فضل شاكر من مخبئه لـ"العربي الجديد":لن أسلّم نفسي لأحد

05 سبتمبر 2014
+ الخط -
قبل سنة وثلاثة أشهر أنهى الجيش اللبناني ظاهرة الشيخ أحمد الأسير، فيما عُرف يومها بمعركة عبرا. لم تكن معركة عادية بالنسبة إلى عموم اللبنانيين، وإلى سكّان مدينة صيدا خصوصًا، بعدما ولّدت خاتمتها خلافات وتداعيات تتفاعل آثارها حتى اليوم.
القضاء اللبناني حسم الأمر قبل شهرين، بإصداره قرارًا ظنيًّا بإعدام الشيخ الفارّ وفضل شمندر المعروف بفضل شاكر، ولـ66 آخرين بينهم 52 موقوفًا. لكن ما حقيقة هذه القضية، وما علاقة فضل شاكر بها؟ فضل شاكر كشف لـ"العربي الجديد في هذه المقابلة ما لم يقله من قبل.
منذ يونيو/ حزيران 2013 قلّ ظهوره، هو الذي أعلن اعتزاله الفنّ. لكنّه بين الحين والآخر كان ينشر تعليقات عبر تويتر، وأناشيد في مناسبات دينية واجتماعية. وهو يظهر إلى العلن، ولا أحد يعرف مكانه، وسط أحاديث عن احتمال وجوده في مخيّم عين الحلوة شرق صيدا. وثمّة من يقول إنّه موجود في تركيا التي وصلها برًّا عن طريق سورية.

العربي الجديد تمكّن من الوصول إلى "الفنان التائب" وأجرى معه حوارا خاصا من مكان اقامته الحالية ، روى فيه رؤيته لمعركة عبرا، مشيرًا إلى أنّ طرفًا ثالثًا أشعلها، لا الجيش ولا أحمد الاسير وقال: "أنا لست مجرما، ولا إرهابيًا، بل دفعت فاتورة كبيرة بسبب مساومات أجراها آل الحريري وقائد الجيش وضباط لا زالوا حتّى اليوم يخيفون عائلتي وابني محمد (19عاما) لمجرّد أنّني إنسان أخذت عهدًا على نفسي بمؤازرة المظلومين!

لو عدنا إلى معركة عبرا نهار الأحد. رصاص القنص كان "القشّة" التي قصمت ظهر البعير، فقد أكّدت المعلومات أنّ مسلحي الأسير هم الذين قنصوا عناصر من الجيش، ماذا تقول؟

تفاوضنا يوم الجمعة، أي قبل المعركة بيومين، مفاوضات جدية من أجل الخروج بنتيجة، لكنّنا تفاجأنا بالقنص على عناصر من الجيش اللبناني. أؤكّد أنّ طرفاً ثالثاً دخل على الخطّ لإشعال فتيل التفجير. ونعم جلست مع ضباط من الجيش اللبناني، منهم م. ح، ع. ش، و م. ص.، واتفقنا على إخلاء المراكز التابعة لأحمد الأسير، وسلّمنا الأسلحة الثقيلة كلّها إلى الجيش اللبناني مقابل شرط واحد هو سحب كل الوشايات والبرقيات التي أوصلت إلى قيادة الجيش أسماء بعض الشباب. وطلبنا تركهم في حال سبيلهم. كان عددهم 18 شابًا، على ما أذكر، وذلك مقابل أن تعود المنطقة آمنة!
لكنّ القنص وإصابة عسكري من الجيش كسر كلّ شيء قبل أربع وعشرين ساعة. كنت نائمًا عندما علمت أنّ الشيخ أحمد الأسير بدأ القتال! نحن الذين هوجمنا، وليس العكس، بحسب ما نقل الإعلام المحسوب على الفئة الضالّة.

وكيف نجحت أنت والشيخ الأسير في الهرب؟

بداية أودّ الإشارة إلى أنّني والشيخ أحمد الأسير لم نكن على توافق تام. قبل شهرين من المعركة الأخيرة التي سبقت الهجوم علينا كان التنسيق بيننا على بعض الأمور. هناك "شباب" انضووا في المجموعة التي أنشئت، وصل عددهم إلى 200 شاب، كنت أقودهم وأتكفّل بهم. وماذا ترانا نفعل أمام هذه المسؤولية الكبيرة. خرجت مع 20 منهم بعد المعركة. علمت فيما بعد أنّ الشيخ الأسير خرج مع أربعة مرافقين فقط، وقيل لي إنّه حَلَقَ ذقنه. منذ ذلك اليوم لم أسمع عنه شيئاً. بالعودة إلى الخلاف بيننا فقد لاحظه عدد كبير من "الشباب" الذين كانوا يرتادون المسجد، حتّى أنّني خلال الأسبوعين الأخيرين قبل المعركة، لم أكن أصلّي إلى جانبه.

