لكن تقريرا بعنوان تحليل نقص العمالة الماهرة في ألمانيا 2021، الصادر عن الوكالة الاتحادية للعمل في 27 مايو 2022، يظهر أن أبرز المجالات الحيوية التي تشهد نقصا في اليد العاملة هي مجال التمريض بمقدار 892.745 شاغراً، أما السائقون المحترفون للشاحنات والحافلات بمقدار 554.439 وظيفة، ومساعدو الأطباء بحاجة لإشغال 371.469 وظيفة، في حين يحتاج طب الأسنان لملء 165.588 شاغراً، أما الخبازون فإن البلاد بحاجة لـ144.185 شخصاً.

الصورة
انفو ألمانيا

كما يبين تقرير صادر عن معهد سوق العمل والبحث المهني التابع لوكالة العمل الفيدرالية، بعنوان (استبيان الوظائف: 1.82 مليون وظيفة شاغرة في سوق العمل في الربع الثالث من عام 2022)، أنه في الربع الأول من عام 2022 كان عدد الوظائف الشاغرة 1.74 مليونا، وارتفع مع نهاية الربع الثالث إلى 1.82 مليون وظيفة. مقابل ذلك، فإن 148 فئة مهنية تعاني من نقص كبير على مستوى اليد العاملة، وكان هناك 4.4 مليون شخص إما عاطلين عن العمل أو متوقفين عنه أو مشاركين في تدريب نهاية عام 2021 بحسب تحليل نقص العمالة الماهرة 2021 الصادر عن وكالة التوظيف الفيدرالية في مايو 2022، ما يشير إلى هدر فرصة الاستفادة من هؤلاء الأشخاص في سدّ النقص وفق التقرير.

ويعلل المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الفيدرالية الألمانية ما سبق بأن استقبال اللاجئين في ألمانيا يهدف حصرا إلى حماية اللاجئين لأسباب إنسانية، ولا توجد خطط حكومية لصالح سوق العمل مرتبطة بالهجرة الإنسانية، رغم اعتبار الاندماج في العمل جانبا مهما من عملية الدمج المجتمعي، لضمان الازدهار والاستقرار الاجتماعي لمختلف الفئات، وفي الوقت نفسه ضمان وإتاحة المشاركة الواسعة المتساوية، وفتح الآفاق أمام القدرات الفردية لفرص طويلة الأجل في سوق العمل الألماني.

الصورة
شواغر
148 فئة مهنية تعاني من نقص كبير في اليد العاملة (العربي الجديد)

وبالنظر إلى القطاع الصحي، فإن آخر التقارير الصادرة عن مجلس الخبراء الألماني لعام 2022 (مؤلف من اقتصاديين مهمته تقديم المشورة للبرلمان والحكومة)، بعنوان "الهجرة كدعم وتحد لمجال الرعاية الصحية في ألمانيا"، يقر بأن النظام الصحي في البلد اعتمد بشكل كبير على المهاجرين وذوي الأصول الأجنبية، ولولاهم لكان نظام الرعاية الصحية الألماني قد انهار، مبينا أنه من بين 130 ألف طبيب ذوي خلفيات مهاجرة، يبلغ عدد اللاجئين السوريين 5400 طبيب خاضوا معركة بيروقراطية طويلة لدخول سوق العمل، إذ كان عليهم توفير الوثائق الأصلية التي تثبت تخرجهم، إضافة إلى إثبات سنوات الخبرة وترجمة ومعادلة الشهادات في ألمانيا، ودراسة اللغة واجتياز الامتحانات المهنية بنجاح، ومنهم من لا يزال بلا عمل حتى الآن. من بين هؤلاء طبيب التخدير فؤاد زيدان، الذي عمل في اختصاصه 15 عاما في سورية، لكنه بلا عمل حتى اليوم بعد ست سنوات من وصوله إلى ألمانيا بسبب القرار المفاجئ من السلطات الألمانية عام 2016، بإلغاء خدمة المصادقة على شهادات الأطباء في السفارة الألمانية في لبنان، معتبرا أن 6 سنوات بدون عمل أمر غير معقول بالنسبة لطبيب متخصص، إذ إنه بحاجة لممارسة يومية حتى لا يفقد مهاراته، قائلا إن "البيروقراطية تقضي على مستقبلنا في ألمانيا، لكنني لم أستسلم، وأحاول توفير كل الشروط المطلوبة لأتمكن من العمل".

