الوجه الآخر للجوء [3/5]... استثمارات نوعية للسوريين في مصر

الوجه الآخر للجوء [3/5]... استثمارات نوعية للسوريين في مصر

25 ديسمبر 2022
مليار دولار أدخلها 30 ألف مستثمر سوري إلى مصر (Getty)
+ الخط -

خلق اللاجئون السوريون في القاهرة بيئة عمل استثمارية نوعية، ساهمت في تطوير وخلق فرص عمل يستفيد منها المجتمع المضيف، الذي يتلقى دعماً دولياً يفيد قطاعات مثل الصحة والتعليم، بالإضافة إلى رفد خزينة الدولة بموارد إضافية.

- يجدد اللاجئ السوري المقيم في مصر محروس محمد وقاف، منذ عام 2014 إقامته هو وأفراد أسرته، سنوياً مقابل 4250 جنيهاً (سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه 24.71 في البنك المركزي)، وفي أغلب الأحيان يضطر إلى دفع 200 جنيه رسوماً إضافية لكل فرد من أجل تعجيل الطلب، وخاصة أن عمله يتوقف بسبب انتهاء الترخيص السنوي لسيارته التي يعمل عليها في نقل طلبة المدارس، ولا يمكنه تجديد الترخيص إن كانت إقامته منتهية.

وتشكل رسوم الإقامات المختلفة المفروضة على 144.167 لاجئاً سورياً مسجلين رسمياً لدى مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر وفق بياناتها المنشورة في 31 أغسطس/ آب 2022، بالإضافة إلى غرامات مخالفات تأخر التجديد، أحد أنواع التدفقات المالية التي تدعم خزينة الدولة المصرية، ومصدرها اللاجئون، وفق ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد" الذي يتتبع المنافع التي يجنيها المجتمع المصري المضيف عبر دعم المجتمع الدولي الرامي إلى تعزيز قدرات المؤسسات المصرية لتتمكن من خدمة الطرفين.

عوائد الإقامات والتأشيرات

تمنح وزارة الداخلية المصرية اللاجئين السوريين 5 أنواع من الإقامات، وتختلف رسوم ومدة كل واحدة، ورغم عدم وجود بيانات رسمية معلنة لأعداد السوريين الحاصلين على الإقامات في مصر، إلا أنه يمكن الاستدلال على جانب من المبالغ المتدفقة لخزينة الدولة عبر الإقامات من خلال عدد الحاصلين على الإقامة الدراسية من الطلبة المقيدين رسمياً في المدارس المصرية والجامعات مقابل رسوم قدرها 650 جنيهاً (27 دولاراً) سنوياً للفرد، وهؤلاء يبلغ عددهم 48.800 طالب سوري، بينهم 42.300 مسجلون في المدارس المصرية، و6500 في الجامعات، وفق تقرير خطة الاستجابة الإقليمية لدعم اللاجئين وتمكين المجتمعات المستضيفة لهم استجابة للأزمة السورية لعامي 2019 /2020.

وتمنح هذه الإقامة لذوي الطالب وأشقائه الذين يقلّ عمرهم عن 18 عاماً أيضاً، وترفد الرسوم خزينة الدولة، بالإضافة إلى الإقامة السياحية التي يجب تجديدها كل 6 أشهر مقابل 560 جنيهاً (23 دولاراً)، ولا يسمح لحاملها في حال مغادرة مصر بالعودة إليها إلا عبر تأشيرة دخول جديدة، وإقامة المستثمر التي يمكن استخراجها لدى افتتاح مشروع برأس مال يبلغ 35 ألف دولار كحد أدنى برسوم قدرها 3000 جنيه (122 دولاراً)، بينما يتمتع أصحاب العقارات التي يجب أن تتجاوز قيمتها 100 ألف دولار بالإقامة العقارية ورسومها 1500 جنيه (61 دولاراً)، بشرط شراء العقار من طريق أموال محولة من الخارج، ويمكن الحصول على إقامة زواج بعد الاقتران بحاملي الجنسية المصرية مقابل 600 جنيه (24 دولاراً).

