الأردنيون يرفضون الغاز من إسرائيل

21 ديسمبر 2014

الشعب الأردني، بكل فئاته ومكوناته، رافض للتطبيع (Getty)

+ الخط -

باتت صفقة شراء الحكومة الأردنية غازاً إسرائيلياً من حقل قبالة سواحل حيفا المحتلة كـ"كرة الثلج" تكبر يومياً، ويتوسع نطاق معارضيها بين شرائح المجتمع الأردني المختلفة، وبين أوساط قريبة من السلطة. وقد عبرت فئات المجتمع الأردني عن رفضها للاتفاقية التي تمتد لـ15 عاماً، وتبدأ في العام 2017، فالنواب قالوا كلمتهم بالرفض، وكان للنقابات موقفها الرافض أيضا، والأحزاب بكل تلاوينها رفضت عزم الحكومة توقيع الاتفاقية، المنظمات النسوية والشبابية والطلابية رفضت شراء غاز من إسرائيل، وجاء موقف المتقاعدين العسكريين مماثلاً.

تزامن ذلك كله مع حملات متواصلة، يقوم بها نشطاء على كل صفحات التواصل الاجتماعي، عنوانها (غاز العدو احتلال)، وعادت المسيرات إلى وسط العاصمة عمان الجمعة الماضية، بعد أن توقفت فترة، رفضاً للاتفاقية.

وفي أوساط مجلس الأعيان المعين من ملك البلاد، ظهرت أصوات رفضت الاتفاقية، بعضها رؤساء حكومات سابقون، عبروا عن موقفهم في مجالس خاصة.

ويُعتقد أن اتفاقية الغاز مع إسرائيل من شانها إعادة ضخ الحياة في عروق الحراك الأردني الذي ضعف بشكل لافت، وإعادة الناس للشارع من جديد، خصوصاً أن سواد الشعب الأردني، بكل فئاته ومكوناته، رافض للتطبيع بهذا الشكل الواضح مع إسرائيل، ورافض فكرة وضع كل البيض الأردني في سلة من يعتبرونه عدواً.

في الجلسات الخاصة، تبرز تساؤلات، أبرزها سبب ذهاب الحكومة الأردنية إلى طرق باب إسرائيل، وعدم طرق باب دول عربية، مثل قطر والجزائر، لشراء الغاز منها تعويضاً عن الغاز المصري المقطوع عن الأردن منذ 2011 تقريباً، بسبب الظروف التي تمر بها شبه جزيرة سيناء المصرية. وهناك تساؤلات عن سبب الإسراع في توقيع مذكرة تفاهم لاستيراد غاز يبدأ استيراده عام 2017، والمدة التي تشملها الاتفاقية، وهي 15 عاماً، وسبب طول هذه المدة، وسؤال آخر عن صحة عدم وجود حقول غاز أردنية، منتجة في شرق وجنوب البلاد وغربها.

ولم يكن حجم المعارضة لصفقة الغاز محصوراً، هذه المرة، بأحزاب المعارضة أو بحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية)، وإنما برزت معارضة حقيقية للصفقة من شخصيات قريبة من السلطة، ومحسوبة عليها.

وحدها الحكومة تدافع عن الاتفاقية، وتعتبرها طوق نجاة، وحلاً لأزمة الطاقة التي يعاني منها الأردن منذ سنوات، وهو ما عبر عنه رئيس وزراء الأردن، عبد الله النسور، ووزراء الطاقة والمالية في حكومته التي تعتقد أن المصلحة العليا تتطلب البحث عن مصادر طاقة بديلة عن الغاز المصري الذي تقول إن انقطاعه كبّد خزينة الدولة مليارات الدولارت، وعاد بثقل مضاعف على المواطن الأردني، فيما يقول ممثلو الشعب، أعضاء مجلس النواب، ردا على ذلك (تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها). ابحث عن الأميركان.

توضح صحيفة نيويورك تايمز، في معرض كشفها الصفقة، أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عملت على دعم استراتيجية التشابك الاقتصادي بين الجيران في الشرق الأوسط بهدوء، باعتبار أن روابط الطاقة يمكن أن تزيد من تقوية السلام الهش القائم بين إسرائيل وجيرانها، وتعرض لأوروبا مصدراً آخر للغاز، من أجل تقليل اعتماديتها على روسيا.

وتكشف الصحيفة أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، ولاحقاً جون كيري، تحدثا مع الأردن منذ العام 2011 حول الغاز الإسرائيلي، ومن ثم بدأت المفاوضات الرسمية مع المديرين التنفيذيين لشركة نوبل إنيرجي الأميركية. تبع ذلك توقيع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية اتفاقاً مبدئياً "خطاب نوايا" لاستيراد الغاز الإسرائيلي على مدار 15 عاماً مقبلة، بقيمة إجمالية تصل إلى 15 مليار دولار أميركي، وتقضي صفقة الغاز بأن تزود إسرائيل الأردن بـ 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقل "لفيتان".

