الانتخابات ومستقبل العالم العربي

01 فبراير 2018
+ الخط -
العالم العربي الذي نعنيه هنا هو العالم الذي بدأ يتشكل في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ومع انهيار دولة الخلافة العثمانية، وبداية إرهاصات الدول القطرية/ الوطنية، في ظل الهيمنة الاستعمارية البريطانية والفرنسية، أو ما يُعرف بالاستعمار القديم، ثم بدأ ذلك العالم يتبلور في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وظهرت فكرة إنشاء كيان عربي يجمع الدول العربية التي نالت استقلالها، وحظيت باعتراف دولي. وتبنت مصر تلك الفكرة في ذلك الوقت. المهم أن الأمر انتهى بإنشاء كيان عربي بمسمى جامعة الدول العربية، ضم الدول العربية السبع المستقلة في ذلك الوقت، مصر والعراق ولبنان والسعودية وسورية والأردن واليمن. وتم التوقيع على ميثاق إنشاء الجامعة في 22 مارس/ آذار عام 1945، قبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة بأشهر، وترك الباب مفتوحاً لانضمام الدول العربية التي تنال استقلالها، وهو ما حدث بالفعل، وتوالى انضمام الدول إلى عضوية جامعة الدول العربية، حتى بلغ عددها 22 دولة.
المهم أن هذا هو ما نطلق عليه اليوم العالم العربي الذي يمتد من المحيط إلى الخليج. وعلى مدى أكثر من نصف قرن، كان ذلك العالم تحكمه مجموعة من التوازنات الدقيقة التي فرضتها العوامل الجيوسياسية المختلفة، فمصر، بحكم ثقلها التاريخي والحضاري، كانت تمثل "الشقيقة الكبرى"، وهي في قلب العالم العربي، وحلقة الوصل مع أفريقيا عبر ظهيرها الجنوبي في
السودان. ومع الشمال الأفريقي والمغرب العربي، عبر ظهيرها الغربي في ليبيا والعراق، بحكم موقعها الجغرافي، وجوارها لكل من إيران وتركيا، بكل ما تحملانه من إرث تاريخي "عثماني أو فارسي". كانت تمثل البوابة الشرقية للعالم العربي. وكانت المملكة العربية السعودية تمثل قبلة العالم العربي الروحية بحكم رعايتها الحرمين الشريفين، وأيضاً مثلت مع دول الخليج، بعد تدفق النفط والغاز، سوقاً جاذباً للعمالة العربية من كل أنحاء الوطن العربي. بينما سورية ولبنان والأردن تكمل، مع مصر، دول الطوق حول الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
كانت تلك التوازنات الرئيسية تحقق نوعاً من الاستقرار النسبي في العالم العربي. كما كان هناك رابط آخر جمع بين تلك الدول العربية، وهو القضية الفلسطينية، أو ما أطلق عليه الصراع العربي الإسرائيلي.
بدأ ذلك الاستقرار النسبي فى العالم العربي يتعرّض للهزات العنيفة مع بداية التسعينيات، عندما غزا الرئيس العراقي في ذلك الوقت، صدام حسين، دولة الكويت، وإعلانه بشكل فج ضمها إلى العراق. ثم جرى ما جرى من تدخل أميركي، ودولي، وعربي، انتهى بتحرير الكويت وحصار العراق. والأهم إحداث شرخ عميق في جدار الكيان العربي. وليس المقام هنا إجراء سرد تاريخي لما وقع بعد ذلك من أحداث كبرى، ونكبات، ألمت بعالمنا العربي، ضربت أهم ركائزه، وأدت إلى حالة التصدع، والتمزق التي يعاني منها حالياً، حتى بدا كأنه يعيش عصراً من عصور الاضمحلال، حيث تمزقه الحروب والنزاعات، وتحول ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الصدامات المحلية التي تأخذ طابع الحروب الأهلية أو القبلية والعشائرية.
