احتجاجات مهسا أميني في إيران: سرّ الغضب العارم والردود الواسعة

احتجاجات مهسا أميني في إيران: سرّ الغضب العارم والردود الواسعة

21 سبتمبر 2022
تشكل النساء عصب الاحتجاجات الحالية (Getty)
+ الخط -

تشهد إيران احتجاجات مستمرة منذ السبت الماضي، رغم تراجعها في مناطق وتمددها في أخرى. والشرارة التي أطلقت الاحتجاجات هذه المرة لم تكن اقتصادية على غرار ما حصل خلال السنوات الأخيرة، بل هي وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني، الجمعة الماضي، في مستشفى بطهران، بعد احتجازها من قبل شرطة الآداب بتهمة عدم التزامها بمواصفات الحجاب. 

أميني كانت آتية من مدينة سقز بمحافظة كردستان، غربي إيران، إلى طهران برفقة أهلها لزيارة الأقارب والسياحة، قبل أن تعتقلها الشرطة يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي وتقتادها إلى أحد مراكزها، لكنها بعد ساعتين نقلت إلى المستشفى بعدما دخلت في حالة غيبوبة، كما يقول شقيقها كيارش، الذي كان معها لحظة الاعتقال.

تفاعل الإيرانيون سريعا مع موضوع مهسا منذ دخولها مستشفى كسري، وسط العاصمة، وزاد الاهتمام بها وهي ترقد على سرير المستشفى تصارع الموت، إلى أن أعلن عن وفاتها مساء يوم الجمعة، لتزداد وتيرة التفاعل والردود الغاضبة، إلى أن ترجمت في الشوارع، فانطلقت احتجاجات أخرى في إيران.

وكانت حادثة مهسا أميني قد لقيت تفاعلا دوليا، سواء من طرف دول ومنظمات دولية أو شخصيات وفنانين.

وخرجت عدة تصريحات ومواقف من الإدارة الأميركية التي استنكرت الحادثة، فضلا عن إدانات من الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية والأمم المتحدة وأطراف أخرى.

وجاءت الاحتجاجات الجديدة في إيران بعدما شهدت البلاد عدة احتجاجات خلال السنوات الأخيرة على وقع الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن الإيراني منذ 2018 على خلفية العقوبات الأميركية المشددة بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وكانت أوسع هذه الاحتجاجات تلك التي اندلعت عام 2019 من جراء رفع أسعار البنزين ثلاثة أضعاف.

واجهت عودة هذه الدوريات والتعامل مع الحجاب بمنطق شرطي انتقادات واسعة في إيران حتى من رجال دين وأوساط حكومية

الاحتجاجات في إيران، على الرغم من أن هناك أسبابًا مباشرة تشعلها، مشحونة بمجموعة عوامل وأسباب متراكمة على مدى عقود سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ولذلك سرعان ما تتخذ الاحتجاجات أبعادا سياسية، غير أن السلطات تتهم من تصفهم بـ"الأيادي الخارجية" وأتباعها في الداخل بـ"تسييس" الاحتجاجات وحرفها عن سياقها، و"الاندساس فيها لإثارة الشغب"، واستغلالها لأغراض أخرى.

الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني، جاءت أيضا في سياق نسوي، وهو موضوع الحجاب في إيران، والذي عاد إلى الواجهة خلال الشهور الأخيرة بعد عودة دوريات شرطة الآداب إلى الشوارع وإصدار تعليمات حكومية إلى مؤسسات الدولة بالالتزام بقانون الحجاب وتطبيقه في المؤسسات الرسمية. وواجهت عودة هذه الدوريات والتعامل مع الحجاب بمنطق شرطي انتقادات واسعة في إيران، حتى من رجال دين وأوساط حكومية، زادت مع انتشار صور ومقاطع مصورة عن حالات تعنيف النساء. 

وتشكل النساء عصب الاحتجاجات الأخيرة، وقد تحولت إلى منصة لتعبير إيرانيات عن رفضهن لعمل دوريات شرطة الآداب، التي باتت السلطات تطلق عليها اسم شرطة "الأمن الأخلاقي"، مع المطالبة بإنهاء دورها وإلغاء "الحجاب الإلزامي". إلا أن ثمة رواية رسمية ومحافظة تقول إن الدولة مستهدفة في ثقافتها ومعتقداتها الدينية، فتتهم جهات خارجية بالتركيز على مسألة الحجاب. 

وفي السياق، عاد خلال هذه المظاهرات أيضا الحديث الرسمي عن ضلوع جهات أجنبية فيها و"سعيها" لتحريض الإيرانيين على التظاهر ضد السلطات، فتحدث محافظ طهران محسن منصوري عن وجود "تقارير استخبارية عن ضلوع أجهزة أجنبية في الاحتجاجات الأخيرة"، مشيرا إلى "اعتقال رعايا من ثلاث دول"، حسب قوله.

وعن سرّ الغضب العارم وردود الفعل الواسعة في المجتمع الإيراني من جراء وفاة مهسا أميني، يقول الصحافي الإيراني ياشار سلطاني، لـ"العربي الجديد"، إن العام الجاري شهد حالات أخرى من سلوك شرطة الآداب مع النساء، مثل حالة أم تصرخ أمام سيارة الدورية مطالبة بعدم اقتياد ابنتها، أو ما حصل مع ملاكم إيراني تعرض لإطلاق النار قبل أشهر في العاصمة بسبب عراك مع الشرطة على خلفية اعتراضها على حجاب زوجته. 

