تحول البحث عن نبتة "الكمأة" في البادية السورية إلى مصيدة للمدنيين، وساحة صراع بين المليشيات المسلحة المنتشرة في تلك المناطق بحجة محاربة تنظيم "داعش الإرهابي، إذ يسقط باستمرار قتلى وجرحى خلال السعي للحصول على هذه النبتة التي تنمو في المناطق التي تشهد أمطاراً غزيرة وتباع بأسعار عالية، وتعد مادة غذائية فاخرة.
وذكر الناشط الصحافي خالد بهاء الدين لـ"العربي الجديد" أن مجموعة من المدنيين تعرضوا لهجوم مسلح أثناء ذهابهم لجمع مادة الكمأة، السبت الماضي، في منطقة جبل البلعاس الواقعة بريف حمص بالقرب الحدود الإدارية مع حماة، حيث قُتل ثلاثة منهم على الأقل، وأُصيب 6 آخرون، فيما لايزال مصير 7 مجهولاً.
وأعرب بهاء الدين عن اعتقاده بأن المليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة هي التي استهدفتهم، واعتقلت 3 منهم على الأقل واقتادتهم إلى جهة مجهولة، وسط مخاوف من تصفيتهم، ثم اتهام خلايا تنظيم "داعش" بذلك.
وأوضح أن المليشيات الإيرانية ومليشيات النظام السوري تمنع أو تضيق على المدنيين الراغبين بالبحث عن "الكمأة" لأنها تريد الاستئثار باستخراجها وبيعها نظراً لارتفاع أسعارها.
وتعدّ نبتة "الكمأة" مصدر رزق للعديد مِن المدنيين، حيث وصل سعر الكيلو الواحد إلى 75 ألف ليرة سورية، إلّا أن الألغام المنتشرة في مناطق وجودها - خاصة في البادية السورية الممتدة مِن دير الزور إلى ريف حمص الشرقي- أوقعت العديد مِن الضحايا خلال بحثهم عنها.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد الذين قتلوا في الفترة الممتدة من بداية شهر يناير/كانون الثاني من العام 2019 وحتى اليوم، بلغ 115 شخصاً بينهم 45 امرأة و6 أطفال، خلال بحثهم وجمعهم مادة الكمأة.
ويقول ناشطون إن موسم جمع الكمأة يشهد كل عام عمليات قتل لعناصر المليشيات والأهالي، تُسجل عادة ضد مجهولين قد يكونون خلايا من تنظيم "داعش" الإرهابي أو عناصر المليشيات المتنافسة ما بين الولاء لروسيا أو إيران، كما تكثر حوادث انفجار الألغام خلال موسم الكمأة.
وأوضح الناشطون أن عناصر مليشيات "الدفاع المدني" التابعة للنظام يخرجون بدوريات في البادية بحجة تمشيطها من عناصر تنظيم "داعش"، بينما السبب الرئيسي لخروجهم، هو جني الكمأة بهدف الاتّجار بها، وذلك بأوامر مباشرة من قائد مليشيات الدفاع الوطني المدعو فراس العراقية.
وكانت مليشيات الدفاع الوطني المدعومة من روسيا توصلت إلى اتفاق مع الفوج 47 التابع للحرس الثوري الإيراني على تقاسم مناطق جمع الكمأة بريف البوكمال شرقي ديرالزور بعد خلافات بين الطرفين على هذه المسألة وصلت إلى حد الاشتباك بالأيدي.
واتفق الجانبان، وفق الناشط أبو عمر البوكمالي، في حديثه مع "العربي الجديد"، على تقاسم مناطق جمع الكمأة في البادية التي تضم نقاطاً لهما، وخاصة في مناطق الحسيان والخضرا والصكور وحداجة.
وقضى الاتفاق بتسلم مليشيات الدفاع الوطني جمع الكمأة من المناطق الواقعة على يمين ما يعرف بطريق الشركة، الذي يتجه من البوكمال نحو محطة "تي تو" بمنطقة الكم في البادية، بينما تكون حصة مليشيات الفوج 47 المناطق الواقعة على جهة اليسار من الطريق ذاته، في حين يمنع على أهالي المنطقة التوجه نحو البادية لجمع الكمأة كون المنطقة تعتبر عسكرية تابعة للمليشيات، وتضم الكثير من الحواجز والنقاط العسكرية.
وفي 12 فبراير/ شباط الماضي، أصدرت قوات النظام السوري، تعليمات لسكان مدينتي تدمر والسخنة وريفيهما شرقي حمص حددت فيها أوقات ومناطق البحث عن الكمأة، وسط تهديدات للمخالفين تزامناً مع بدء موسم جمع فطر (الكمأة) من بادية المنطقة.
وبحسب شبكة "عين الفرات" المحلية، فإن قيادة كل من الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري والموالية لإيران والفيلق الخامس المدعوم من روسيا، أبلغا الحواجز في تدمر والسخنة بضرورة ضبط إقبال الأهالي على جمع الكمأة ضمن أوقات تمتد من8 صباحاً وحتى 4 عصراً، و تفرض دوريات النظام إتاوات تبلغ نحو 40 بالمئة من الكميات التي يجمعها الأهالي.
وأدى هذا التضييق الأمني وكثرة الدوريات التابعة لقوات النظام السوري بالمناطق المسموح جمع الكمأة منها وهجرة البدو عن المنطقة بعد تعرضهم للقتل والسلب على يد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية والرديفة، خلال السنوات الماضية، (أدى) لضعف الإقبال وعزوف الأهالي عن جمع الكمأة مع بداية الموسم.
وحسب الشبكات المحلية، فإن موسم نبات الكمأة، لهذا العام، لم يكن وفيراً كالمعتاد، وتفاوتت الكميات بحسب الموقع الجغرافي من البادية السورية، التي تعتبر الموطن الرئيسي لنمو الكمأة.
ويُعرف نبات الكمأة، بأنه ينمو مع اشتداد الرعد وغزارة الأمطار على شكل درنات تشبه حبات البطاطا، على عمق سنتيمترات، وله علامات ظاهرة، فهو لا أوراق له، وينمو بالقرب من النباتات الصحراوية، حيث يبدأ الأهالي بعمليات جمع الكمأة بعد تساقط الأمطار. ويعتبر الكمأة / الفطر السوري من أجود أنواع الكمأة، ويتميز بطعمه، وبشكله عن باقي أنواع الكمأة في دول أخرى.