5 أنواع من الإقامات للسوريين ترفد خزينة الدولة بمبالغ متباينة

وفرضت السلطات المصرية على السوريين غير المقيمين استصدار تأشيرة منذ عام 2014، لتقييد تدفقهم الكبير وقتها بسبب الحرب والذي لم يتوقف وإن قلت وتيرته كثيراً، كما يقول الشاب محمد إبراهيم الذي غادر دمشق متجهاً إلى مصر في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هرباً من الالتحاق بالخدمة العسكرية، موضحاً أنه حصل على التأشيرة من خلال وسيط مقابل مبلغ 1500 دولار، وأن الحصول عليها عبر الطريق الرسمي ليس بالأمر السهل، ما يدفع السوريين إلى اللجوء للسماسرة، وتابع قائلاً إن 80% من ركاب الطائرة التي قدم على متنها وتتسع لـ150 راكباً كانوا شباناً في عمره مسافرين إلى مصر بواسطة تأشيرة، وقلة منهم مقيمون هناك.

وتأكيداً للأعداد الكبيرة للقادمين من سورية إلى الأراضي المصرية، أجرت معدة التحقيق اتصالاً بشركة سياحة وسفر يتداول السوريون اسمها، في سبتمبر/ أيلول الماضي، للسؤال عن الحجوزات، ليشير الموظف إلى أن جميع الرحلات مكتملة ولا يوجد حجوزات حتى نهاية الشهر التالي، وأنهم يُسيّرون أسبوعياً 5 رحلات من سورية إلى مصر لمقيمين وزائرين يحملون تأشيرات.

دعم موجه إلى قطاعي الصحة والتعليم

يتيح الدعم المرن (غير المخصص) الذي تتلقاه المفوضية من الدول المانحة مساحة تحرك أوسع لها وفق الحاجة المتغيرة في اختيار جوانب دعم اللاجئين، وتلبية متطلبات المجتمع المضيف ومؤسساته التي تقدم خدماتها للاجئين السوريين مثل التعليم والصحة، وبلغت قيمة الدعم المخصص للاجئين العام الماضي 12 مليوناً و151 ألف دولار، منها 6 ملايين دولار تحت بند الدعم المرن، وفق ما جاء في التقرير المالي للمفوضية في مصر الصادر في ديسمبر/ كانون الأول لعام 2021.

وتوفر الجهات الداعمة للاجئين مخصصات من أجل قضية معينة قد تمسهم، مثل الدعم الطارئ لمواجهة كورونا، إذ سلمت المفوضية 200 جهاز كمبيوتر محمول لوزارة الصحة والسكان لدعم الوزارة في جهودها في مجال التحول إلى الرقمنة، ودعمت الوزارة بـ100.000 زوج من القفازات، و450.500 جهاز تنفس وقناع جراحة، و100.000 ثوب طبي، بحسب تقرير المفوضية السامية لشؤون الأمم المتحدة للاجئين بعنوان 2021 بالأرقام، الصادر في 27 أكتوبر 2021، كذلك دعمت المفوضية وزارة الصحة المصرية بـ100 سرير مستشفى و190 قطعة أثاث للمستشفى، و39 جهازاً لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأمّنت لـ765 حالة طوارئ مساعدات منقذة للحياة، وفق تقرير المفوضية في أرقام، الذي يرصد خدماتها منذ شهر يناير/ كانون الثاني وحتى مارس/ آذار 2022.

الصورة
الاستثمارات السورية تغذي سوق العمل

وبهدف دعم وزارة الصحة وتعزيز خدماتها الموجهة إلى المواطنين واللاجئين، وبحسب تقرير 2021 بالأرقام، دعمت المفوضية خلال السنوات الخمس الماضية وزارة الصحة والسكان بمعدات طبية تزيد قيمتها على 4.5 ملايين دولار، بما في ذلك أجهزة للكشف المبكر عن أورام الثدي، وأجهزة لغسل الكلى، والأسِرّة الطبية، ووحدات العناية المركزة، وأجهزة التنفس مع تجهيز العديد من المرافق الصحية في مختلف المحافظات لدعم المصريين واللاجئين على حد سواء، كذلك قدمت معدات الحماية الشخصية للعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية.

وعلى صعيد التعليم، بلغ عدد الطلاب السوريين المسجلين في المدارس المصرية 42.300 طالب، حصلوا على قبول مجاني في تلك المدارس، وتسعى المفوضية لتعزيز قدرات تلك المدارس بدعم مرافقها لخدمة الطلبة المصريين والسوريين، إذ زودت 57 مدرسة إعدادية حكومية بـ720 من الفصول الذكية، وفق التقرير المالي للمفوضية لعام 2021، ووصلت قيمة الدعم المقدم إلى قطاع التعليم لعام 2020، (20) مليون دولار، وفق تقرير خطة الاستجابة للمفوضية في مصر لعام 2019-2020.