لم تنكر الحكومة الأردنية نيتها توقيع اتفاقية مع (نوبل إنيرجي)، وهي الشركة المطورة لحقل الغاز الواقع قبالة شواطئ حيفا المحتلة، لكنها أكدت، في غير مناسبة، أنها لم تقم، حتى الآن، بالتوقيع الفعلي، وإن ما جرى هو خطاب نيات فقط بين شركة الكهرباء الأردنية (مملوكة للحكومة)، وشركة نوبل الأميركية لاستيراد الغاز من الحقل الإسرائيلي، (أو الفلسطيني المسروق).

ويرد وزير الطاقة الأردني، محمد حامد، على معارضي الصفقة، وعلى المعارضين في برلمان بلاده، بأن الصفقة توفر على الأردن 1.5 مليار دولار سنوياً، بسبب فارق أسعار الغاز الإسرائيلي عن سواه. بيد أنه لم يضع أعضاء مجلس النواب في صورة ما كان يجري، فيما تكفلت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية بكشف النقاب عن المداولات خلف الكواليس بين الحكومتين، الإسرائيلية والأردنية، عن الصفقة والدور الأميركي العميق فيها. وذكرت أن الصفقة تمّت برعاية وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، وبوساطة المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الطاقة، عاموس هوخشتاين، وبمواكبة وثيقة من السفير الأميركي السابق في عمان، ستيوارت جونز.
مبررات الحكومة
تبرر الحكومة الأردنية ذهابها إلى استيراد الغاز من إسرائيل، بعدة ظروف وعوامل، وفي هذا الصدد، يقول وزير الطاقة الأردني، محمد حامد، إن ارتفاع خسائر شركة الكهرباء الوطنية وضع غير صحي للاقتصاد الوطني، وغير قابل للاستمرار، ولا بد من خفض كلف إنتاج الكهرباء بشكل كبير وملموس، لوقف خسائر الشركة والبدء بإطفاء الخسائر التراكمية الهائلة، ولا يمكن إنجاز المهمة إلا بوجود غاز طبيعي، ومن مصادر متعددة. وبحسبه، فإن المصلحة الأردنية العليا أهم من أية اعتبارات أخرى ما دام الهدف المنشود هو تأمين مصادر الطاقة بما يخفض الكلف المالية على الخزينة. ويوضح أن الأردن يعاني من تحديات اقتصادية، نتيجة ارتفاع فاتورة الطاقة، ما انعكس سلباً على الموازنة، وأدى إلى ارتفاع حجم المديونية، معتبرا أن شراء الغاز الطبيعي من شركة نوبل الأميركية لا يهدد مستقبل الأردن، ولا يضع الاقتصاد الأردني رهينة بيد أي دولة.

ولفت الوزير حامد إلى أن المبررات لاستيراد الغاز الطبيعي من الحقول المكتشفة في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن خلال شركة نوبل إنيرجي الأميركية، تتلخص في إطفاء خسائر شركة الكهرباء الوطنية، وكذلك الخسائر التراكمية، وتأمين أكثر من مصدر للغاز الطبيعي للمملكة، وعدم تكرار التجربة، من حيث الاعتماد على مصدر وحيد، وأن يكون الأردن أسيراً لمصدر واحد، واستيراد الغاز الطبيعي المسال سيساهم في تعزيز أمن التزود بالطاقة للمملكة. واعتبر أن تأمين عدة مصادر للغاز الطبيعي يتيح المجال أمام الصناعة الأردنية، أيضاً، لاستخدام الغاز الطبيعي ما يعزز من منافستها في الأسواق الإقليمية والعالمية، ويحد من هجرة الصناعات إلى خارج المملكة.
تفاعلات شعبية
فور تسريب معلومات عن الصفقة وخطاب النيات الموقع، تحركت قوى مجتمعية أردنية بشكل مكثف، وقامت بفعاليات مختلفة، ورفعت شعار (غاز العدو احتلال)، ما دفع نواباً أردنيين لتقديم مذكرة يطلبون فيها عقد جلسة مناقشة عامة للأمر، وهو ما تم. وفي الجلسة، تحدث 108 نواب من مجمل أعضاء مجلس النواب (150 نائباً)، وعبر نحو 95 منهم عن رفضهم الصفقة، ورفضهم شراء غاز من "العدو الاسرائيلي الذي يقتل يوميا الشعب العربي الفلسطيني"، ورفضوا ما اعتبروه إجباراً من الحكومة للشعب الاردني على التطبيع القسري مع "دولة الاحتلال".