وتكفي إطلالة على المشهد العربي العام، لإدراك ما آلت إليه أحوال العالم العربي. العراق الذي كان يمثل البوابة الشرقية للعالم العربي في مواجهة إيران وتركيا، تمرح في ربوعه الجيوش الإيرانية والتركية تحت مسميات مختلفة إلى جوار قوات دولية، تحمل اسماً براقاً هو التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتهدّده دعاوى التقسيم ما بين شمال كردي، وجنوب شيعي، ووسط سني.
المملكة العربية السعودية قبلة العرب والمسلمين، وراعية الحرمين الشريفين، وزعيمة الخليج ومجلس تعاونه، تقود تحالفاً خليجياً للحرب على اليمن الذي تمزقه حربٌ أهلية وقبلية وطائفية، نحو ثلاث سنوات. حرب لا يعلم مداها إلا الله، تستنزف المليارات يومياً. والأهم خسائر البشر، والندوب العميقة التي تبقى بين الشعوب. وأصبح الخليج العربي يعاني من مشكلة تمزّق مجلس تعاونه، ما بين السعودية والإمارات والبحرين، ومعهم من خارج المجلس مصر، في مواجهة قطر التي تمت مقاطعتها تماماً منذ نحو ثمانية أشهر، وفشلت كل جهود الوساطة الخليجية والدولية لرأب الصدع بين الأشقاء.

مصر، الركيزة الرئيسية والشقيقة الكبرى، بالإضافة إلى انغماسها في مشكلة الخليج، فإنها تواجه مشكلات عديدة متعلقة بالمياه واحتمالات الآثار السلبية لسد النهضة الأثيوبي، وتوتر العلاقات مع السودان، بالإضافة إلى المشكلات الداخلية، ونشاط الجماعات الإرهابية في أهم الاتجاهات الاستراتيجية، وهو سيناء، وامتداد ذلك النشاط الإرهابي، في بعض الأحيان، إلى قلب الوادي.
المشهد في سورية أكثر مأساوية، تتمركز فيها القوات الأجنبية الروسية والأميركية والإيرانية، وتدفق الأرتال التركية، والمليشيات متعدّدة الجنسيات.
لن نسترسل كثيراً في استعراض المشهد العربي البائس، فلن يضيف ذلك شيئاً سوى مزيد من الشعور بالمرارة. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل من حقنا، نحن شعوب هذا العالم العربي، أن نتطلع إلى المستقبل؟ هل من حقنا أن نسعى إلى تغيير هذا الواقع الذي نعيشه إلى واقع أفضل؟ وإذا كانت الشعوب الحرة تسعى دائماً إلى التغيير والتطور إلى الأفضل، عبر وسيلةٍ متعارف عليها، وهي الانتخابات، فهل نستطيع نحن العرب ذلك؟
نعم، من حقنا التطلع إلى المستقبل، وأن نسعى إلى تغيير الواقع السيئ إلى واقع أفضل. ولكن علينا البحث عن وسيلة أخرى، غير التى تُطلق عليها السلطة في بلاد العرب "الانتخابات"، لأن الانتخابات، في مفهوم السلطة في بلادنا، هي أن ينتخب المواطن المرشح الذي تقدمه السلطة، فهو عادة يكون "مرشح الضرورة"، وإذا تم السماح لغيره بالترشح، فإنه يعلن مسبقاً أنه يؤيد مرشح السلطة، وإنه يترشح فقط لتجميل الصورة، بينما نجد، في حالة أخرى، تحالفاتٍ انتخابية شديدة الغرابة، تيار إسلامي شيعي متشدد، يتحالف مع حزب يساري شيوعي متشدد.
ليس أمامنا إلا أن نقول: يا شعوب العالم العربي انتبهوا، فالخروج من عصور الاضمحلال لا يتم أبداً عبر انتخابات منتهية الصلاحية، ولا تحالفات بين تيارات مشبوهة، ولكنه يحتاج إرادة شعبية حقيقية للتغيير، عبر الثورة التي لا تزال ممكنة.
2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.