بين أصدقاء القضية و"أصحابها"

بين أصدقاء القضية و"أصحابها"

29 يناير 2017
+ الخط -
أوردت صحف إسرائيلية، أنه وحسب معلومات وزارة الحرب، فإن عدد المتطوعين اليهود الأجانب، غير الحاملين الجنسية الإسرائيلية، والراغبين في الانخراط في صفوف الجيش الإسرائيلي في تصاعد مستمر خلال السنوات الأخيرة. وفي 2015، تجاوز عدد الفرنسيين منهم، لأول مرة، نظراءهم من الأميركيين. ويعتبر المحللون الإسرائيليون أن العمليات الإرهابية في فرنسا خلال السنوات القليلة الماضية، وخصوصاً التي استهدفت مخزن طعام يهودي في باريس، أجّجت هذه الظاهرة. وفي السنة نفسها، شكّلت نسبة الفرنسيين 43% مقابل 38% من أميركا. وقد خففت الإدارة الإسرائيلية من الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتحاقهم تشجيعاً على تطور الظاهرة وتناميها. وحسب الصحف الإسرائيلية، فبعد شهر من التحضير للاندماج، يلتزم المتطوعون بالخدمة 18 شهراً، ويمكن لبعضهم فيما تلا أن يختاروا تمديداً لخدماتهم السخية للدولة، ولجيشها المحتل، على الرغم من أن تسميته جيش دفاع لا تتناسب مع مهامه و"إنجازاته" منذ تأسيس الدولة سنة 1948. 90% من هؤلاء المتطوعين الأجانب مرتفعو الرغبة والإثارة، يخدمون في الوحدات المقاتلة.
وتعليقاً على هذه المعلومات المُقلقة، نقل دومينيك فيدال على صفحته في "فيسبوك" هذه المعلومة، عنونها "جهاديو إسرائيل". وعلّق متسائلاً إن كان الفرنسيون منهم خصوصاً، والذين سيتمرّسون بالقتل على حساب حيوات الفلسطينيين، سيُعاملون حين عودتهم إلى أرض الوطن (إن كانت فرنسا وطناً أول أو ثانياً)، كما يُعامل الجهاديون الفرنسيون الذين يُحاربون في صفوف المجموعات المتطرّفة الإسلامية، وفي مقدمتها "داعش"؟ فالجميع يعرف المصير المتوقع والمطلوب الذي ينتظر الدواعش الفرنسيين من ملاحقاتٍ قضائية ومحاكمات. ويخلص فيدال إلى القول إن هذا لن يحصل حتماً، وهو لم يحصل من قبل، حتى يتم تخيل حصوله من بعد. انتهى الخبر المقلق والتعليق الذكي على الخبر بطريقة هذا الباحث المؤرّخ والكاتب الفرنسي ذي الديانة اليهودية، والذي يمكن اعتباره من أهم الناشطين في الحقل العام لنصرة قضية الشعب الفلسطيني، كما قضايا كل الشعوب المنتهكة من مستعمريها أو من مستبديها كسورية.
بدأت التعليقات تنهمر على هذا الخبر من فرنسيين يهود وغير يهود، مصدومين بهذه المقارنة، الباطلة من وجهة نظرهم، ومقارنين ذبح الدواعش مدنيين وقيام القوات الإسرائيلية "بمكافحة 
الإرهاب" حسب تعبيرهم. استخدم منتقدو نص فيدال كلماتٍ وتعابير جافة، ولكنها مهذّبة، مع تحميل نصوصهم معطيات وتفاصيل تاريخية كثيرة وحمولات مظلومية اليهود منذ أزل التاريخ. وعلى الرغم من حدة التعليقات ومقاومتها الفكرة ورفضها المقارنة، إلا أنها اتسمت عموماً بما يمكن أن يكون منطقاً جدلياً باحثاً عن فتح النقاش مع دومينيك فيدال، وتقديم التعليلات المناسبة للفصل بين الظاهرتين.
وشاركت في الجدال مجموعة لا بأس بها من داعمي القضية الفلسطينية من الفرنسيين، والذين أثنوا على هذه اللفتة من المؤرّخ فيدال، معتبرين أن المقارنة تجوز حكماً، ومشروعة في المطلق مع الفوارق التفصيلية، بسبب توافق المقاصد، المعلن منها على الأقل، بين من يذهب إلى القتال في صفوف "داعش"، مدّعياً أنه "ينصر" إخوته في "أمة الاسلام"، ومن يذهب ليقاتل في صفوف جيش الاحتلال الاسرائيلي، مدّعياً أنه "ينصر" إخوته من "اليهود".
في المقابل، تدخّل في التعليق، مؤيداً ومباركاً، بعضٌ كثيرٌ من متابعي الصفحة المميزة للمؤرّخ الفرنسي من عرب ومن مسلمين، فوقعت الطامة الكبرى... فقد انبرى معظمهم لاستخدام عباراتٍ عنصريةٍ ومعاديةٍ للسامية تجاه اليهود، في خلط يحلو لناقصي الثقافة أن يتبنوه دائما خلال نصرتهم لقضية الشعب الفلسطيني. وبدأت الاتهامات تتراكم لدينٍ بكامله. وفي حين كان صاحب الخبر والمعلق الأول عليه يناقش معارضيه من أصدقاء إسرائيل أو ممن حلا لهم 
الدخول في نقاش تقييمي، ولكن مهذب، لما ورد، انهمك أصحاب القضية الأساسيون باجتراع الشتائم والاستهزاء بكل هذه التعليقات والتقييمات. أي في حين استطاع دومينيك فيدال إقناع، أو كاد، بعض منتقديه، بأن المقارنة تجوز من حيث المبدأ، على الرغم من اختلاف الدلالات والمحتويات، إلا أن أصحاب القضية أنفسهم عملوا بجهدٍ يُحسدون عليه لتخريب ما قام به، وتدعيم حجج منتقديه من اليهود أو أصدقائهم، من أن الأساس في انتقاد السياسات الإسرائيلية هو معاداة السامية، وليس نصرة حقوق الشعوب.
ما قام به ربما عدد صغير من جهلة نصرة القضية الفلسطينية خرّب جهوداً عاقلة ومعزّزة بالدلائل المنطقية، يعمل عليها كثيرون من مثقفي الغرب، من يهود وسواهم، والذين، في مناصرتهم الصادقة القضية الفلسطينية، يقومون بما لا يقوم به "أصحابها" أنفسهم. ولكن، هل هي ظاهرة افتراضية تنمو فقط على وسائل التواصل؟ بالتأكيد الجواب سلبي، ونموها في الواقع أشد مرارةً وأسوأ موقعا. تكفي متابعة تصرّف جزء كبير من أصحاب القضية وأدائهم خلال المؤتمرات أو اللقاءات الدولية، لترى أنهم، عن غير قصد غالباً، أكثر ممن يُسيء للقضية، في تصرفاتهم وأقوالهم وعدم تحضيرهم مداخلاتهم، وتغليب العرقي والديني على تركيبات جملهم. وكما يقول التعبير الفرنسي، فهم كمن يطلق النار على قدميه.
A09B3D1D-C47E-4064-B64E-B91C5A3F06C7
سلام الكواكبي

كاتب وباحث سوري مقيم في فرنسا