الأردن إلى قانون انتخابات جديد يلغي "الصوت الواحد"

الأردن إلى قانون انتخابات جديد يلغي "الصوت الواحد"

18 أكتوبر 2015

أردنية تدلي بصوتها في الانتخابات البرلمانية في عمّان (نوفمبر/2010/Getty)

+ الخط -
"لا نريد أي تأخير في قانون الانتخاب والقوانين الأخرى التي تسير بالإصلاح السياسي في الاتجاه الصحيح". هكذا خاطب العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، وجهاء الفعاليات الشعبية وممثليها في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بلاده أخيراً، في رسالة ليس المقصود منها هؤلاء الحضور، وإنما كل أطياف الدولة الأردنية، ومفاد الرسالة لا للتعطيل، لا للمناكفة، لا للمراوغة، وذلك إبّان مناقشة مجلس النواب مشروع قانون الانتخاب.
وجاءت كلمات الملك هذه في وقت قدمت فيه الحكومة الأردنية إلى مجلس النواب مشروع قانون جديد للانتخابات، سارع المجلس إلى إحالته إلى اللجنة القانونية فيه، ففتحت هذه بدورها حواراً وطنياً، بأمل أن يبدأ النواب مناقشته تحت القبة، في بداية دورته المقبلة التي تبدأ في الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. كما أن كلمات العاهل الأردني جاءت بعد أقل من يومين من تصريحات لرئيس مجلس الأعيان، عبد الرؤوف الروابدة، إن "لكل قانون أبا وأما، ولكن يبدو أن القانون الحالي للانتخاب ليس له أب وأم". ما رأته صالونات سياسية في عمّان فتحاً للنار على مشروع القانون، وإشارة إلى أنه لا يعجب كثيراً رئيس الوزراء الأسبق، عبد الرؤوف الروابدة، وأن لديه ملاحظات عليه، وهذا ما اعتبره مراقبون ومتابعون يتعدى باب النقد الحاد لمواد المشروع، بل يطاول المشروع بمجمله، الأمر الذي من شأنه إحداث اصطفافات سياسية ضده، قد تؤدي، لاحقاً، إلى تعطيله.

مواقف متباينة
كانت الحكومة الأردنية قد قدمت إلى مجلس الأمة (البرلمان) مشروع قانون جديد للانتخاب، يتضمن الخروج من نظام الصوت الواحد الذي كان يلاقي نقداً شديداً من أحزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني وناشطين، والذي بدأ العمل بها منذ عام 1993، وقدمت مشروعاً يعتمد مبدأ التمثيل النسبي المختلط.
وفور الإعلان عن الشكل الجديد لمشروع القانون، والذي تخطى معضلة الصوت الواحد التي كانت تلاقي رفضا حزبياً ونقابياً وسياسياً متصاعداً، عبرت فعاليات أردنية عن ترحيبها بفكرة الخروج من عباءة الصوت الواحد، بيد أن الجميع كان لهم مواقف مختلفة من بعض مواد المشروع، آملين بتجويدها في صيغته النهائية، وجعله يتوافق مع فكرة الإصلاح التي يتحدث عنها النظام السياسي الأردني.
وأعلن رئيس الوزراء الأردني، الدكتور عبد الله النسور، أن قانون الانتخاب المقترح من حكومته يلغي الصوت الواحد، ويخفض عدد مقاعد مجلس النواب إلى 130 مقعداً، ويحتفظ بالكوتات وأعدادها جميعها، ويبقى نظام القائمة، ولكن، على مستوى المحافظات، وأن الكوتا النسائية ستكون 15 مقعداً، تمثل المحافظات جميعها ودوائر البدو الثلاث.
وبين أنه ستكون كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، باستثناء محافظات العاصمة عمان، وإربد، والزرقاء، وهي المحافظات الأكثر كثافة سكانية، حيث سيكون لكل محافظة منها، ثلاث دوائر أو أكثر، ستقسم بحسب الكثافة السكانية في المحافظات الثلاث. ووفق مسودة مشروع القانون، سيكون الترشح عبر القوائم على مستوى المحافظات، على ألا يزيد عدد أعضاء القائمة على عدد المقاعد في المحافظة.
أثار مشروع القانون الجديد للانتخاب جدلاً واسعاً في صالونات عمان بين قيادات سياسية
مختلفة، وبين أحزاب سياسية ونقابات ونواب واتجاهات فكرية مختلفة. وكان القانون السابق سبباً في مقاطعة أحزاب سياسية للانتخابات النيابية التي جرت في العام 2013، أبرزها حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، التي سبق لها أن قاطعت انتخابات 1997، وانتخابات 2010، رفضاً لبقاء الصوت الواحد في قوانين سابقة، وكانت الجماعة والحزب يريان في تلك القوانين محاولة من النظام السياسي الأردني لتحجيم قوة الحزب الحقيقية، والحد من عدد المقاعد التي يمكنه الحصول عليها، لو تم اعتماد أنظمة انتخابية أخرى.

