تعثر مشاريع التنمية... إهدار أموال المانحين في موريتانيا

29 اغسطس 2022
يؤدي التعثر التنموي إلى تغيير ديموغرافي (Getty)
+ الخط -

يتزامن تعثر مشاريع المياه في موريتانيا مع تفاقم المعاناة الناتجة عن الجفاف الذي يضرب البلاد، ما يخلق نزوحا داخليا ويخلخل معدلات الكثافة السكانية في مناطق يهجرها أهلها إلى أخرى تعاني من ضغط الباحثين عن ري ظمئهم.

- يعاني الخمسيني الموريتاني محمد فال سيدي محمد، من عدم توفر مياه الشرب وصعوبة الوصول إليها في منطقة لعيون بولاية الحوض الغربي شرقي البلاد، خاصة في ظل الجفاف وتعثر مشروع مياه "أظهر" الذي أعلنت عنه الحكومة في السابع عشر من أبريل/نيسان 2012 ولم تنجز مرحلته الأولى التي كان ينبغي الانتهاء منها في عام 2015، قائلا: "الأزمة التي نعاني منها لا تقتصر على الإنسان إذ لا نجد الماء والمرعى للماشية، لدي خمسون رأسا من الأغنام هي مصدر دخلي الوحيد وما نعانيه يهدد أوضاعنا المعيشية".

واعترف وزير المياه والصرف الصحي السابق، محمد الحسن ولد بوخريص، بتعثر مشروع "أظهر"، قائلا  في رد على سؤال شفوي مقدم من النائب عن حزب الإنصاف الحاكم، الفضيل ولد سيداتي في جلسة بالجمعية الوطنية عقدت في 22 يونيو/حزيران 2021، من أجل تقييم المشاريع الهيكلية الكبرى المنجزة في قطاع المياه، إن "محطة الضخ التي كان يجب أن تُوصل الماء إلى مقاطعة أمرج بولاية الحوض الشرقي تأخرت كثيرا إذ كان يجب أن تبدأ في عام 2018". 

ووقعت الحكومة الموريتانية اتفاقية قرض لإنجاز مشروع "أظهر" مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الإسلامي للتنمية بقيمة 36.2 مليون دينار كويتي (117 مليونا و627 ألف دولار أميركي)، بهدف تجهيز 16 بئرا أرتوازية في حوض بحيرة "أظهر" لتصل قرى بمدن الشرق الموريتاني (تابعة لولايات الحوض الشرقي والحوض الغربي) وبطاقة إنتاجية تقدر بـ 56 ألف متر مكعب، مستهدفة بذلك 186 ألف مواطن في أفق 2030 على أن يتم المشروع على 3 مراحل، وفق ما جاء في وثيقة الصندوق العربي.

تعثر مشاريع المياه

أجبر تعثر مشروع "أظهر" والبحث عن الماء الصالح للشرب، الأربعيني الموريتاني باه ولد أنا، على مغادرة منطقة لعيون، والنزوح باتجاه نواكشوط في يوليو/تموز 2018، كما يقول لـ"العربي الجديد". 

لكن في نواكشوط لم يكن الحال أفضل، إذ وجد ولد أنا، صعوبة في الوصول إلى مياه الشرب مع تعثر مشروع أفطوط الساحلي، الذي تم توقيع الاتفاقية بشأنه مع الصندوق العربي في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2010، بتكلفة 39.6 مليون دينار كويتي (128 مليونا و675 ألف دولار)، على أن يقدم المبلغ كل من الصندوق العربي والبنك الإسلامي للتنمية والصندوق السعودي للتنمية، والصندوق الكويتي للتنمية.

ورغم تأكيد الموقع الرسمي لوزارة المياه والصرف الصحي في السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول 2020، على أنه ستتم تغطية نواكشوط بـ 80 في المائة من التوصيلات المنزلية الخاصة بمشروع أفطوط الساحلي البالغ عددها 87 ألف توصيلة،  بحلول عام 2023، إلا أن استطلاع رأي غير قياسي شارك فيه 35 من سكان مقاطعات نواكشوط التسع، توصل عبره معد التحقيق إلى أن 95% من بينهم لا تتوفر منازلهم على تلك التوصيلات، بينما أشار 5% إلى عدم سماعهم بالمشروع.

ويقول الأربعيني محمد الأمين حمادي المختار، أحد المشاركين بالاستطلاع في مقاطعة دار النعيم، أن الماء يتوفر لثلاث ساعات، ثم ينقطع 3 أيام. 

