أن تضع نفسك مكان نتنياهو

08 ابريل 2023
+ الخط -

دائماً، يُمكن للإنسان أن يفهم الآخر بشكل جيد نسبياً، إذا وضع نفسه مكانه. ربما سيرى الأمور من وجهة نظر مختلفة، فيفهم سلوكاتٍ عدة. ويُمكن في حالتنا على مستوى البيئة الصغيرة عائلياً واجتماعياً ومهنياً التصرّف على هذا النحو، فنرتقي إلى أعلى مستويات إدراك الآخر، وبالتالي تكييف سلوكنا، لا من أجله، بل من أجل تطوّرنا وتوسيع مداركنا. هنا، لنضع أنفسنا قليلاً مكان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. منذ أسبوعين، لا أكثر، كان الخطر مُحدقاً به. حكومته على مشارف السقوط. حياته السياسية ستنتهي في أروقة القضاء، وربما السجون. إيهود أولمرت سبقه إلى هناك. نتنياهو غرق بالتفكير حين باتت الأمور أكبر منه، وفي لحظة ما، لم تعد القصص تحت السيطرة، والنهاية اقتربت، غير أن حبل نجاة رُمي على حين غرّة، سمح له بالبقاء على قيد الحياة سياسياً حتى إشعار آخر. حبل "تعليق الإصلاحات القضائية"، لم يكن طويلاً بما يكفي. كان لا بد من الوصول إلى برّ أمانٍ يتيح له التقاط أنفاسه، والعودة مجدّداً إلى صورة الرجل الذي حدّث نمطية العمل السياسي لدى الإسرائيليين، في قطاعي الإعلام والإعلان.

في عقل نتنياهو بحثٌ عن أفكار تُعيد توحيد الشعب خلفه. وهل من فكرةٍ أفضل من "عدوّ" مزعج، في الجنوب أو الوسط أو الشمال؟ الفلسطينيون، بطبيعة الحال، يبقون الهدف الأساسي لرئيس حكومة الاحتلال. الشعب الذي رفع كثيرون شعاره منذ عام 1948، أنظمةً ومجتمعات ومنظمات، من دون أن يتحقّق الحد الأدنى من ممارسة حقه في الصلاة في المسجد الأقصى. البحث في الضفة المحتلة أو في غزّة؟ لا يهم. المهم التفتيش عن شرارة تُعيد التذكير بأن "أمن إسرائيل ووجودها" أهم من خلاف سياسي أفضى إلى اتساع النقاشات عن نشوب حرب أهلية. استُعيدت في هذه الحالة تواريخ قديمة، عن الاقتتال اليهودي ـ اليهودي، الذي شتّتهم من الشرق الأوسط إلى رحاب العالم.

في حمأة هذا التفكير، وبمساهمة من المستوطنين، مقتحمي الأقصى، كان الدفع باتجاه استفزاز طرف "خارجي" هدفاً واقعياً لنتنياهو. لا أحد منطقياً، يسعى إلى استفزاز فريق آخر، دينياً وسياسياً، ما لم يكن يسعى إلى ذلك للحصول على ردّ فعل، يُتيح له الخروج من مأزقٍ داخلي إلى صراع خارجي. حصل ما توخاه نتنياهو. قُصف الإسرائيليون من لبنان. نقل المعركة من الداخل، وعلى حساب الفلسطينيين، إلى الخارج. والقوى نفسها التي دانت، وإن بخجل، اقتحامات الأقصى، ساندته بقوة في موضوع الصواريخ التي سقطت في الجليل وشمال فلسطين المحتلة.

هل كان نتنياهو يبحث عن أكثر من ذلك؟ كشخص مُشبع بالغرور، قد لا يرضيه ذلك، لكنه كاف لمرحلة أولى. وجد يئير لبيد إلى يمينه، وبيني غانتس إلى يساره ويوآف غالانت أمامه. إذاً، تحققت "الوحدة" التي سعى إليها. سيضمن لنفسه مستقبلاً أطول زمنياً في السلطة، وسيُعيد ترسيخ نفسه "منقذا لإسرائيل"، الذي تشرئب أعناق الإسرائيليين إليه في كل لحظة "خطر".

هل كان بالإمكان تجنّب منح نتنياهو هذه الأفضلية وتركه يغرق في صراعاته الداخلية؟ منطقياً قد يكون السؤال صحيحاً، لكن الوقائع ليست كذلك. يتمتع نتنياهو وأسلافه بخاصيةٍ، تعبّر عن المعايير المزدوجة لدى المجتمع الدولي: "مهما فعلوا مغفورة لهم خطاياهم". ولو لم يرفع الفلسطينيون سيف المواجهة في الأقصى وغيره، وخضعوا للشروط الإسرائيلية، لكان واصل الاستفزاز بكل أشكاله، وصولاً إلى جرّهم إلى ساحة قتال ثم التباكي. هل يمكن الردّ على مثل هذا التفكير، وهنا لم يعد نتنياهو وحده المعني، بل الطاقم السياسي الإسرائيلي برمّته؟ أيضاً بالمنطق نعم، عبر اختيار لحظة المواجهة، لا القبول بفرضها منه. غير أن العدو الأكبر لمثل تلك اللحظة هو الانقسام، بدءاً من الصفوف الفلسطينية، ووصولاً إلى كل الدول العربية. نتمادى، نحن العرب، بنقل انقسامنا الداخلي إلى الخارج، أما الإسرائيلي فيبحث عنّا كضحايا لوحدته. هنا كل الفرق.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".