حماس والإقليم.. مياه تحت الجسر

15 نوفمبر 2014

عنصر من قوات أمن "حماس" قبالة معبر رفح (أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

لم يتوقع أكثر قادة حركة "حماس" تشاؤماً في أكثر كوابيسه حلكةً أن تصل القطيعة مع الجوار الإقليمي إلى هذا الحد القاسي الذي وصلت إليه، في الشهور الأخيرة، على الرغم مما قدمته الحركة من بوادر حسن نية تجاه هذه الدولة، أو تلك. لكن، على ما يبدو، هناك قرار إقليمي مدعوم دولياً بإحكام الطوق حول عنق "حماس"، لانتزاع ما عجزت عن نيله إسرائيل عبر المواجهة العسكرية.

الملفت في أزمة "حماس" في علاقاتها الإقليمية أنها جمعت بين أضداد وخصوم اتفقوا، قصداً أو عن غير قصد، على محاصرة الحركة، ومعاقبتها، ومحاولة تحجيم دورها، ولكل أهدافه واعتباراته. ففي حين جرت محاولات كثيرة، العام الجاري، لمحاولة جسر الهوة في الموقف بين "حماس" وإيران، ومحاولة إعادة المياه إلى مجاريها بينهما، في ضوء توضيحات قدمتها الحركة لطهران عن حقيقة موقفها من الأزمة السورية، وما قيل عن تفهم إيراني في مستويات متقدمة لاستدراكات "حماس"، لكن الأمر لم يعدُ كونه تصريحات إعلامية أخذت طابع المجاملات السياسية، وإلا لماذا تأخرت زيارة قيادة "حماس" إلى طهران، حتى كتابة هذه السطور؟

وكانت الحرب الإسرائيلية، أخيراً، على غزة قد شكلت فرصة مواتية لإيران لاستعادة علاقتها بـ"حماس"، بعد أن خرجت منتصرة، كما تقول، من دون أن تتمكن آلة الحرب الإسرائيلية من الإطاحة بها، ومع ذلك، لم يحصل المراد، وما تسعى إليه "حماس" من طيّ صفحة سوء الفهم الذي طال أمده، كما ترى مع حلفاء الأمس القريب.

يسأل سائل: هل ترى إيران لها مصلحة حالياً في  استعادة علاقتها الحميمية الاستراتيجية مع "حماس" التي يناصبها الإقليم العربي، في معظمه، العداء والخصومة، سواء سورية، حليفتها الكبيرة التي تضع فيتو بالخط الأحمر أمام أية استعادة للعلاقة مع "حماس"، لمعاقبتها، حتى الرمق الأخير، بسبب موقفها من الثورة السورية، أو مصر التي ترغب إيران في ترميم علاقتها معها، أو دول الخليج التي تريد طهران عقد صفقة معها في ملفات الحوثيين في اليمن، والحرب على تنظيم الدولة؟  وإلى حين توفر الإجابات الشافية عن هذه الأسئلة المفصلية، تبقى علاقة "حماس" بإيران تراوح مكانها، بين مد وجزر، إلى أن تستقر المنطقة التي يعيش عليها الجانبان.

تبدو مصر المعضلة التي تواجهها "حماس"، ولم تجد سبيلاً إلى تحسين علاقتها معها، فبعد أن ساعدت الحرب الإسرائيلية على غزة في وقف الحملات الدعائية المصرية ضد الحركة خصوصاً، والفلسطينيين عموماً، جاءت أحداث سيناء ومقتل الجنود المصريين لتصب مزيداً من الزيت على نار التوتر الذي كان سائداً. وعلى الرغم من إدانات "حماس" المتكررة، وإعلانها تقديم مساعداتها الأمنية والمعلوماتية للسلطات المصرية، فذلك لم يشفع لها، واستمرت الآلة الدعائية المصرية في توجيه سهامها ضد الحركة، بالتزامن مع إغلاق معبر رفح، والقضاء على ما تبقى من الأنفاق التي تدخل عبرها المواد الغذائية إلى غزة.

ويبدو صانع القرار في "حماس"، لا سيما في غزة، في وضع لا يحسد عليه، لأن شريان الحياة الأول والأخير للفلسطينيين في القطاع المحاصر لا بد أن يمر عبر مصر، التي تدرك ذلك جيداً، ويبدو أنها تعاقب الحركة على ذنب لم تقترفه، ولسان حالها يقول: "حماس" متهمة إلى أن تثبت براءتها!

لدى الحديث عن الأردن و"حماس"، يصبح من نافلة القول الإشارة إلى أن الجانبين تمرسا في لعبة الرقص على الحبال، وإبقاء شعرة معاوية، وهما لا يخشيان أن تقطع مهما توترت العلاقة، على الرغم من رغبة "حماس" في تقويتها، وعدم تحمس عمان لذلك، على الأقل في ظل هذا التوقيت الدقيق.

أما عن علاقات "حماس" مع دول الخليج، فلا يمكن جمعها في سلة واحدة، ففي حين تمتاز علاقتها مع قطر بمتانةٍ عز نظيرها في الوقت الراهن مع أية دولة أخرى، ولا تترك الحركة فرصةً، إلا وتوجه الشكر إلى الدوحة على احتضانها إياها في ظل حالة العزوف العربي الرسمي عنها، فيما تحتفظ الكويت بعلاقة طيبة مع "حماس"، وإن كانت أقل حميمية من سابقتها قطر، لكن العلاقات والاتصالات قائمة، وإن كانت في أوقات متباعدة.

باقي دول الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات، من الواضح أن علاقاتها مع "حماس" لا تمر بشهر عسل، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، فالجانبان يناصبان الإسلاميين، عموماً، العداء الصريح، ولا يخفيان دورهما في الإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر، وتصنيف الجماعة على أنها إرهابية، فيما لا تخفي "حماس" انتماءها إلى الجماعة فكرياً وأيديولوجياً، مع احتفاظها بمسار سياسي، فلسطيني الطابع والانتماء، ويحتاج منها إلى مزيد من التوضيح والتجريد.

على كل الأحوال، ما تقدم من عرض لخارطة سوداء شديدة القتامة حول علاقات "حماس" الإقليمية، قد لا يكون الأول من نوعه، الذي يمر على حركة تحرر وطني فلسطيني، فقد عاش الفلسطينيون قطيعة أشد مما تحياه "حماس" اليوم، ومرّوا بعزلة سياسية، وصلت إلى حد الملاحقة الأمنية والتصفية الجسدية في أكثر من قطر وبلد عربي.

أخيراً، قد تدفع حساسية اللحظة التي تحياها المنطقة "حماس" إلى تفضيل سيناريو "الانتظار الإيجابي"، لأن الرمال المتحركة المتنقلة بين الدول العربية تجعل أجندتها المحلية أكثر أهمية من علاقتها مع الحركة، التي تحاول استعادة رصيد إقليمي، احتفظت به ردحاً من الزمن.

1CF9A682-2FCA-4B8A-A47C-169C2393C291
عدنان أبو عامر

كاتب وباحث فلسطيني، دكتوراة في التاريخ السياسي من جامعة دمشق، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، له العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات والمقالات.