الأحزاب تمسك العصا من وسطها
وجد مشروع القانون الجديد للانتخاب استحساناً من أحزاب سياسية ونقابات وناشطين، بيد أن هذا الاستحسان كان يتركز في خروجه من عباءة الصوت الواحد، فيما وجد نقداً شديداً وارتياباً من بعض المواد، بسبب عدم وجود عتبة انتخابية للأصوات، وإلغاء فكرة القائمة الوطنية التي اعتمدت في القانون السابق. وقد أجمع هؤلاء على أهمية تجويد المنتج، والخروج بقانون جديد، يعبر عن عملية الإصلاح التي تسير بها الدولة الأردنية، ويخرج المجتمع نهائياً، من دون رجعة، من عباءة الصوت الواحد الذي كان ينظر إليه باعتباره قد شتت المجتمع، وأوجد حساسيات مفرطة بين أطيافه، وحتى عند أبناء العشيرة الواحدة. فحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، وهو الحزب الأكبر في الأردن، والذي كان يحظى بنصيب من مقاعد مجلس النواب، في حال مشاركته في الانتخاب، لم يعلن موقفاً نهائياً من مشروع القانون، لكنه سجل ملاحظات عديدة عليه.
ووصف الناطق الإعلامي باسم الحزب، المهندس مراد العضايلة، مسودة المشروع بأنها "ظالمة ومشوهة، وتعمل على تشتيت الأصوات، وتفتقر لنسبة حسم وعتبة احتساب مطلوبة في نظام القائمة النسبية المطروحة"، ورفض الكشف عن الاتجاه العام داخل حزب جبهة العمل الإسلامي بشأن المشاركة في الانتخابات من عدمها، مكتفيا بالقول "إن القرار قيد الدراسة"، فيما وصف القيادي في الحزب، نعيم الخصاونة، مشروع القانون بأنها "خطوة خجولة نحو الأمام"، مقراً بـ"إيجابيات المشروع"، بيد أنه سجل تحفظاته على نظام القوائم.
وفي الوقت نفسه، كان الناطق الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، المهندس بادي الرفايعة، يؤكد أنه لا يرى فيما تم طرحه من تعديلات في مسودة قانون الانتخاب الجديد، يشجع على المشاركة، معتبراً أن "عيوباً كثيرة تشوب المسودة، يجب التخلص منها". وأفاد بأن "دوائر الجماعة تعكف على تمحيص المسودة ودراستها، لتتخذ القيادة قراراً نهائياً بشأنها، سيتم الإعلان عنه قريبا"، وتابع أن "قرار المشاركة إن تم سينبع من وجود قانون انتخابي عادل، وإجراءات مضمونة سلمية تتمثل بالشفافية والوضوح، عندها من العيب عدم المشاركة في الانتخابات".
أما ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية الستة المعارضة، فإنها تستعد للمناورة من داخل مجلس النواب، وتعتزم تقديم ورقة مطالب مشتركة، كموقف موحد، يعبّر عنها، تتضمن ثلاث نقاط رئيسية، للمطالبة بتعديل القانون، يتقدمها التمسك بمبدأ النسبية التي أقرها مشروع القانون، واعتماد القائمة المغلقة، بدلا من المفتوحة، وإقرار قائمة وطنية.
وقال أمين عام حزب الوحدة الشعبية (معارض يساري)، الدكتور سعيد ذياب، إن "المشروع
خطوة إيجابية إلى الأمام. وبها، تجاوزنا قانون الصوت الواحد الذي أحدث دماراً شاملاً في الحياة السياسية والحزبية. ولكن، بقدر ترحيبنا بهذا القانون، نعتقد أنه أخفق في الوصول إلى المطلب الأشمل بالنسبة للأحزاب التي تطالب بقائمة على المستوى الوطني.
في المقلب الآخر، وبعد أن كانت أحزاب وسطية، وصل عددها إلى 19 حزباً، أعلنت رفضها مشروع القانون الجديد، عادت تلك الأحزاب، وتركت الباب موارباً للمناورة، بأمل إجراء تعديلات متوقعة من النواب عليه. وقد تزامنت عودة تلك الأحزاب خطوة إلى الوراء، مع بدء اللجنة القانونية النيابية بفتح حوار وطني حول المشروع. وفي هذا الصدد، يقول أمين عام حزب الجبهة الموحدة (وسط)، طلال الماضي، إن الأحزاب التسعة عشر "تجاوزت مرحلة رفض مشروع القانون، وتسعى إلى تشكيل قوى ضاغطة باتجاه إجراء تعديلات على القانون، في مقدمتها اعتماد نسبة حسم، وإعادة مقاعد القائمة الوطنية".
والمقصود بعتبة الحسم نسبة الأصوات اللازم اجتيازها لحصول القوائم على مقعد نيابي، وهو نظام تعتمده ديمقراطياتٌ كثيرة في العالم، وتطالب به أحزاب وقوى سياسية ومجتمعية، واعتبرت تلك الأحزاب وجود تلك النسبة مهماً جداً، حتى لا يتم تشتيت القوائم الانتخابية المتوقعة.
واعتبر وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، خالد الكلالدة، رداً على مطالباتٍ باعتماد عتبة الحسم تلك، أن العتبة قضية اخترعتها الأحزاب القومية، وقال إن الدول التي تتصارع فيها أحزاب كبيرة تلجأ إليها، بغرض إقصاء الأحزاب والكتل الاجتماعية الصغيرة. ولفت إلى أن هنالك أمثلة كثيرة على ذلك، وقال "يمكن للمرء أن يتجول في العالم، فسيجد أن الأحزاب الكبيرة تبقى لها المقاعد، بينما التكتلات الصغيرة تُقصى".

