08 أكتوبر 2024
العراق.. الحكم للمليشيات
ليس صحيحاً أن العراق ما زال دولةً بمفهوم الدولة كما كان قبل العام 2003، فهو منذ تلك اللحظة الفارقة في عمر هذا البلد والمنطقة، تحوّل إلى دولة فاشلة، تتصدرها وتحكمها المليشيات المسلحة، وهي مليشيات تنتمي، بطريقة أو بأخرى، إلى أحزاب السلطة الحاكمة، حتى وإن ادّعت تلك الأحزاب غير ذلك.
تعشش اليوم في العراق اكثر من 40 مليشيا مسلحة، ينضوي أغلبها تحت هيئة الحشد الشعبي، والتي أقرّت بقانون، توهم بعض من صوّت عليه أن ذلك سيضمن أن تضع الدولة يدها على هذه المليشيات، وتعيد دمجها بالقوات المسلحة أو بالوظائف الحكومية الأخرى، وبذلك يتخلص العراق من داءٍ عضال اسمه المليشيات المسلحة، ولكن كالعادة، فليس للوهم من الواقع شيء، وما أكثر المتوهمين في عراق ما بعد 2003.
في الأخبار اليومية القادمة من أرض السواد، لا يمكن أن تغفل تلك التي تتحدّث عن عمليات
يومية متواصلة في أغلب مدن العراق، تقوم بها تلك المليشيات المنفلتة، عمليات قتل وترويع وسرقة، يطاول بعضها شخصيات عسكرية، ويطاول بعضها الآخر مدنيين، ويطاول بعض ثالث مؤسسات حكومية، وحتى شيوخ عشائر، كما حصل في الدجيل شمالي بغداد قبل أيام، حيث خطفت مليشيا عصائب أهل الحق شيوخا من عشائر قبيلة الخزرج، وقتلتهم ورمتهم على قارعة الطريق.
هكذا ببساطة تنفذ المليشيات حكمها، كيف لا وهي التي تملك السلاح والسلطة في آن، كيف لا وهي التي رفع عنها قلم القانون والمحاسبة، وباتت تتسيّد المشهد العراقي، خصوصا أنها اليوم أصبحت قوة سياسية من خلال تيار الفتح الذي حل ثانياً في الانتخابات التشريعية 12 مايو/ أيار الماضي، على الرغم من أنها انتخابات مع وقف التنفيذ، بسبب الطعون الكبيرة والكثيرة بنزاهتها.
أكثر من ذلك، ومنذ انطلقت مظاهرات أبناء الجنوب العراقي، احتجاجا على نقص الخدمات وانعدام فرص العمل، وتردّي الأوضاع المعيشية، حوّلت هذه المليشيات أسلحتها إلى صدور المتظاهرين السلميين، وقتلت منهم عشرات وأصابت آخرين، لتؤكد من جديد على أن شريعة الغاب هي القانون الأوحد في عراق ما بعد 2003، وعلى عين واشنطن التي روّجت لعراق ديمقراطي بعد أن أسقط بيدها، ولم تعثر على أسلحة الدمار الشامل.
وليس صحيحاً أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي يريد حصر السلاح بيد الدولة، فهو يعلم، قبل غيره، أن هذه المليشيات هي ميلشيات حزبه وأحزاب بقية الجوقة الحاكمة، وبالتالي فإن كل ما نسمعه من كلام معسول عن سعيه إلى حصر السلاح بيد الدولة يبقى هواءً في شبك.
بل الأكثر من ذلك أن حتى القوات العراقية المسلحة يمكن لها، في لحظة واحدة وبقرار واحد، أن تتحول إلى قوات مليشياوية تتبع قيس الخزعلي أو هادي العامري أو غيرهما من قادة المليشيات، فقد أشارت إحصائية نشرتها أخيرا مجلة ناشونال إنترست الأميركية، إنه في العام 2010 كانت نسبة الشيعة في القوات المسلحة العراقية 55%، وبعد مغادرة القوات الأميركية للعراق، وبسبب السياسات الطائفية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، تصل إلى 95%، بينهم كثيرون ممن جاءوا من خلفيات مليشياوية وحزبية.
وبحسب أرقام غير رسمية، فإن عديد قوات الميلشيات الشيعية في العراق يصل إلى 120 ألف مقاتل، مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة التي تصل إليها من مخازن الجيش العراقي، وهو ما جعل من الدبابات الأميركية تصل إلى تلك الميلشيات التي تصنّف لوائح الولايات المتحدة بعضها تنظيمات إرهابية.
ولكن، ماذا لو أن قائد إحدى تلك المليشيات، وأعني هادي العامري، أصبح رئيساً للحكومة الجديدة؟ أعتقد أن ذلك ما كان ينقص العراق لتكتمل تراجيديا الدم والموت. وعلى الرغم من أن بعضهم ما زال يستبعد حصول هذا السيناريو، إلا أنه يمكن القول إن لا شيء مستبعد في عراق ما بعد 2003.
