الاحتجاجات الإيرانية: أرقام متضاربة عن القتلى وتكثيف الاعتقالات ورئيسي يدعو إلى "الحزم"

24 سبتمبر 2022
شهدت مدينة طهران ومدن أخرى احتجاجات واسعة على مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني (Getty)
+ الخط -

شهدت العاصمة الإيرانية طهران، الليلة الماضية، تجمعات احتجاجية في نقاط عدة بالمدينة، استمراراً لموجة الاحتجاجات التي شهدتها إيران منذ السبت الماضي، على خلفية وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني، بعد إيقافها من قبل شرطة الآداب، بسبب حجابها الذي قالت الشرطة إنه "لم يكن مناسباً".

كما سجلت الليلة الماضية، تجمّعات أخرى في بعض المدن، لكن الاحتجاجات إجمالاً تشهد تراجعاً لافتاً بالمقارنة مع الأيام الماضية، على خلفية أعمال عنف وتخريب شديدة واعتقالات واسعة واستمرار حجب مواقع التواصل، وتقييد الإنترنت وتحذيرات السلطات من "أي مشاركة في التجمعات غير القانونية".

وشهدت طهران الليلة تجمعات احتجاجية في عدة نقاط، فضلا عن تسجيل تجمعات أخرى فد مدن مثل آمل شمالي البلاد وكرج غربي العاصمة وسندج وتبريز غربي إيران، وفقا للفيديوهات المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي. 

إلا أن وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية أفادت بأن "طهران على الرغم من دعوات بعض وسائل الاعلام المعادية للانفصاليين والملكيين تشهد ليلة هادئة"، مقللة من أهمية التجمعات وقالت إن عدة نقاط شهدتها الليلة تجمعات محدودة بمشاركة "عشرات راوحت بين 10 إلى 30 شخصا".

وأظهرت فيديوهات منتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي أنّ مدينة طهران شهدت، الليلة السابقة، تجمعات عدة، خاصة في غرب المدينة وشرقها، إذ أغلق المحتجون شارعاً في منطقة نظام أباد، من خلال إضرام النار في إطارات وقمامات النفايات، مطلقين هتافات سياسية.

كما تداول رواد مواقع التواصل، مقاطع مصوّرة لم يتسنّ لـ"العربي الجديد" التأكد من صحتها، عن تجمعات احتجاجية في مدن أخرى، مثل مدينة كرج غربي طهران، وأشنوية في أذربيجان الغربية.

بالإضافة إلى ذلك، شهدت مدن إيرانية، أمس الجمعة، مسيرات متعددة مضادة للتجمعات الاحتجاجية بعد صلوات الجمعة، حظيت بتغطية إعلامية واسعة في التلفزيون الإيراني، ورفع المشاركون فيها العلم الإيراني بكثافة، مطلقين هتافات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، ومن وصفوهم بـ"مثيري الشغب"، منددين بـ"أعمال شغب" وحرق العلم الإيراني وإهانة المقدسات خلال الاحتجاجات.

تعليق رئيسي

ودعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، اليوم السبت، بعيد عودته من المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، إلى إبداء "الحزم" في التعامل مع من وصفهم بـ"المخلين بالأمن العام".

وأضاف رئيسي، في اتصال هاتفي مع أسرة الإيراني محمد رسول دوست محمدي، عضو قوات "الباسيج" التابعة للحرس الثوري، والذي قُتل يوم الأربعاء الماضي خلال الاحتجاجات، أنه "يجب الفصل بين الاحتجاج والإخلال بالأمن العام"، متحدثاً عن وقوع "أعمال شريرة وشغب" في البلاد في الاحتجاجات الأخيرة.

سبب تحوّل الاحتجاجات إلى عنف؟

سرعان ما تتحول الاحتجاجات في إيران بعد اندلاعها إلى أعمال عنف، لتتهم السلطات المحتجين أو من تصفهم بـ"المندسين" في التظاهرات بحرفها عن مسارها المطلبي نحو العنف، لكن في المقابل هناك من يتهم السلطات بأنها تحرف الاحتجاجات عن المسار، عبر استخدام العنف ورفض منح التراخيص القانونية.

بخصوص ذلك، يقول نائب الرئيس الإيراني الأسبق، محمد علي أبطحي (محمد خاتمي)، لـ"العربي الجديد"، إنّ تحوّل الاحتجاجات في البلاد إلى أعمال عنف سريعاً، يعود إلى أسباب عدة، أبرزها أنّ "التظاهرات ليست مطلبية، ولا تركّز على مطلب محدد"، موضحاً أنها "تتعرّض لأساس النظام وفي هذه الحالة من الطبيعي ألا يسمح أي نظام بأن يحدث ذلك".

