شهدت تونس في الأشهر الأخيرة حملة اعتقالات واسعة شملت قيادات حزبية بارزة ومحامين وقضاة وإعلاميين ورجال أعمال ومدونين ونشطاء وحتى مواطنين عاديين بتهم الاعتداء على الدولة والتآمر عليها وارتكاب "أمر موحش" ضد الرئيس وغيرها من التهم التي تفضي إلى سنوات من السجن في أقل الحالات.
وتأتي هذه الاتهامات في سبيل مواجهة الخصوم المعارضين لانقلاب قيس سعيد. ويقبع منذ شهر فبراير/ شباط الماضي عشرات المعتقلين في السجون التونسية في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، وكثيرا ما كان الرئيس قيس سعيد يصف هؤلاء بـ"الخونة والمتآمرين".
وأسقط إيقاف رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي (82 عاما)، في شهر إبريل/ نيسان الماضي، كل ما كان يعتبر "خطوطا حمراء".
وجاء إيقاف الغنوشي بعد تصريح له ضمن مسامرة رمضانية لجبهة الخلاص الوطني تحدث فيها عن ضرورة عدم إقصاء اليسار والإسلام السياسي والنهضة، وقد اعتقل من قيادات النهضة أيضاً رئيس الحكومة ووزير الداخلية الأسبق، ونائب رئيس حركة النهضة علي العريض، ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري.
واعتقل الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي في 25 فبراير/ شباط بعدما أصدر حاكم التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بطاقة إيداع بالسجن في حقه بعد استنطاقه لعدة ساعات.
وكان الحزب الجمهوري قد أكد في بيان أن قضية أمينه العام كبقية المعتقلين "سياسية بحتة غرضها إجهاض المبادرة الساعية إلى تكوين أوسع جبهة ضد الاستبداد".
واعتقلت الشرطة التونسية في اليوم نفسه الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي المحامي غازي الشواشي، كما اعتقل المحامي وعضو جبهة الخلاص الوطني رضا بلحاج، بعد إيقافه في القضية نفسها.
كما جرى اعتقال عضو قيادة جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك، مباشرة بعد توقيف والده عز الدين الحزقي، للتحقيق معه قبل إطلاق سراحه.
وأفرجت السلطات التونسية أخيرا عن عضو جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، والمحامي المعتقل الأزهر العكرمي.
واعتقل القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي في 11 فبراير/ شباط بعد مداهمة منزله في إطار سياسة الاعتقالات التي شملت قادة سياسيين ومعارضين لقيس سعيد في ما يعرف بقضية التآمر أيضاً.
وأكدت هيئة الدّفاع عن المعتقلين السياسيين في قضيّة "التّآمر" في بيان لها، أمس الاثنين، أنّ فرقة مكافحة الإرهاب استمعت في الأيّام الأخيرة إلى عدد من الشّخصيات السياسيّة، من بينهم محمد الحامدي القيادي السابق بالتيار الديمقراطي وزير التعليم الأسبق، وعبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الأسبق، ورضا شرف الدّين النائب السابق، وغيرهم.
وبحسب الهيئة، فإن فحوى الاستماعات تشكِّل دليلا إضافيا على براءة كل المتّهمين في هذه القضيّة وتنسف نهائيّا سرديّة "التّآمر".
وأوضحت الهيئة أنها أودعت مطلب إفراج جديد عن كل من: عصام الشابّي وجوهر بن مبارك وغازي الشوّاشي ورضا بالحاج وعبد الحميد الجّلاصي وخيّام التّركي.
وأخيرا، تقدمت الإدارة العامة للسجون والإصلاح بشكاية ضدّ عضو هيئة الدّفاع عن السياسيين الموقوفين المحامية إسلام حمزة على خلفية تصريح لها في إحدى الاذاعات الخاصة حول السيارة التي تستعملها الإدارة العامة للسجون.
ومن المحامين أحيل العشرات على التحقيق، من بينهم 14 محاميا في قضية إيقاف نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري، ومنهم زوجته سعيدة العكرمي، وسمير ديلو، وأنور أولاد علي، ورضا بلحاج، ومحمد سامي الطريقي، ومالك بن عمار، والناصر الهرابي، ومحسن السحباني، ومنية بوعلي، ورمزي بن دية، ونزار التومي، وإيناس الحراث، وعبد الرؤوف أبا، وعبد الرزاق الكيلاني.
وأحيل المحامي عبد العزيز الصيد على التحقيق بطلب من وزيرة العدل ليلى جفال، حيث أوضحت هيئة الدفاع عن المعتقلين في بيان، في شهر مايو/ أيار الماضي، أن الإحالة تمت إثر الندوة الصحافية التي عقدتها الهيئة في الثامن من الشهر ذاته.
وفي شهر مايو/ أيار من العام الماضي، أصدر قاضي التحقيق العسكري في تونس بطاقة إيداع بالسجن في حق العميد الأسبق للمحامين التونسيين عبد الرزاق الكيلاني، بعد التحقيق معه لساعات بتهم الحث على العصيان وإثارة تجمع من شأنه المس بالأمن العام و"الاعتداء" على موظف.
وقال عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي مختار الجماعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحالة الصحية لعضو جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك متعكرة، ويعاني من تراجع في وضعه الصحي بعد أشهر من الإيقاف.
ولفت إلى أن "طبيعة الاعتقالات توضح نية التوسّع في قائمة المعتقلين والمجالات لتشمل سياسيين ومدونين وإعلاميين، وتطاول كل التيارات والانتماءات السياسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. تقريبا كل الانتماءات موجودة".
وتابع الجماعي قائلا "هناك توظيف للقضاء لتصفية الخصوم السياسيين، خاصة بعد عزل نحو 60 قاضيا بجرة قلم دون توفير شروط المحاكمة العادلة".
وأضاف: "ينطلق الركن المادي في الجريمة من التفكير فيها إلى حين إنجازها، أما في القانون فيبدأ التجريم عند الانطلاق في التحضير، ولكن لا يوجد في ملف التآمر بداية التحضير لتغيير هيئة الدولة".
وتابع "هذا يعني أن السلطة بصدد محاسبة الناس على أفكارهم وعلى مواقفهم السياسية، وما يمكن ملاحظته في الملف هو تنوع الهياكل المتعهدة بالقضية، أي ضرب قاعدة الاختصاص، بمعنى أن هناك 3 ملفات بعنوان التآمر، أحدها في محكمة سوسة في ما يعرف بقضية إنستالينغو، وملف في المحكمة العسكرية وملف منشور لدى القطب القضائي لدى دائرة الإرهاب والذي شمل قادة سياسيين".
وقال عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن جل الأبحاث في ملف التآمر تؤكد أنه ملف فارغ، مؤكدا عدم وجود "شيء مهم يذكر في استماعات المعتقلين".
وبين أن "القاسم المشترك بين هؤلاء إمعان السلطة في استهداف الخصوم السياسيين وتجريم المعارضة وفبركة ملفات ضدها"، مذكرا بمرور 5 أشهر على سجن القادة السياسييّن دون أي مبرر لإيقافهم ليوم واحد.