وتعاني مناطق في نواكشوط من شح في مياه الشرب، بحسب إفادة العشريني الحسن الحبيب، أحد سكان مقاطعة عرفات، والذي يؤكد على معاناتهم بسبب الأمر وهو ما يتكرر في العاصمة التي يعيش فيها 60% من سكان موريتانيا البالغ عددهم 3.5 ملايين، وفق التقرير السنوي لوزارة الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية بعنوان "الاستراتيجية الوطنية للنمو المتسارع والرفاه المشترك ما بين 2016 و2030". 

الصورة
أزمة مياه في مقاطعة توجنين في نواكشوط
أزمة مياه في مقاطعة توجنين في نواكشوط (العربي الجديد)

ويعيد الوزير ولد بوخريص، أسباب "تعثر مشروع أفطوط الساحلي، إلى بقاء المضخات في محطة بني نعجي في مقاطعة كرمسين التابعة لولاية الترارزة جنوب غربي موريتانيا، دون صيانة منذ عام 2010، مؤكدا أمام الجلسة البرلمانية في 22 يونيو 2021 أن "تلك المضخات لا تستطيع توفير 150 ألف متر مكعب بسبب عدم صيانتها، كما أنه كان من المخطط توفير مضخة جديدة في عام 2015 وهو ما لم يتم، رغم أن المشروع صُمم على أساس توفير 150 ألف متر مكعب حتى 2020، على أن تضاف لاحقا مضخات جديدة ومعدات أخرى تضمن رفع الإنتاج إلى 230 ألف متر مكعب بدءا من 2020، وهو ما لم يحدث".

من يتحمل مسؤولية التعثر التنموي؟

تعترف وزارة الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية الموريتانية في تقريرها حول متابعة أداء محفظة مشاريع وبرامج التنمية في موريتانيا لسنة 2021، الصادر باللغة الفرنسية في 27 يونيو/حزيران 2022، بأن "نسبة المشاريع التنموية المتعثرة في موريتانيا بلغت 55% من 110 مشروعات بقيمة 139.7 مليار أوقية قديمة (391 مليونا و316 ألف دولار)، بينها 20 مشروعا للمياه والصرف الصحي والموانئ والطرق، بقيمة 36.7 مليار أوقية قديمة (102 مليون و800 ألف دولار)". 

ويتطابق ما سبق مع إفادة وزير الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية، أوسمان مامادو كان، والذي قال على الموقع الرسمي للوزارة في 29 يونيو 2022، إن: "ما يقارب 1400 مليار أوقية قديمة (3 مليارات و921 مليونا و568 ألف دولار) في سجلات الممولين الخارجيين كان من المفترض أن تضخ في الاقتصاد الوطني، في حين توجد لدينا الكثير من المشاريع التي لم يتم تنفيذها، رغم مضي عشرات السنين على بعضها، من بين هذه المشاريع واحد منذ 1996 وآخر من 2000 وواحد من 2005 وخمسة مشاريع من 2007 واثنان من 2008 وواحد من 2009 وخمسة من 2011 واثنان من 2012 والقائمة تطول، وبعض المشاريع تجاوزت المدة المحددة لها بتسعة أعوام ومشاريع أخرى تجاوزت المدة المحددة بعامين".

55 % من المشاريع التنموية متعثرة في موريتانيا

ويحمل الدكتور الصوفي ولد الشيباني، نائب رئيس البرلمان الموريتاني (عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل")، وزارة الشؤون الاقتصادية المسؤولية، بسبب غياب المتابعة من قبل الجهات الوصية بالوزارة، ويقول لـ"العربي الجديد" إن ضعف القدرة على الاستفادة من التمويل الخارجي الممنوح لموريتانيا، مشكلة هيكلية في الاقتصاد الموريتاني، مردها ضعف القدرات البشرية في مجال التخطيط والتسيير وإعداد دراسة جدوى للمشاريع، ويتساءل: "كيف يمكن للبلاد أن تخسر 1400 مليار أوقية قديمة في حسابات الممولين كانت موجهة لتمويل مشاريع تنموية من بينها مشاريع المياه والصرف الصحي في موريتانيا، رغم حاجة الاقتصاد الموريتاني لذلك".