ما هو سبب الخلاف؟

لا داعي لشرح الأسباب الآن، لكنّ وجهات النظر تباعدت بيننا. فقرّرت بحسم أن يذهب كلّ منّا في طريقه. وُعدنا من قيادة الجيش أن تُسوّى كلّ الأمور يوم الاثنين، إلى أن فوجئنا بالمعركة قبل 24 ساعة، كما ذكرت. أمّنت على شباب أحمد الأسير الذين تركهم من دون أيّ مساعدة. وقبل شهرين ذهبوا في حال سبيلهم، بعدما اعتنيت بهم عاما كاملا. ومن يومها لا اتّصال بيننا.

نعود إلى السؤال، كيف خرجت من منطقة المسجد؟

كما قلت إنّ الله مع المظلوم دائماً. رآنا أحد الرجال الأفاضل، ولن أذكر اسمه، فطلب منّا الصعود إلى منزله في الجهة المقابلة للمعركة. وقال لنا: "سأهرب مع عائلتي، وأنتم (أي أنا والـ20 شاباً ممن كنت مسؤولاً عنهم) إبقوا هنا". وأبقى معنا عاملة سريلانكية، بعدما طلب منها في حال تمّ الطرق على الباب بأن تردّ: "بابا ماما مش هون"، وبالفعل قضينا ليلة مرعبة جداً. عندما وصل جنود إلى الشقة وقرعوا الباب ردّت العاملة بالقول: "ما في حدا هون". فعادوا أدراجهم، وبذلك استطعنا الهروب في اليوم التالي.
كنت أضع القبّعة (الكاسكيت) على وجهي بعدما علمت أنّني مطلوب إلى القضاء. وظفرت بسائق تاكسي، لم يعرفني، وهو أيضاً كان رؤوفاً وأوصلني إلى منطقة أخرى. مررتُ بحاجز للجيش بعدما أظهرتُ لامبالاة ولم أكن متوتّرًا. ثم طلبت من الشباب أن نتفرّق، لكن ما حصل أنّ القوى الأمنية داهمت منازلهم، واعتقلت بعضهم، كما أُحرِقَ المنزل الذي لجأنا إليه، بالكامل، في اليوم التالي بعد رحيلنا. وذلك بناءً على وشاية امرأة تسكن البناية. هكذا انتقم الجيش اللبناني من صاحب المنزل، وهو يدرك تماماً أنّه كان خالياً.

أنت اليوم محكوم بالإعدام بجرم القتل؟

لست مجرماً. أنا إنسان أناصر المظلومين، تصحّ تسميتي اليوم "مطارَداً"، لكن لست "مجرمًا" أو "هاربًا". ولا أختبىء، فكلّ الناس تعرف مكاني. وأكرّر أنّني موجود بين أهلي وناسي و"محبّيني" الكثر، الذين وضعت نفسي بتصرّفهم ضدّ الظلم الذي يتعرّضون له.

ماذا تطلب من قيادة الجيش؟

أطلب أن تنظَّف قيادة الجيش من بعض الضباط.. الذين يغرقون الجيش في معارك لا مصلحة له فيها.




من تقصد بهؤلاء الضباط؟

هم يعرفون أنفسهم. هناك مجموعات تعمل ليلاً نهاراً من أجل حملات ضدّي، وفي المقابل يحاول بعضهم مساومتي كي أسلّم نفسي.

هل لك أن تدلي بتفاصيل عن هذه المساومة؟

عُرض عليّ قضاء فترة شهر واحد في وزارة الدفاع، وبعدها تسوَّى الأمور.

وكيف تُسوّى الأمور برأيك؟

لا أعرف، لكنّني لن أسلّم نفسي إلى أحد. فأنا لستُ قاتلًا، ولن أكون يومًا. أنا مُطارَد وأدفع ثمن مواقفي بعدما ناصرتُ ثوّار سورية، وناصرتُ الإسلام في العالم.

قبل أيام من المعركة ظهرت على محطة
otv وقلت إنُ الجيش أو عناصر منه اعتدوا عليك؟

قصدتُ أنّهم اعتدوا على منزلي الذي أُحرِقَ، كما أنه سُرِق. أعتقد أن المبالغ المسروقة كبيرة، إضافة إلى كميّات من الذهب تملكها زوجتي. إنّها جريمة اعتداء وظلم بحقّي وبحقّ عائلتي.

أين أحمد الأسير اليوم؟

لا أعرف أبداً، ولا نتواصل.

يقال إنّ الذهب لا يزال في عهدة الدولة؟

نعم، لكنّ الذهب والمال هو أيضاً محطّ مساومة وتفاوض بيني وبين القوة الأمنية.