استطلاعات الرأي تؤيد 
حظي مشروع قانون الانتخاب الجديد بتوافق كبير من عينة قادة الرأي العام، إذ أيده 82 %، فيما عارضة 18% من المستجيبين فقط، في استطلاع للرأي، أنجزه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وأظهر أن 71% يؤيدون القائمة المفتوحة، بينما رأى 29% اختصار القائمة على الأحزاب. وأفادت نتائج الاستطلاع بأن "الغالبية العظمى من المستجيبين أيدت مقترح خفض مقاعد مجلس النواب إلى 130 مقعداً. وأعرب 60% عن اعتقادهم بأن مشروع القانون يؤدي إلى تعزيز الحياة الحزبية في الأردن، بينما يعتقد 58% أنه سيزيد من تمثيل الأحزاب في مجلس النواب. وأيد 71% مقترح القائمة المفتوحة، في مقابل 29% رأوا اختصار القائمة على الأحزاب، كما أظهرت النتائج أن 76% يرون أن الأمور في الأردن تسير في الاتجاه الصحيح، مقابل 20% يرونها تسير في الاتجاه الخاطئ.
وكانت عينة كبار رجال وسيدات الدولة الأكثر تفاؤلاً في تقييمهم سير اتجاه الأمور (85%)، فيما كانت عينة كبار رجال وسيدات الأعمال الأقل تفاؤلاً في تقييمهم سير اتجاه الأمور (68%).

27F02F21-AD59-48A1-AD97-57A23C585A0A
جهاد منسي

صحفي أردني، محلل سياسي، تتركز كتاباته على الجوانب السياسية والحزبية والبرلمانية، والحريات العامة وحقوق الإنسان، والمراة والدفاع عن الدولة المدنية.