وزارة الشؤون الاقتصادية تتحمل مسؤولية تعثر مشاريع المياه 

ويقر يحي عبد الدايم محمد فال، المدير السابق لمتابعة وتقييم البرامج والمشاريع بوزارة الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية، بأن تأخر وتوقف مشاريع المياه يقع على عاتق الوزارة، نتيجة غياب دراسات فعالة لتلك المشاريع، قائلا: "لا توجد مقاربات من ناحية الميزانية والتكاليف ومدة الإنجاز، كما لا تتوفر آليات لمتابعة مدى إنجاز المشاريع وتقييمها بناء على نتائج ملموسة وموثقة بالأرقام". 

ويضرب فال، مثالا بمشروع تزويد مدينة كيفه وسط جنوب موريتانيا، بالمياه الصالحة للشرب، والذي غابت عنه الدراسات الدقيقة والفعالة، حسب قوله، مضيفا أن المشروع تم تنفيذه من قبل الهندسة العسكرية في عهد الرئيس السابق، محمد ولد عبدالعزيز في عام 2019، وفي بداية العام الجاري تحدثت الحكومة عن هذا المشروع وتمويله من جديد.

الصورة
الشركة الوطنية للماء في موريتانيا
الشركة الوطنية للماء في موريتانيا (العربي الجديد)

و"تشكل نسبة النفاذ إلى مياه الشرب في موريتانيا 65.4 بالمائة، بينما نسبة توفر خدمات الصرف الصحي تبلغ 9.8 بالمائة، ونسبة توفر النقل العمومي 42.6 بالمائة، ونسبة خدمات المراكز الصحية 33.6 بالمائة، ونسبة توفر الكهرباء في الوسط الحضري 76.9 بالمائة، فيما تشكل نسبة توفر الكهرباء في الوسط الريفي وشبه الحضري 2.3 بالمائة"، حسب تقرير "الاستراتيجية الوطنية للنمو المتسارع". 

الصورة
نزوح مستمر

خيارات مُرة

تسبب الجفاف وتعثر مشاريع المياه، الناتج عن الفشل الحكومي، في تفاقم النزوح من الريف الموريتاني إلى المدن، ويؤكد 5 موريتانيين ومنهم الأربعيني محمد الأمين عبدي أحمد، أحد سكان حي لمغيطي بمدينة لعيون، أنه يفكر بالنزوح هو الآخر إلى نواكشوط، مضيفا: "لم نعد نشعر بأننا جزء من هذا الوطن". 

وأدت الكوارث الطبيعية (من بينها الجفاف) إلى تزايد النزوح الداخلي في موريتانيا، إذ "نزح 450 شخصا في عام 2018، و6600 في عام 2019، وكذلك 1600 في عام 2020"، وفق التقارير الصادرة عن مركز رصد النزوح الداخلي IDMC (منظمة دولية أسسها المجلس النرويجي للاجئين).

وزاد عدد سكان الحضر إلى 755 ألفا في عام 2013 بينما كان 190 ألف نسمة في عام 2000، فيما نقص عدد السكان الريفيين من 335 ألف نسمة في عام 2000، وصولا إلى 327 ألفا في عام 2013، وفق تقرير الاستراتيجية الوطنية للنمو المتسارع، والذي يعيد ذلك إلى تفاقم ظاهرة الهجرة الناجمة عن تدهور الظروف المناخية". 

ويعرقل النزوح الداخلي عملية التنمية في المدن الموريتانية، إذ قد لا تتناسب وسائل التنمية مع الكم السكاني الزاحف إليها، بحسب إفادة الدكتورة أم العيد البي، أستاذة الجغرافيا البشرية في كلية الآداب بجامعة نواكشوط الحكومية، والتي تقول لـ"العربي الجديد": "إفراغ الريف من سكانه بسبب ضعف الخدمات الأساسية مثل الوصول للمياه يسبب اختلالا في المقومات الاقتصادية للبلاد".

والأخطر أن النزوح يشكل تغييرا ديموغرافيا كبيرا في المناطق التي يتم النزوح منها وإليها، ففي الأولى ينخفض عدد السكان، وربما تتلاشى، وفي الثانية يرتفع العدد، كما تقول الأكاديمية أم العيد مضيفة: "توجد مناطق خالية من السكان تصل الكثافة فيها إلى 0.2 نسمة في الكيلومتر المربع، مثل مدينة وادان التاريخية شمال البلاد، وأخرى ذات كثافة كبيرة، مثل نواكشوط، بنسبة تصل في الكيلومتر المربع إلى 25.9 نسمة، وفي منطقتي كيدي ماغا وكيهيدي جنوبي موريتانيا تصل النسبة إلى 24.2 نسمة في الكيلومتر المربع".