ويؤكد أبطحي أنّ العامل الآخر هو السلطات نفسها، التي يقول إنها "لا تقبل الإصلاح أبداً، ولا تقوم بإصلاح ذاتها من الداخل"، مشيراً إلى أنّ هناك أطرافاً أخرى تدخل على الخط مثل منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة، التي قال إنها "تترصد لمثل هذه الأيام، وربما الأجانب أيضاً يساعدون". ويضيف أبطحي أن هذه العوامل عندما تجتمع تؤدي إلى "تهميش مطالب الشارع فيقف الطرفان في مواجهة بعضهما البعض فتتحول التظاهرات إلى عنف".

ويلوم أبطحي السلطات لعدم إبداء السرعة في معالجة قضية الفتاة مهسا أميني، قائلاً إنها لو تعاملت بسرعة مع الملف وعالجته، وأعلنت عن النتيجة، "فهذا بحد ذاته كان قد يخلق الثقة"، مشيراً إلى أنّ وفاة الشابة بكونها ضيفة كردية جاءت إلى طهران "أثارت المشاعر والأحاسيس".

ويوضح نائب الرئيس الإيراني الأسبق لـ"العربي الجديد" أن إطالة القضية وعدم وصول تحقيقات مماثلة سابقة إلى نتيجة، "ساهم في خلق هذا الفضاء المتشنّج"، متهماً قنوات معارضة ناطقة بالفارسية خارج إيران، بأنها على مدار الساعة تركّز على الداخل الإيراني، وساهمت في تأجيج الوضع بدورها.

وتعليقاً على مدى استعداد الحكومة الإيرانية للاستجابة لمطلب المحتجين بإنهاء عمل دوريات شرطة الآداب في الشوارع، يستبعد أبطحي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن يحدث ذلك "بسبب ما آل إليه الوضع إلى هذه النقطة"، ويقول إنّ الحكومة في هذه الحالة ترى أنه "إذا ما تراجعت عندها، فيمكن أن يكون ذلك على حساب أساس الحكم".

تضارب في أرقام القتلى

عن أرقام الضحايا، لم تعلن السلطات حتى الآن الحصيلة، وهناك أرقام غير رسمية متضاربة، تراوحت بين 35 إلى 50 شخصاً، فيما أشارت القناة الثانية الإيرانية إلى مقتل 41 شخصاً في الاحتجاجات الأخيرة.

في الأثناء، قسّم وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، في لقاء تلفزيوني، قتلى الاحتجاجات إلى أربعة أقسام؛ قائلاً إنّ عدداً منهم "قُتلوا على أيدي مجموعات معارضة غربي وشمال غربي البلاد، وآخرين "هم مواطنون عاديون، إما قتلوا على يد مثيري الشغب، أو بسبب خلافات شخصية، ورميت جثثهم في مكان التجمعات"، على حد قوله.

 

وأضاف وحيدي أنّ عدداً آخر من القتلى هم من قوات الشرطة والأمن، وكذلك أشخاص قُتلوا على يد قوات الأمن "بعد محاولاتهم اقتحام مقار حساسة" على حد تعبيره.

لكن هذه الرواية الرسمية، تواجهها رواية أخرى من النشطاء ومواقع التواصل، متهمين قوى الأمن والشرطة بتعنيف المحتجين وإطلاق النار صوب التجمعات، مع نشر مقاطع مصورة عن اشتباكات مع هذه القوات، ومشاهد عنف وإطلاق نار بالاحتجاجات.

وأشارت السلطات الإيرانية، إلى مقتل 6 من قوات الأمن والشرطة و"الباسيج" خلال الاحتجاجات، فضلاً عن إصابة العشرات منهم بجروح، فيما انتشرت فيديوهات على مواقع التواصل تُظهر مهاجمة محتجين بعض قوات الشرطة، وحرق مقرات وسيارات لها، ودهس بعضهم بالسيارة خلال الاحتجاجات الأخيرة.

كذلك، نفى وزير الداخلية الإيراني، مرة أخرى، تعرض الفتاة مهسا أميني لـ"أي ضرب" خلال الاحتجاز، متهماً من قال إنهم "أخطأوا بشكل غير مسؤول ومن دون وعي" بأنهم دفعوا المحتجين إلى "الفهم الخاطئ" والتماشي مع "مثيري الشغب".

تكثيف الاعتقالات وتقييد الإنترنت

ويواجه الإيرانيون، منذ أيام صعوبات بالغة في الوصول إلى الإنترنت العالمي ومواقع التواصل الاجتماعي الدولية، بالإضافة إلى حجب السلطات منصتي "إنستغرام" و"واتساب". بهذا الخصوص، أكد وحيدي أنّ تقييد الإنترنت ومواقع التواصل جاء بغية "الحفاظ على الأمن".

وأضاف أنّ بعض مواقع التواصل "تؤجج الوضع"، قائلاً إنّ تقييد الإنترنت "سيستمر ما لم تنته أعمال الشغب"، ومضيفاً أنّنا "اضطررنا لهذا الإجراء لمنع تنظيم أعمال الشغب عبر مواقع التواصل"، حسب قوله.