هل تخلّى عنك آل الحريري، بعدما كانوا داعمين لك؟

نعم أقولها اليوم بالفم الملآن. إتّصلت بالنائب بهية الحريري، كما اتصلت بالرئيس فؤاد السنيورة وسمّعتهما ما طاب من الكلام. 

كنتَ على علاقة طيَبة بآل الحريري؟

لا يوجد علاقة تاريخية معهم. كان هناك تعاون فنيّ عندما كنتُ مطربًا، من أجل بعض الأعمال الخيرية. تدركون جيّداً أن (النائب) بهية الحريري كانت تقيم حفل زفاف جماعي لبعض الأخوة الفلسطينيين في المخيمات، وكنتُ أنسّق مع ابنها أحمد الحريري من أجل ذلك. لقد ردّوا إليّ الجميل بالنكران. بعد اغتيال رفيق الحريري تضامنتُ معهم. لكن لم تتطوّر العلاقة. وحين زارتها زوجتي وابنتي بعد معركة عبرا لم تستقبلهم كما يجب، وأهانتهما بطريقة فظّة. تدّعي بهية الحريري أنّني أوزّع مالًا حصلتُ عليه من قطر. أتحدّاها أن تأتيني بصور أو فيديوهات لما تسمّيه حقائب المال القطري. أقسم بالله وبأولادي أنّني لم أتلقّ أيّ فلس من أيّ دولة، وكلّ ما قدّمته من أجل مناصرة الثورة السورية هو من مالي الخاصّ، واليوم أعيش أنا وعائلتي مستورين من مالي أيضًا، ولديّ مسؤوليات لن أتخلّى عنها ما حييت.

هل ورّطك بيت الحريري؟

آل الحريري ما عندهم صديق، يتخلّون عن إخوانهم، لنقل "المسلمين"، ويفضّلون الغريب. هم لم ينكروني فقط، بل تخلّوا عن طائفتهم وشعبهم الذي أحبّ رفيق الحريري وناصره. تمنيت أن تصدر بهية الحريري أو صديقها فؤاد السنيورة بيان استنكار حول ما حصل مع مواطن يُدعى فضل شاكر من صيدا أبًّا عن جدّ.

ما هو مصدر أموال فضل شاكر اليوم؟

بعت بناية أملكها، بمبلغ كبير، وأعيش من هذا المبلغ. أريد أن أكرّر لكلّ من يتهمني بأنّني أتقاضى المال من دول خليجية بالقول: "هاتوا دليلكم إن كنتم صادقين". ولو أثبتّم أيّ شيء ضدّي أتقبّل أيّ قرار قضائي حتّى لو اقتضى الحجز على أموالي، المحجوزة أصلاً من قبل الشرطة العسكرية والقضائية، وهي ليست أموالي، بل أموال زوجتي وأبنائي.

هل تقوم الجهات الأمنية بمضايقة أفراد عائلتك؟

نعم. يستدعونهم مرّات لأسباب واهية، ويحاولون إخافة ابني محمد.

هل عُرِضَت عليك أيّ تسوية من دول أوروبية، وما تفاصيلها؟

عُرض عليّ الذهاب إلى تركيا، لكنّني غير واثق بالعرض، لم أعد أثق بأحد. لا داعي لشرح التفاصيل، لكن تصلني مئات الدعوات حول إمكانية لجوئي، غير أنّني أريد ضمانات، ولن أساوم على أي شيء.

من برأي فضل شاكر، أضاع بوصلة الثورة السورية؟

حسن نصر الله هو من أضاع بوصلة الثورة السورية، وأبقى على بشار الأسد. أتحدّى حسن نصر الله أن يوجه أيّ رصاصة اليوم إلى الأراضي المحتلّة في فلسطين.

لكنّ السوريين أعادوا انتخاب بشار الأسد رئيساً عليهم!

أعادوا انتخابه إلى جهنّم وبئس المصير.

ماذا في الفنّ؟ 

لا تفرحني العودة الى الغناء. أنا اعتزلت وتوبتي إلى الله توبة نصوح، لكنّني أحترم كلّ ردود الفعل التي تشدّ من عزيمتي، وجماهيريتي في ازدياد، لكنّني لا أعوّل على هذا. حتّى عندما كنت مطربًا لم تكن النجومية تعنيني.  

ماذا عن حفيدتك لابنتك؟ 

(هنا لم يستطع فضل شاكر حبس دموعه) فضل عثمان أوّل حفيد لي، وُلِدَ بعد معركة عبرا  واضطررت إلى البقاء بعيدا عنه. لم أتمالك نفسي عندما رأيته للمرّة الأولى. شعرت أنّني أب وجدّ. لكنّني على تواصل دائم مع عائلتي، ولضرورات أمنية لا أستطيع أن أراهم كثيرا. هم ايضا يدفعون ثمن مواقفي التي أصرّ عليها. 

المساهمون