الصورة
شواغر 2
معيقات تحول دون إدماج اللاجئين في سوق الشغل لسدّ النقص (العربي الجديد)

وتضيف البيروقراطية تعقيدات أمام أصحاب العمل والشركات لإيجاد موظفين، وفق تأكيد أولريكا فيلاند، الباحثة في مؤسسة برتلسمان (مستقلة للدراسات)، وهو ما يعاني منه محمد المحمدي، المستثمر عراقي الأصل والذي لجأت أسرته إلى ألمانيا منذ 28 عاما، وأسس منذ عام مركز رعاية صحية، لكنه واجه تحدياً لإيجاد العدد الكافي من الممرضين والمختصين لمواكبة طلبات المرضى وتوفير الطاقم المطلوب ليجد نفسه أمام اختيار لا مفر منه، وهو جلب اليد العاملة من خارج ألمانيا، كما يقول لـ"العربي الجديد".

الاستعانة باللاجئين توفر وقتاً ونفقات

يعاني أرباب العمل وأصحاب الشركات في مختلف المجالات لإيجاد عمال، وفق تأكيد أولريكا فيلاند، باحثة ضمن مؤسسة "برتلسمان" الألمانية (مؤسسة مستقلة للدراسات)، إذ توضح في إفادتها لـ"العربي الجديد" أن "المجتمع الألماني يتقدّم في السن، ويعاني بالفعل من نقص كبير في العمال المهرة في العديد من القطاعات الحيوية المهمة".

ويفضّل أصحاب الأعمال والشركات الاستعانة باللاجئين الموجودين في البلد عوض جلب مهاجرين جدد، إذ يكلّفهم الأمر أشهراً من الانتظار ومعاملات بيروقراطية طويلة إضافة إلى مصاريف مالية، لكن عدم إيفائهم بشروط يتطلّبها سوق العمل، مثل اللغة والشهادات، يجبرهم على البحث خارج حدود ألمانيا.

الصورة
المحمدين
العراقي محمد المحمدي أثناء رحلة البحث عن كادر لتشغيل مركزه الطبي في ألمانيا (العربي الجديد)

وهو ما حصل مع محمد المحمدي، مستثمر عراقي الأصل لجأت أسرته إلى ألمانيا منذ 28 عاماً، والذي أسس منذ عام مركز رعاية صحية أطلق عليه اسم "من القلب إلى القلب"، وواجه تحدياً لإيجاد العدد الكافي من الممرضين والمختصين لمواكبة طلبات المرضى وتوفير كل الخدمات والطاقم المطلوب، وقد قال في حديثه لـ"العربي الجديد :"كان توفير الطاقم الأساسي صعباً للغاية، استنفدت كلّ طرق البحث الممكنة لإيجاد أشخاص مؤهلين؛ من دعاية عبر المنشورات وعلى الإنترنت، إلى الاستعانة بوكالة العمل الاتحادية لإيجاد أشخاص باحثين عن العمل، لكن لم أجد سوى عدد قليل من الأشخاص"، كما لجأ إلى البحث ضمن مجتمع المهاجرين واللاجئين الموجودين في البلد ممن يبحثون عن فرص للاندماج في سوق العمل، لكنهم لم يسدّوا النقص لعدم امتلاكهم المؤهلات المناسبة، ليجد نفسه أمام اختيار لا مفرّ منه، وهو جلب اليد العاملة من خارج ألمانيا، مشيراً إلى أن ذلك يتطلّب وقتاً، فالاعتراف بشهاداتهم فقط سيأخذ 6 أشهر لكل ملف، فضلاً عن الانتظار من أجل تحصيل التأشيرة وغيرها من الإجراءات البيروقراطية، وما يتبعها من مصاريف مالية كثيرة، خاصة أن الدولة لا تساعد فيها بأي نسبة تذكر.