وفي الإثر، خرجت الجمعة الماضية مسيرة في العاصمة عمان، نظمتها أحزاب يسارية وقومية، دعا المشاركون فيها مجلس النواب إلى القيام بدوره الدستوري بحجب الثقة عن الحكومة، في حال أصرت على توقيع الاتفاقية، والضغط على الحكومة في أخذ توصيات المجلس على محمل الجد وأن تكون إلزامية. وأكدوا أن الاتفاقية "من أنواع التطبيع مع العدو"، وشددوا على أنهم "من الممكن أن يتحملوا زيادة الأسعار على حساب الكرامة الوطنية"، وهتف المشاركون في المسيرة "علي صوتك في عمان ما بدنا غاز الكيان".

وعبرت أحزاب وسطية محسوبة دوما على الحكومة عن رفضها الاتفاقية، فيما كان موقف المتقاعدين العسكريين الأكثر بروزاً، وذلك في بيان أصدروه، الأسبوع الماضي، اعتبروا فيه أن توقيع اتفاقية الغاز من شأنه رهن الإرادة الوطنية، ويعرض مصالح الأردن للخطر، رافضين فكرة الاتفاقية، وداعين إلى عدم التوقيع عليها.
حراك نيابي واستقالات وحجب ثقة
بعد أن عقد مجلس النواب الأردني جلسة مناقشة عامة لبحث مسالة الغاز من إسرائيل، استمرت يومين، صوت المجلس بما يشبه الإجماع، برفض توقيع الاتفاقية مع إسرائيل، وأوصى الحكومة بعدم الذهاب إلى التوقيع، والبحث عن مصادر غاز بديلة، بيد أن تصويت البرلمان غير ملزم للحكومة، باعتبارها سلطة تنفيذية، تعمل ما تقتنع به، والنواب يمكنهم طرح الثقة بها إن رأوا أن ما تقوم به يخالف توجهاتهم.

وقال رئيس الوزراء، عبد الله النسور، للنواب الذين أشبعوا حكومته نقداً ورفضاً للاتفاقية إن "المسؤولية التي في رقبتي ورقبة زملائي تلزمنا وتدفعنا في أن نتدبر حاجات شعبنا، وتأمرنا المسؤولية أن نشقى من أجل خدمته، وأنه لا يمكن بأي شكل أن نقع في أي خطأ تاريخي". وقال "آلمتني بعض المداخلات، فنحن لسنا عملاء لأحد، ولا لأي دولة محتلة وغير محتلة، فوطنيتنا معروفة ومسجلة، وقرارنا قد يكون صحيحاً، وقد يكون خطأ، والذي يجمعنا هو الثقة، ومحاولة خدمة بلدنا وشعبنا".

قرأ النواب في رد رئيس الحكومة عليهم عزما على الذهاب بالاتفاقية إلى آخر المشوار، فبادر قسم منهم لتوقيع مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة، تبع ذلك تهديد 20 نائبا بالاستقالة من عضوية المجلس النيابي، حال توقيع حكومة بلادهم على صفقة الغاز مع إسرائيل. ومن الموقعين على الاستقالة الملوح بها نواب مقربون من دوائر صنع القرار، منهم النائب الحالي والوزير الأسبق ورئيس مجلس النواب 10 سنوات، عبد الهادي المجالي، أخ رئيس الوزراء الأسبق، عبد السلام المجالي، الذي وقع معاهدة وادي عربة مع إسرائيل. ومن الموقعين رئيس مجلس النواب السابق، عبد الكريم الدغمي، الذي ينتمي لأكبر عشيرة أردنية عددا (بني حسن)، والنائب أمجد المجالي، وهو وزير سابق، واخ وزير الداخلية، حسين المجالي. ووقع على العريضة النائب الأكثر شعبية، والحاصل على أعلى عدد من الأصوات، خليل عطية، ووقع أيضا رئيس نادي الوحدات الرياضي، وهو النادي الأوسع جماهيرية في الأردن، النائب طارق خوري، إضافة إلى نواب آخرين، منهم رلى الحروب، علي السنيد، عساف الشوبكي، عبد الله عبيدات.

وتزامن التلويح بالاستقالة مع عزم النواب إرسال رسالة إلى ملك البلاد، عبد الله الثاني، تتضمن موقف مجلس النواب الرافض للصفقة، ووضع الملك في صورة ما يجري، والخطر القائم في حال الاستمرار بها. وعملياً، ما زالت صفقة الغاز كرة ثلج تكبر يوماً بعد آخر، وفي حال استمرار الحكومة في الصفقة، وتنفيذ النواب العشرين تهديدهم وتقديم استقالاتهم من مواقعهم، فذلك سيضع الأردن أمام حالة استعصاء سياسي غير مسبوق.

27F02F21-AD59-48A1-AD97-57A23C585A0A
جهاد منسي

صحفي أردني، محلل سياسي، تتركز كتاباته على الجوانب السياسية والحزبية والبرلمانية، والحريات العامة وحقوق الإنسان، والمراة والدفاع عن الدولة المدنية.