جبلة استيقظت على بوط عسكري.. بعد سقوط كسب

جبلة استيقظت على بوط عسكري.. بعد سقوط كسب

09 ابريل 2014
+ الخط -
مع فتح قوّات المعارضة جبهة الساحل ووصولها إلى بلدة كسب، استيقظ أهالي "جبلة" السورية، المحسوبة على النظام كإحدى معاقله المؤيّدة له، على نُصبٍ لبسطارٍعسكري، يرتفع أكثر من مترين في مدخل المدينة. اللافت أن النُصب وُضِعَ فجراً، بصمتٍ ومن دون مراسم، على عكس نصب البسطار ومجسّم الرصاصة، اللذين نُصِبا على مدخل اللاذقية العام الماضي في عيد الجيش، والذي دشَّنه محافظ اللاذقية وضباطٌ كبار.

ربما وضع بسطارٍ عسكري أو "البوط" باللهجة المحلية، عند مدخل مدينة في غفلةٍ عن أُنَاسها النيام، يحمل رمزية الأمر الواقع، وربطاً لمصير المكان وأهله بالبسطار العسكري.

النُصب أثار جدلاً واسعاً بين أهالي جبلة، وتباينت ردود الأفعال حوله. حتّى مؤيدو الأسد انقسموا بين مؤيّدين وبين رافضين لتجسيد "تضحيات" أبنائهم و"بطولاتهم" ببسطار عسكري.

شادي. ص. هو أحد الشباب المؤيدين للأسد. كتب على Facebook: "من المهين تمثيل العسكري ببوط"، بينما يدوّن عيسى. أ.، أحد أحفاد صالح العلي، على صفحته في Facebook: "الثقافة التي تجعل من أحدهم يتجوّل عارضاً قتلاه على مرأى المارّة في اللاذقية، وتستخدم حذاءً عسكرياً كمنحوتةٍ فنية على مدخل مدينة جبله، هي ثقافةُ إجرامٍ ينتجها، ويعممها مجرمون لتكريس الاستبداد، وإثارة الفتنة".

ويبدو وقع النُصب أكثر قسوة على العائلات التي فقدت أبناءً لها في الحرب دفاعاً عن النظام. فأم أسامة هي والدة جنديين قتيلين. تبدو مصدومة بفكرة تعويضها عن أولادها "ببوط" عسكري: "ولداي ماتا وبوارديهما خاوية من طلقة، وفي جيوبهما لا توجد ليرة، ماتا جائعين والدولة رمتهما للموت.. والآن يجلبون لي تعويضاً عنهما بوطاً عسكرياً".

ويمضي فراس. ص. م.، وهو مؤيّد للأسد، إلى مكان آخر، فينشر على Facebook  صورة نصب الجندي المحرِّر لأوكرانيا في روسيا، مع صورة النصب الموضوع عند مدخل جبلة، محاولاً إبراز الفارق في نوعية التكريم وتنفيذه الفني ويتساءل بحيرة: "الفنّ مرآة لفكر الشعوب، وإبداعاتها، ورسالتها، وتطلعاتها. من صمّم هذا النصب؟ ومن وافق عليه؟ ومن سمح به؟ قيل إنّه نصبٌ تذكاري لتمجيد الجيش، أو تضحيات الجيش، أو انتصاراته! هل هو كذلك؟! قارن بين النصبين السوري والروسي".

تأتي تعليقات غريبة على منشور فراس، فيعلق غاندي حمد غارقاً في حالة سوريالية، ومتناسياً كلّ مشاهد الجنود السوريين وهم يقومون بالدوس على أجساد المتظاهرين السلميين منذ بداية الثورة إلى اليوم: "الجنود السوريون يقومون بالدعس على رؤوس الأعداء؟ هل هذا هو رمز الجندي العربي السوري؟ الجندي العربي السوري جندي دفاع، لا يدعس، ولا يؤذي، ولا يعتدي"!!

لكنّ المؤيّدين لفكرة تجسيد تضحيات أبنائهم بالبسطار العسكري في جبلة بدوا مثيرين للدهشة. كثيرون منهم مضوا لالتقاط الصور التذكارية بجواره، مبرّرين ذلك بعبارات من قبيل: "لولا هذا البوط لما كنا نحيا آمنين في بيوتنا وقرانا". ليغدو البسطار عندهم رمزاً وجودياً، ومصيراً مرهوناً بالبسطار: "في طريق ذهابي إلى الجامعة أغضُّ بصري عن النصب كي لا أبصر القبح والجريمة، والمؤيّدون للبسطار يلتقطون صوراً معه كأنّه تحفة فنية. يفتخرون به لكنّني لا أستطيع القول لزميلتي التي قُتِلَ والدها أو شقيقها في الحرب: لا تفتخري. إننا نعيش حالة من الفصام المرعب"، تقول س. ص.، وهي طالبة جامعية طلبت من "العربي الجديد" عدم نشر اسمها.

 نصب الحذاء العسكري في مدينة جبلة، وبعيداً عن الجدل المثار حوله، يكشف حقيقة الحالة المرتكزة على الرعب، والعنف، والعسكرة، التي تعيشها البيئات المؤيّدة للأسد، والمناطق غير المحرّرة بعد. وتكشف كم هي مسلوبة إرادة شرائح واسعة من أبناء الساحل السوري، ليبقى وضعهم مثل وضع كلّ السوريين، مرهوناً بمصير البسطار العسكري، في رمزيته العنيفة، والذي يتجول رعباً، ودماً، وقتلاً، في كلّ مدن سوريا وقراها.

 

 

 

 

 

 

 

دلالات

المساهمون