خطة الانتقال في سورية

07 ديسمبر 2015
+ الخط -
يتّصف مشروع خطة الانتقال السياسي في سورية التي أطلقها، الأسبوع الماضي، خبراء سوريون، ينتظمون في "مجموعة" من الحقوقيين والمثقفين والسياسيين، متنوعي الميول الحزبية والفكرية، بالشمولية الوافية لمجمل الاستحقاقات التي يتطلّبها العبور، بعد الخلاص من نظام الأسد، إلى الدولة السورية المدنية الحديثة. والأهمية المضاعفة للوثيقة (نشرت في "العربي الجديد" في 3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري)، أنها مشروع مطروح على جميع الفاعليات السورية، ولا ترفع راية أي جهة سياسية، أو تشكيل عسكري معارض. وإذ تتأسس على مشتملات بيان "جنيف 1" وقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السورية، فإنها تتوفر على أسبابٍ وازنةٍ لإجماعٍ كبير عليها، والاستناد عليها أرضيةً ممكنة، بخطوات محددةٍ وإجرائية، في وسعها إنقاذ سورية من مزيدٍ من الخراب والضياع، في اليوم التالي لغياب الأسد ونظامه، وهو الغياب الذي يقوم عليه بيان "جنيف 1" المجمع عليه سوريّاً وإقليمياً، وترفضه روسيا وإيران. والناظر إلى المشهد السوري العام، ومن أي زاوية، لن تعوزه البصيرة في رؤية خروج الأسد وأركان نظامه من السلطة استحقاقاً بديهياً لمضيّ سورية إلى التعافي ممّا هي فيه، وإلى انتشال نفسها ممّا تدحرجت إليه، حيث متوالية العنف والقتل والتدمير والإرهاب العام، واستقدام التدخلات العسكرية الأجنبية.
ولعل أصعب ما في مشروع خطة "مجموعة الخبراء السوريين" هو الوصول إليها، أي إلى الخطوة العملية الأولى التي تسبقها، فلن يكون في الوسع البدء بها، قبل تهيئةٍ سياسيةٍ وميدانيةٍ ولوجستيةٍ واسعة، تقوم، أساساً، على جلاء سورية من النظام نفسه، ومن جميع المسلحين الأجانب. والظاهر أن باريس وواشنطن، وغيرهما من عواصم غربية محسوبة صديقة (؟) للشعب السوري، صارت أقرب إلى التخفّف من عقدة زوال الأسد ونظامه، وأقرب إلى الاستعانة بهما في الحرب ضد الإرهاب وتنظيم داعش، على الرغم من أن اندفاعة جديّة وعملية نحو حل سياسي ميداني، يبني هيئة حكم انتقالي، ويشرع في تعضيد الدولة السورية، وإنْ بالاستعانة بقوةٍ من الأمم المتحدة، من شأنها أن تكون إجراءً ناجعاً في البدء بعملية تُخلّص سورية من سرطان الإرهاب الأعمى وبيارقه السوداء في "داعش"، وغيره. وإذ لا يأتي مشروع خطة الانتقال السياسي على تفصيلٍ أوفى في هذا الأمر، فإن مقترحها تشكيل لجنة أمنية، في الأسبوع الأول من تفاوض حكومة النظام والمعارضة، لا يبدو كافياً للوفاء بمهمة شفاء سورية من السرطان المذكور، وإنْ تضمنت مهمات اللجنة نشر وحدات قوة الأمن الوطني، وسحب المجموعات المسلحة وقوات الجيش إلى خارج المدن. وكان في الوسع النص على تشكيلةٍ أخرى، أكثر مؤسسيةً ومهنية، تنصرف، بشكل أساسي، إلى ملف المجموعات الإرهابية، وحده دون غيره.
ولمّا كانت الأخبار عن مؤتمر المعارضة السورية الشامل، في السعودية الأسبوع المقبل، لا تأتي على وثيقةٍ أساسية، أو مسودة توافُقٍ ممكن، أو مشروعٍ تتبناه تشكيلات هذه المعارضة، ومنها الجسم الأعرض، (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة)، ففي الوسع أن يكون مشروع مجموعة الخبراء السوريين الأرضية المؤهلة للإجماع عليها في ملتقى المعارضين في السعودية، والذهاب بها في مسار فيينا. وإمكانات النجاح واردة في ذلك، طالما أن إعداد هذا المشروع تمّ بعد مشاوراتٍ عريضةٍ مع ألوانٍ عديدةٍ من المعارضين السوريين، ومن تشكيلات عسكرية في الميدان، وطالما أن المشروع نفسه لا يؤشر إلى أي عنوانٍ من تكتلات المعارضة ومجاميعها، وإنما ينصرف إلى الخطوات العملية والإجرائية، والصعبة بطبيعة الحال، لانتقال سورية إلى مرحلة ما بعد الأسد. ويتطلب النظر بأريحيةٍ، في مؤتمر السعودية، إلى الوثيقة المتحدّث عنها، تخلّص "زعامات" المعارضة السورية، وتشكيلاتها العديدة، من أي أوهامٍ ذاتية وشخصانية، والانفتاح على مقترح "مجموعة الخبراء" بكل إيجابية، ولعل من شأن دورٍ للمملكة العربية السعودية، في دفع المؤتمرين في رعايتها وضيافتها، نحو هذه الإيجابية إنجاح المؤتمر، ما قد يساهم في توجيه مسار فيينا إلى خلاص سوري مشتهى.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.