حقوق الإنسان.. الذريعة والحقيقة

05 يوليو 2015
+ الخط -
هل تدافع الحكومات الأميركية فعلا عن حقوق الإنسان؟ ربما. هل تهتم بها؟ غير متأكد، ففي تاريخ الإدارات الأميركية، سجل كبير في التذرع بحقوق الإنسان والديمقراطية، وتاريخها طويل في دعم الديكتاتوريات الموالية لها، أو دعم انقلابات عسكرية موالية لها في أفريقيا وأميركا الجنوبية، بالإضافة إلى سياسات الذرائعية والكيل بمكيالين، وخير مثال تجاهل الجرائم الإسرائيلية. لذلك، لا يمكن القول إن الحكومة الأميركية مخلصة أو صادقة حينما تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي التي دعمت حسني مبارك 30 عاماً من أجل المصالح الأميركية، والعلاقات مع عبد الفتاح السيسي تسير وفقا للقواعد المباركية.
لكن، هناك نشطاء أميركيون وأوروبيون مستقلون يدافعون، صدقاً وفعلاً، عن حقوق الإنسان، وهناك منظمات دولية غير حكومية تنتقد كل الانتهاكات، ولا تخاف من رصد الانتهاكات الإسرائيلية وإدانتها، بل والأميركية نفسها، وهناك صحف وإعلاميون ومفكرون أميركيون وأوروبيون يدافعون فعلاً عن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان بإخلاص وعن اقتناع. لذلك، تجدهم ينتقدون مواقف حكوماتهم المتخاذلة، عندما تدعم أنظمة قمعية من أجل المصالح السياسية، أو الاقتصادية أو العسكرية.
ولعلنا نرى تغير موقف الحكومة الفرنسية، بعد شراء السيسي طائرات رافال، وموقف الحكومة الألمانية بعد عقود الأمر المباشر بالمليارات مع "سيمنز" الألمانية.
- ومن ينفذ المصالح الغربية أو المخططات هو من بيده السلطة، وليس المعارض أو الناقد.
هل فعلا تهتم الأنظمة العربية بالخصوصية، ولذلك، ترفض أي تدخلات أو انتقادات أو حديث عن حقوق الإنسان؟ أبداً، بل الحكومات العربية هي من يساعد على التغريب والاختراق الثقافي والفكري، وليس المعارضون أو الأفراد أو الحقوقيون.
وبناء على ما سبق، نجد أن حكومات غربية تتذرع بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستخدمها من أجل الهيمنة والسيطرة والابتزاز والتدخلات. كما تتذرع الأنظمة العربية، وفي مقدمتها المصري الحالي، بالدفاع عن الاستقرار والاستقلالية والحفاظ على الدولة وعلى الخصوصية الثقافية ومقاومة العولمة. ولكن، يستخدمون هذه الذرائع لمزيد من القمع والاستبداد والفساد والبقاء في السلطة، ويتحججون بعدم التدخل الخارجي، أو عدم جواز التعليق على أحكام القضاء، من أجل مزيد من الانتهاكات والظلم والسرقة والنهب.
- الخارج يتذرع من أجل الابتزاز، والحكومات المستبدة تتذرع من أجل الهروب من المحاسبة وللمزيد من الظلم. لكن، لماذا لا نطبق المثل (الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح) أو (امشي عدل يحتار عدوك فيك)؟ لماذا لا تحترم حكومتنا حقوق الإنسان فعلاً، وليس قولاً، سدّاً للذرائع وقطعاً للطريق أمام أي دولة تحاول ابتزازنا؟
لماذا يريد النظام الحاكم أن يظلم الناس ويدير البلاد بشكل خاطئ، ثم يكمم الأفواه، ويحبس كل معارض، وينتهك الحقوق، ويرفض، في الوقت نفسه، أي نقد خارجي؟
مثالاً، تجد أن الدولة المصرية وقعت على الاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك معاهدات مناهضة التعذيب، ومعاهدات كثيرة تُلزم الحكومة المصرية بمعايير حقوق الإنسان وقيمها. وتتلقى الحكومة والجيش المصريان مليارات الدولارات سنوياً بضمان الالتزام بهذه المعاهدات الدولية، والتي تحكمها أيضا عدة مبادئ، مثل عدم جواز الخروج على الحقوق الأساسية تحت أي ظرف، ومهما كان استثنائيا أو كارثيا، ومبدأ اعتبار انتهاكات حقوق الإنسان جريمة دولية، ومبدأ أن حقوق الإنسان لم تعد مسألة داخلية محضة، وهو ما يتيح لبعض الدول أو المنظمات الدولية الحكومية، أو غير الحكومية، التعليق على الانتهاكات في دول أخرى مشهورة بانتهاكات حقوق الإنسان مثل مصر، وكذلك مبدأ عدم جواز تعطيل المبادئ والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان عن طريق القوانين الداخلية للبلد، ومبدأ إمكانية اللجوء إلى القضاء الدولي، بعد استنفاد كل درجات التقاضي الداخلي، ومبدأ عدم معاقبة من يدافع عن حقوق الإنسان.
كل ما سبق وأكثر وقعت عليه مصر، ما يسمح بالتعليق الدولي على الانتهاكات الحقيقية التي تحدث في مصر، من حكومات وتقارير صحافية أو أكاديمية ومنظمات دولية مستقلة عن الحكومات، مهمتها رصد والتعليق على انتهاكات حقوق الإنسان أو حقوق السجناء.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017