لقد تحوّلت المليشيات في العراق إلى غولٍ يلتهم ما تبقى من الدولة في العراق، وإذا ما تُركت تعبث كما يحلو لها، فإنها يمكن أن تقود العراق إلى صراع دموي جديد، قد يفوق، في بشاعته، سنوات الطائفية المقيتة التي ولدتها سياسات المحتل الأميركي والأحزاب التي نصبتها واشنطن لتحكم عراق ما بعد 2003، فقد اكتشف أهالي الجنوب العراقي أن تلك المليشيات التي التهمت خيرة شبابهم ترفع اليوم بوجههم السلاح. وهذا أمر لا يبدو أنه سيمر بلا عواقب، خصوصا أن أغلب عشائر جنوب العراق مسلحة تسليحاً ثقيلاً، الأمر الذي يمكن أن نشهد معه مواجهات دامية بين العشائر العراقية في الجنوب وتلك المليشيات، وكل شيء يمكن أن يحدث على ضفاف الألم.
تعشش اليوم في العراق اكثر من 40 مليشيا مسلحة، ينضوي أغلبها تحت هيئة الحشد الشعبي، والتي أقرّت بقانون، توهم بعض من صوّت عليه أن ذلك سيضمن أن تضع الدولة يدها على هذه المليشيات، وتعيد دمجها بالقوات المسلحة أو بالوظائف الحكومية الأخرى، وبذلك يتخلص العراق من داءٍ عضال اسمه المليشيات المسلحة، ولكن كالعادة، فليس للوهم من الواقع شيء، وما أكثر المتوهمين في عراق ما بعد 2003.
في الأخبار اليومية القادمة من أرض السواد، لا يمكن أن تغفل تلك التي تتحدّث عن عمليات
هكذا ببساطة تنفذ المليشيات حكمها، كيف لا وهي التي تملك السلاح والسلطة في آن، كيف لا وهي التي رفع عنها قلم القانون والمحاسبة، وباتت تتسيّد المشهد العراقي، خصوصا أنها اليوم أصبحت قوة سياسية من خلال تيار الفتح الذي حل ثانياً في الانتخابات التشريعية 12 مايو/ أيار الماضي، على الرغم من أنها انتخابات مع وقف التنفيذ، بسبب الطعون الكبيرة والكثيرة بنزاهتها.
أكثر من ذلك، ومنذ انطلقت مظاهرات أبناء الجنوب العراقي، احتجاجا على نقص الخدمات وانعدام فرص العمل، وتردّي الأوضاع المعيشية، حوّلت هذه المليشيات أسلحتها إلى صدور المتظاهرين السلميين، وقتلت منهم عشرات وأصابت آخرين، لتؤكد من جديد على أن شريعة الغاب هي القانون الأوحد في عراق ما بعد 2003، وعلى عين واشنطن التي روّجت لعراق ديمقراطي بعد أن أسقط بيدها، ولم تعثر على أسلحة الدمار الشامل.
وليس صحيحاً أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي يريد حصر السلاح بيد الدولة، فهو يعلم، قبل غيره، أن هذه المليشيات هي ميلشيات حزبه وأحزاب بقية الجوقة الحاكمة، وبالتالي فإن كل ما نسمعه من كلام معسول عن سعيه إلى حصر السلاح بيد الدولة يبقى هواءً في شبك.
بل الأكثر من ذلك أن حتى القوات العراقية المسلحة يمكن لها، في لحظة واحدة وبقرار واحد، أن تتحول إلى قوات مليشياوية تتبع قيس الخزعلي أو هادي العامري أو غيرهما من قادة المليشيات، فقد أشارت إحصائية نشرتها أخيرا مجلة ناشونال إنترست الأميركية، إنه في العام 2010 كانت نسبة الشيعة في القوات المسلحة العراقية 55%، وبعد مغادرة القوات الأميركية للعراق، وبسبب السياسات الطائفية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، تصل إلى 95%، بينهم كثيرون ممن جاءوا من خلفيات مليشياوية وحزبية.
وبحسب أرقام غير رسمية، فإن عديد قوات الميلشيات الشيعية في العراق يصل إلى 120 ألف مقاتل، مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة التي تصل إليها من مخازن الجيش العراقي، وهو ما جعل من الدبابات الأميركية تصل إلى تلك الميلشيات التي تصنّف لوائح الولايات المتحدة بعضها تنظيمات إرهابية.
ولكن، ماذا لو أن قائد إحدى تلك المليشيات، وأعني هادي العامري، أصبح رئيساً للحكومة الجديدة؟ أعتقد أن ذلك ما كان ينقص العراق لتكتمل تراجيديا الدم والموت. وعلى الرغم من أن بعضهم ما زال يستبعد حصول هذا السيناريو، إلا أنه يمكن القول إن لا شيء مستبعد في عراق ما بعد 2003.
لقد تحوّلت المليشيات في العراق إلى غولٍ يلتهم ما تبقى من الدولة في العراق، وإذا ما تُركت تعبث كما يحلو لها، فإنها يمكن أن تقود العراق إلى صراع دموي جديد، قد يفوق، في بشاعته، سنوات الطائفية المقيتة التي ولدتها سياسات المحتل الأميركي والأحزاب التي نصبتها واشنطن لتحكم عراق ما بعد 2003، فقد اكتشف أهالي الجنوب العراقي أن تلك المليشيات التي التهمت خيرة شبابهم ترفع اليوم بوجههم السلاح. وهذا أمر لا يبدو أنه سيمر بلا عواقب، خصوصا أن أغلب عشائر جنوب العراق مسلحة تسليحاً ثقيلاً، الأمر الذي يمكن أن نشهد معه مواجهات دامية بين العشائر العراقية في الجنوب وتلك المليشيات، وكل شيء يمكن أن يحدث على ضفاف الألم.