"تضرب الهدف بقوة قطار".. قذائف "يورانيوم منضب" أميركية لأوكرانيا

"تضرب الهدف بقوة قطار".. ما هي قذائف اليورانيوم المنضب التي سترسلها الولايات المتحدة لأوكرانيا؟

14 يونيو 2023
استقرت واشنطن على تسليح دبابات "أبرامز" المرسلة لأوكرانيا بتلك القذائف (Getty)
+ الخط -

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس جو بايدن تخطط لتزويد أوكرانيا بقذائف مدفعية من اليورانيوم المنضب، بعد أسابيع من النقاشات الداخلية حول كيفية تذخير دبابات "أبرامز" التي قدّمتها واشنطن لأوكرانيا؛ بينما لا يزال جنودها في طور التدريب عليها في ألمانيا، في انتظار أن تدخل ميدان العمليات مع بداية الخريف- في لحظة ربما ستكون مفصلية في سير الهجوم المضاد الذي بدأ قبل أيام.

ويقول مسؤول أميركي كبير للصحيفة إنه ما من "عقبات كبيرة" أمام الموافقة على تسليم الذخيرة، التي تحتوي بقايا اليورانيوم المستنفذ في المفاعلات النووية، في وقت لا تزال أسلحة أخرى تحت النقاش في أروقة الإدارة الأميركية، من بينها الذخائر العنقودية التي طلبتها أوكرانيا مرارًا. لكن إدخال سلاح حساس كهذا إلى ساحة المعركة، بقدراته التدميرية الهائلة، وتاريخه الطويل من الأضرار بعيدة المدى التي تتجاوز ساحة المعركة، يطرح أسئلة جوهرية حول التوقيت، والأثر الميداني، والتبعات.

ما هو اليورانيوم المنضب؟

يُجمَع هذا المعدن من مخلفات عملية تخصيب اليورانيوم، التي يتم عبرها إنتاج النظائر الانشطارية اللازمة لإحداث الانفجار النووي. تلك النظائر الانشطارية موجودة في جزيء صغير، اسمه يورانيوم 235، يمثّل ما نسبته من 0.7% فقط من اليورانيوم الموجود في الطبيعة. لكن إنتاج القنبلة النووية يتطلب رفع تركيز هذا الجزيء -يورانيوم 235- إلى نسبة 5% اللازمة لصنع القنبلة الذرية. الغرض من عملية تخصيب اليورانيوم هو بلوغ تلك النسبة، عبر تركيز الجزيئات الانشطارية وحدها، وفصلها عن الجزيئات الأخرى. هذه الجزيئات المعزولة ستشكّل في مجموعها اليورانيوم المنضب، أو المستنفد.

بمعنى آخر، إذا غذّي مفاعل نووي بـ1000 كيلوغرام من اليورانيوم، فسينتج 85 كيلوغراماً من اليورانيوم المشعّ المستخدم في القنبلة، و915 من اليورانيوم المنضب، كما يشرح تقرير لهيئة الرقابة النووية الأميركية.

حذّر الرئيس الروسي، في تصريح سابق، من أن الغرب في مجموعه، بتلك الخطوة، يباشر فعليّاً استخدام أسلحة بمكونات نووية؛ ما يعني أن روسيا سترد بشكل متناسب

مثل تلك الـ915 كيلوغرامًا من اليورانيوم ظلّت تعامل على أنها نفايات نووية حتى عام 1970، حينما بدأ الاتحاد السوفياتي تزويد أعضاء حلف وارسو بصفائح مدرعة، لم تكن أسلحة "الناتو" مؤهلة لاختراقها في ذلك الوقت. دفع هذا التطور وزارة الدفاع الأميركية للبحث عن بدائل، وبعد اختبار عدة معادن، استقر باحثوها على اليورانيوم المنضب.

