حُلّة جديدة لإعلام النظام السوري: لا تغيير

12 سبتمبر 2018
صحافي بدمشق ضمن جولة أقامها النظام للصحافيين(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
قبل عشرة أيام، أعلنت القنوات الرسمية للنظام السوري عن ارتدائها "حلة جديدة" وتغيير هويتها البصرية، وذلك بالتزامن مع "احتفالات الانتصار" التي يقوم بها النظام السوري بهدف الترويج لـ"قوته وقدرته على إعادة الحياة الطبيعية لسورية وقضائه على الإرهاب"، فاندمجت القنوات الرسمية الخمس: الفضائية السورية، سورية دراما، نور الشام، الإخبارية السورية والتربوية السورية بعرضٍ موحد، كان بمثابة الانطلاقة الجديدة للتلفزيون السوري. 


بحسب تصريحات وزير إعلام النظام، عماد سارة، فإنّ هذه الانطلاقة هي "إعلان عن بدء مرحلة جديدة في الإعلام السوري"، وهي مرحلة "ما بعد الحرب". إذ قال: "الإعلام السوري انهمك في السنوات السابقة بنقل حقيقة ما يجري في سورية وسط حملات التضليل الإعلامي، واهتمّ بالإعلام الحربي على حساب البرامج الترفهية والمنوعة". وأكد سارة أنّ الانطلاقة الجديدة "سوف تحمل الجديد على مستوى الشكل والمضمون". فما الذي تغيّر حقيقةً في هذه القنوات خلال الأيام العشرة الماضية؟
بدأت الانطلاقة الجديدة ببثّ موحد لجميع القنوات الحكوميّة السوريّة، استُهِلّ بعرضٍ طلائعي تشارك فيه العاملون بالقنوات الخمس، حيث وقفوا ورددوا "ميثاق الشرف الصحافي" للإعلام الوطني، الذي تعهد فيه الإعلاميّون العاملون في هذه القنوات بأن "ينقلوا ما يجري على أرض الواقع بصدقٍ وشفافيّة وأن ينقلوا الخبر بموضوعيّة، وتعهدوا بعدم بثّ أي مواد تحريضيّة على الطائفيّة أو التطرف؛ وكأنّ هذا التعهد يتضمّن اعترافاً مبطناً بأنّ ما تم تداوله على تلك القنوات في السنوات الأخيرة يحمل كماً كبيراً من الكذب والادعاء. وشمل التعهد مراعاة الأطفال من المشاهد والمواضيع التي يمكن أن تحتوي أنماطاً سلوكية غير سلمية. علماً أنه وفي التقرير الافتتاحي ذاته عُرضت مشاهد حربية تضمنت جثث وأشلاء "الإرهابيين" من دون أي تشويش على تلك الصور لتخفيفيها! وعلى عكس تصريحات الوزير سارة، فإنّ الإعلام لم يتّخذ خطوة جديدة لإخراج الطابع العسكري منه، فشمل الميثاق تعهداً بالتركيز على الجيش والشهداء وعدم نسيانهم. وكذلك شارك في الميثاق مراسلان حربيان تعهدا باحترام دستور البلاد وهيبتها العسكرية. وانتهى العرض بحديث مطول عن دور الإعلام وحريته ضمن سياق شعاراتي، لا يتضمن أي اختلاف.



على صعيد الشكل، يبدو أن التغيير الوحيد الذي طرأ على تلك القنوات هو تغيير الشعار (اللوغو) الخاصّ بكل قناة، حيث صمم لوغو جديد موحد للقنوات الرسمية، باستثناء قناة "الإخبارية السورية" التي حافظت على اللوغو القديم؛ والشعار الجديد هو "الوردة الدمشقية"، وكل قناة لوّنت وردتها بلونها الخاص. أمّا في ما يخصّ وعود الوزير سارة ببناء استديوهات جديدة وإنفاق أموال طائلة لتحسين الجودة البصرية لتصبح القنوات "HD"، فإنّ هذه الوعود لم تدخل حيّز التنفيذ، فاكتفى القائمون على التلفزيون بتغيير لون طلاء الاستديوهات، بما يتناسب مع لون الوردة في كل قناة، وبقيت القنوات تبث بالدقة المنخفضة ذاتها.


على صعيد المضمون، فإن جدول برامج العرض يوحي لوهلة بأنه قد تم إجراء بعض التعديلات، ولكن بعد مرور عشرة أيام على الانطلاقة الجديدة يتبين أنه لم يتم تغيير أي شيء على مستوى المحتوى. فالبرامج التي تبثّ هي ذاتها، ولم يجر سوى تعديل بسيط على أسمائها، أو في بعض الأحيان اكتفت القناة بالإعلان عن بدء جزء ثان من البرامج التي كانت تبث قبل أن يرتدي التلفزيون الحلة الجديدة، كبرنامج "حكاية سورية" الذي انطلق الجزء الثاني منه قبل أيام، وهو يسرد "حكايات المدن التي حررها الجيش السوري من قبضة الإرهاب"؛ علماً أنّ الجزء الأول منه أغلق مع انطلاقة التلفزيون الجديدة، ليوحي هذا التغيير بطبيعة التغييرات التي جرت على القنوات الرسمية.



ومنذ أن بدأت القنوات بعرضها "الجديد" تسببت بسخرية العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين انتقدوا كيفية تعاطي تلك القنوات مع الأحداث المحلية، وسياسية التكذيب التي تعتمدها، وهي التي أفقدتها احترام وثقة ملايين السوريين منذ سنوات. حيث كذبت تلك القنوات الضربات الإسرائيلية التي حصلت منذ أيام على الأراضي السورية، وبررت ما حدث بمطار المزة العسكري بأنه كان نتيجةً لـ"ماس" كهربائي في أحد مستودعات الذخيرة، الأمر الذي أثار سخرية العديد من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أطلق وسم "#ماس_كهرباء".
وتؤكد هذه الحادثة أن التلفزيون السوري الساعي لإعادة اكتساب ثقة جمهوره، بعدما اعتقد النظام بأنه محا آثار الثورة بقوة البطش العسكري، يبدو عاجزاً بشكل كلي عن الوصول لما يريده. فالمتلقي بات يشاهد ما يتداوله الإعلام الرسمي من دون ثقة بما يقال. فبعدما شهد جيل كامل على الفوارق الكبيرة بين ما يحدث على أرض الواقع وما يذاع على التلفزيون، وبعدما أصبح الناس يتداولون النكات حول التلفزيون وطريقة تعاطيه مع الحدث، بات من الصعب عليهم استعادة الثقة، ولن تجدي نفعاً الحلة الجديدة التي ارتداها.