ويضيف سلطاني أنه بعد حادثة مهسا أميني، و"التوضيحات المتناقضة للشرطة، شعر الناس أنه لم يبق لهم مجال خاص في حياتهم"، قائلا إن ردود فعل الشارع الواسعة على وفاة مهسا أميني كانت بسبب "فقدان الثقة الاجتماعية". 

ولا يخفي الصحافي الإيراني وجود دور مكمل للعوامل الاقتصادية والسياسية في الاحتجاجات، إذ ينتقد طريقة تعامل الحكومات الإيرانية مع تحمل الشارع المشاكل الاقتصادية والسياسية والضغوط التي يواجهها نتيجة هذه المشاكل، قائلا: "بدلا من تقديم الشكر للشارع، تواجهه دائما بوعود وإحصائيات كاذبة (اقتصادية)، وهو ما سبب تراجعا مستمرا للثقة". 

بدوره، يقول الناشط الإصلاحي داود حشمتي لـ"العربي الجديد"، إن "العقدة التي كان يمكن فكّها بالأيدي تحولت إلى عقدة محكمة مشدودة"، مضيفاً أن هذه الحوادث خطفت الأضواء على حساب أول زيارة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى نيويورك.

ويضيف حشمتي أن "العشرات من قوات الشرطة والمئات من المواطنين العاديين تعرضوا للضرب لأجل الإثبات أن مهسا أميني توفيت وفاة طبيعية"، مشيراً إلى أنه "تحت هذه الذريعة تم تقييد الإنترنت والشوارع باتت تحت سيطرة طرفي المواجهة وتم حظر إنستغرام بسهولة".

ويتساءل الناشط الإيراني عن "إنجازات" حققها الطرفان في هذه الحوادث، فضلا عمن يقف وراء "الإصرار على استمرار دوريات شرطة الآداب وإغضاب الناس"، مضيفاً أنه "كان بالإمكان الحؤول دون هذه الخسائر من خلال استقالة أو اعتذار".

وإلى ذلك، يرى مراقبون أن ما ساهم في إطلاق تلك الردود الواسعة والتضامن الشعبي هو كون الفتاة مهسا أميني قادمة من محافظة أخرى إلى طهران للسياحة، وأنها كانت غريبة في العاصمة، فضلا عن انتشار صور مؤلمة لها وهي ترقد بالمستشفى. 

وعن مدى استعداد الحكومة الإيرانية للتجاوب مع مطالب المحتجين بشأن إنهاء عمل دوريات شرطة الآداب، يستبعد سلطاني ذلك، قائلا: "لا أتصور أنه سيحصل تغيير في التفكير، لأن توضيحات السلطات لم تكن باتجاه الاعتذار أو قول الحقائق"، مضيفا أنهم "إما التزموا الصمت أو اعتبروا كالعادة أن ما حصل ممارسات ضد أمن البلاد والتماهي مع الأعداء". 

وفي هذا الإطار، أدلى وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي محمد مهدي إسماعيلي، اليوم الأربعاء، بتصريحات للتلفزيون الإيراني، قرئت على أنها تمهيد لإنهاء دوريات شرطة الآداب أو تصحيح عملها، حيث كشف الوزير عن قرار لـ"إصلاح أسلوب شرطة الآداب"، مضيفا أنه سيتم الإعلان عنه قريبا، لكنه قال إن المجلس الأعلى للثورة الثقافية أقر هذا القرار قبل أشهر وقبل الحوادث الأخيرة.

ويشير الصحافي الإيراني ياشار سلطاني، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن المحتجين هم "جيل شبابي لديهم مطالب موضوعية، وما يهمهم هو التصدي المنطقي لمطالبهم، وليس بمثاليات وشعارات"، مضيفا أن ردود الفعل الدولية على وفاة مهسا أميني "لم تقتصر على الساسة، بل تجاوزتهم إلى أصحاب الثقافة والفن، وهذا نقطة تحول". 

أيضاً، "تساهم حالة الاحتقان الداخلي بسبب ظروف البلاد، منها الظروف الاقتصادية، في تصعيد الاعتراضات، وهو ما نراه في الشارع"، كما يقول الناشط المحافظ محمد صالح مفتاح، الذي دعا إلى نقاش واسع حول موضوع دوريات شرطة الآداب، مشيرا إلى أن إلزام الحجاب وتقنينه في بدايات الثورة الإسلامية عام 1979 "كان مطلبا عاما، لكن خلال السنوات الأخيرة أصبحت مسألة الحجاب الإجباري أو الحجاب القانوني محل اعتراض في الشارع". 

وعزا مفتاح، في حديثه مع "العربي الجديد"، سبب ذلك إلى "تغيير طاول أوضاع المجتمع من جهة، والتطورات العالمية المؤثرة داخل إيران من جهة ثانية"، قائلا إن القوانين المرتبطة بالحجاب في إيران سنت في ظروف مختلفة قبل 26 عاما، وأنها بحاجة إلى إجراء "تعديلات".

ويضيف أن "هذه القوانين، على الرغم من أنها تنص على محاكمة من ينتهكها، لكنها لم تنفذ على مدى عقود، ولم تحاكم امرأة في المحاكم بسبب الحجاب"، وقال إن ذلك حصل "على الرغم من أن القانون ينص على أن الكشف عن الشعر يعتبر جرما وتفرض عليه غرامات مالية".

ويشير مفتاح إلى أن "ما تفعله الشرطة في الوقت الراهن ليس فرض عقوبات أو إحالة المخالفات إلى القضاء، بل تشكيل جلسة إرشاد وأخذ تعهد من الفتاة" بتحسين حجابها.

المساهمون