الاستثمارات السورية تغذي سوق العمل

يفخر السوري أسعد بكري، مالك مصنع حلويات في الحيّ الصناعي في مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة شماليّ مصر بأن منشأته علّمت ودربت نحو مئة عامل على صناعة الحلويات خلال تسع سنوات من افتتاحه، أكثر من نصفهم من المصريين، معبّراً عن تفضيله تشغيل العمال المصريين، لكونه يبحث عن العامل الثابت، وهو ما يتوافر في المصريين أكثر من السوريين المجبرين على التنقل بفعل أوضاعهم غير المستقرة، حتى أصبح كثير من عماله المصريين مهرة في صناعة الحلويات السورية، وهو "ما يرى فيه رداً لجميل الدولة عليه" وفق تعبيره.

ووجد المصري عبد الرحمن عمر فرصته منذ 7 أعوام في مصنع ملابس سوري في مدينة العبور، بعد أن كان عاطلاً من العمل، وتعلّم وتدرب حتى تطور من عامل خياطة إلى "مقص دار"، وبات بإمكانه أن يؤسس عمله الخاص، وفق قوله. وهو ما تكرر مع 9 عمال مصريين آخرين التقتهم معدّة التحقيق داخل مؤسسات سورية أُنشئت في مصر، منها مطاعم ومحال تجارية ومعامل، وأجمعوا على أن العمل مع السوريين منحهم فرصة للتفكير في العمل في مجالات جديدة، وتعلم مهارات مختلفة ونوعية لم تكن متوافرة بالسوق المصري من قبل، وهو ما يتفق معه المحامي المصري يوسف المطعني، المتخصص في قضايا اللاجئين السوريين في مصر، معتبراً الاستثمارات السورية إضافة نوعية إلى سوق العمل المصري، ومشيراً إلى أن الاستثمارات السورية وفرت فرصاً للعمل، وساهمت في الحد من نسبة البطالة في المجتمع المصري، وطورت من بيئة العمل ونوعيته، وهو ما يؤكده تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2017 بعنوان "أثر صناعة الوظائف في توسيع الفرص الاقتصادية للسوريين اللاجئين والمجتمعات المضيفة"، مبيناً أن "توسع الاستثمارات السورية أفسح المجال لمزيد من العمالة، حيث يوظف السوريون أكثر من نصف العاملين لديهم من المصريين".

تسهم الاستثمارات السورية في زيادة فرص العمل في مصر

وتقدر المنظمة الدولية للهجرة في مصر (IOM) حجم الأموال التي نقلها 30 ألف مستثمر سوري مُسجل في مصر بمليار دولار منذ بداية اللجوء عام 2013، وفق ما جاء في تقريرها المنشور في السابع من أغسطس 2022، و"يعد السوريون الذين يشكلون 17٪ من أعداد المهاجرين الدوليين في مصر من أفضل الجنسيات التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل والاقتصاد المصري، ما ينعكس على مصر كمجتمع مُضيف"، وفق التقرير، مع الإشارة إلى وجود استثمارات سورية برؤوس أموال ضخمة في مصر، لكنها تعود إلى عام 1999، وسبق تأسيسها في مصر وقوع الأزمة السورية، مثل شركة قطونيل التي تملك -وفق موقعها الرسمي- 4 مصانع في أربع محافظات، بالإضافة إلى مجموعة الرباعية لصناعة النسيج في مدينة السادات.

بينما أشار البنك الدولي في تقرير أثر صناعة الوظائف، إلى أن حجم الاستثمارات السورية المسجلة في مصر بلغت 880 مليون دولار خلال عام 2017، ولفت في الوقت نفسه إلى أن حجم الاستثمار الفعلي قد يكون أكبر من ذلك، لأنه كثيراً ما يسجل اللاجئون مؤسساتهم التجارية بأسماء مصرية أو لا يسجلونها أبداً.

وبحسب المحامي المطعني، هناك تسهيلات في مصر لجميع الاستثمارات، السورية وغيرها، مؤكداً أن القيمة الكلية للاستثمارات المضافة إلى الاقتصاد المصري بفضل الاستثمارات السورية أكبر مما هو معلن، وفق توضيحه، لأن هناك الكثير من المحال والمنشآت الصغيرة غير المسجلة، كاشفاً عن زيادة واضحة في عدد التراخيص التي ساهم مكتبه بتسجيلها رسمياً لمستثمرين سوريين في قطاعات مختلفة، منها معامل بلاستيك، ومصانع ألبسة، وصناعات الموبيليا والأثاث، والصناعات الغذائية، بالإضافة إلى المطاعم، وقد بلغت 80 ترخيصاً منذ بداية عام 2022، بينما سجل مكتبه 50 منشأة في عام 2021.