كما تتواصل الاعتقالات في إيران خلال الاحتجاجات، إذ ذكرت وكالة "تنسيم" الإيرانية، اليوم السبت، عن "مصدر مطلع"، أنّ أجهزة المخابرات والأمن والشرطة اعتقلت أكثر من 1200 شخص من "مثيري الشغب".

كذلك، أعلنت قيادة الشرطة في محافظة جيلان، أنها اعتقلت 739 من "مثيري الشغب" في المحافظة فقط، مشيرةً إلى أنّ 60 منهم من النساء، ومضيفة أنها استطاعت تفكيك "خلية"، قالت إنها دخلت المحافظة من إحدى المحافظات الجنوبية من أجل "تنفيذ أعمال تخريبية".

إلى ذلك، أكد الاتحاد الدولي للصحافيين، في تقرير له، أنّ السلطات الإيرانية اعتقلت 12 صحافياً وإعلامياً خلال الأيام الأخيرة، فضلاً عن أنّ أنباء غير رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن اعتقال أكثر من 150 من الناشطين والناشطات في المجالات السياسية والنسائية والإعلامية والاجتماعية في البلاد.

في غضون ذلك، وتزامناً مع تكثيف السلطات محاولاتها إنهاء التجمعات التي تعتبرها "غير مرخصة وغير قانونية"، ثمة روايات بدأت تخرج من سلطات محلية بمحافظات إيرانية عدة، تتحدث عن اعتقال رعايا أجانب وأعضاء في "داعش"، وإحباط "عمليات تفجيرية". إذ تحدث الحرس الثوري في محافظة بوشهر المطلة على الخليج عن اعتقال 17 من الرعايا الأجانب "في عملية دقيقة ومعقدة"، فضلاً عن حديث استخبارات الحرس في محافظة أذربيجان الشرقية عن إحباط تفجير قنبلة لـ"عناصر معادية للثورة" بمدينة تبريز مركز المحافظة.

ونقلت وكالة "فارس" شبه الرسمية، عن استخبارات محافظة أذربيجان الغربية، أنه جرى اعتقال عدد من أعضاء "تنظيم داعش".

كما وراجت الليلة الماضية، أنباء غير مؤكدة، على شبكات التواصل الاجتماعي، عن خروج مدينة أشنوية الكردية، التي شهدت مؤخراً احتجاجات عنيفة، مع حديث البعض عن مهاجمة سجن المدينة، لكن وكالة "نور نيوز" المقربة من مجلس الأمن القومي، ووكالات أنباء رسمية أخرى، نفت اليوم السبت، في تقارير صحة هذه الأنباء، واصفة إياها بـ"شائعات"، ومشيرة إلى أنّ أشنوية أصبحت هادئة فجر اليوم. 

وقالت هذه المصادر إن التجمعات الاحتجاجية التي وصفتها بأنها "أعمال شغب"، اندلعت مساء الجمعة، واستمرت حتى فجر اليوم، مشيرة إلى أن عدد المشاركين فيها كان نحو 500 شخص، وأضافت أن "البعض رفع هتافات انفصالية" لمجموعات كردية معارضة. 

وأشارت إلى أن المواجهات تركزت غالباً على أطراف المدينة، نافية صحة الأنباء عن إغلاق مداخل المدينة. 

كذلك، نفت وكالة "ميزان" التابعة للسلطة القضائية، تعرض سجن المدينة لهجوم.
كما وانتشرت مقاطع مصورة، قيل إنها تعود لتمجهر طلبة في جامعة طهران، أمام مبنى الجامعة اليوم السبت، وتظهر المقاطع مواجهات مع الأمن، فضلاً عن تداول فيديوهات عن تجمع احتجاجي بمدينة آمل شمالي إيران.

وكانت "شرطة الأخلاق" في العاصمة الإيرانية طهران قد اعتقلت، في الثالث عشر من الشهر الجاري، مهسا أميني التي كانت في زيارة إلى طهران للسياحة برفقة أسرتها، آتية من محافظة كردستان، وادعت الشرطة أنّ حجابها "غير مناسب"، لكن بعد ساعتَين من اقتيادها إلى مركز الشرطة، نُقلت الشابة إلى المستشفى في حالة غيبوبة، قبل أن تتوفّى مساء الجمعة الماضي.

وأعلنت الشرطة الإيرانية أنّ الغيبوبة نتجت عن إصابة أميني بـ"نوبة قلبية مفاجئة" خلال "جلسة إرشاد"؛ لكنّ أسرتها ونشطاء ومدوّنين يشكّكون في الرواية الرسمية، وسط اتهامات للشرطة بتعذيبها وتعنيفها.

وتحوّلت وفاة مهسا أميني في هذه الظروف إلى قضيّة رأي عام في إيران، وحاولت السلطات احتواء غضب الشارع، من خلال إطلاق تصريحات وتطمينات بإجراء تحقيقات "عادلة وعاجلة" بشأن حادثة وفاتها.

المساهمون