ميزة تلك "المخلّفات"، عدا عن تكلفتها الضئيلة، هو أنها عالية الكثافة، إذ تضاهي كثافة الرصاص بـ1.67 مرة، وتقارب كثافة الذهب، ولها قوة شدة مماثلة لتلك التي يتميز بها الفولاذ، وأقل بنسبة 16% من أكثر المواد كثافة على الأرض، الأوزوميوم.

ولأن عملية التخصيب لا يمكن أن تتم بدرجة نقاوة تامة، تترسّب في كتل اليورانيوم المنضب تلك ما نسبته 0.3% من نظائر يورانيوم 235 المشعّة، ما يعني أن فيها شيئًا، ولو ضئيلًا، من القنبلة النووية.

أي أثر لها في المعركة؟

مع تلك الكثافة العالية، تكون قذيفة اليورانيوم أصغر قطراً من قذيفة الرصاص المكافئة، مع مقاومة أعلى للهواء، وقدرة أكبر على التغلغل في الهدف بسبب ارتفاع الضغط عند لحظة الارتطام. معنى ذلك، بالإضافة إلى قدرتها المضاعفة على اختراق الدروع، أنها ستكون قابلة للإطلاق من مسافات أبعد، نظرًا لمقاومتها العالية لدفع الهواء؛ ما يعني أن القوات الأوكرانية، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع البريطانية في وقت سابق، ستكون في مأمن أكبر من النيران المضادة.

زيادة على ذلك، فإن احتواء مقذوفات اليورانيوم على رواسب من نظائر يورانيوم 235 المشعة، كما أسلفنا، يجعلها حارقة بطبيعتها، إذ تصبح تلقائية الاشتعال عند الاصطدام بالهدف.

"هي تضرب الهدف بقوة قطار"، يقول المحلل العسكري في شركة "راند" وضابط المدفعية الأميركية السابق سكوت بوسطن، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، واصفاً القوة التدميرية لتلك القذائف، مضيفًا أنها "طويلة جدًّا وكثيفة جدًّا، لذلك فهي تلقي بقدر كبير من الطاقة الحركية على نقطة معينة في مدرعات العدو".

لماذا الآن؟

ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن هذا الكشف مع بدء اكتساب الهجوم الأوكراني المضاد بعض الزخم، لا سيما أن القوات الأوكرانية لا تملك كل الوقت، بحكم أن هامش المناورة الميدانية يتقلّص كلما اقترب الشتاء. 

عطفًا عل ذلك، تنقل "وول ستريت" عن مسؤولين في إدارة بايدن أن الهدف من هذه الخطوة هو "تمكين أوكرانيا من تحقيق أكبر قدر من التقدم في ساحة المعركة، ووضعها في موقع تفاوضي قوي إذا ما انعقدت محادثات سلام في نهاية المطاف".

الانبعاثات الجوية الناتجة أثناء ارتطام واحتراق ذخائر اليورانيوم المنضب يمكن أن يستنشقها المدنيون والعسكريون على حد سواء

علاوة على ما سبق، والتقييم للصحيفة أيضًا، فإن الحاضنة السياسية التي تحظى بها الإمدادات العسكرية السخية لأوكرانيا قد تبدأ بالتلاشي إذا لم يحقق الهجوم الأوكراني المضاد التقدم المنشود؛ وهو ما يدفع البيت الأبيض، بشكل عكسي، ليراهن على مزيد من الدعم في هذا التوقيت الحرج.

لماذا كل تلك المناقشات الداخلية حولها؟

يمكن أن يعزا "التردد" الأميركي في الإعلان عن هذه الخطوة، وإن كان ظاهريًّا، إلى اعتبارين، أوّلهما سياسي متعلق بـ"خرق الخطوط الحمراء" الروسية؛ والثاني قانوني-إنساني متصل بالمحاذير من تأثيراتها بعيدة المدى على الصحة والبيئة، بالنظر لاحتوائها نظائر مشعة، وإن كانت بنسب هامشية.

في الحالة الأولى، يمكن أن نشير إلى تحذير سابق للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من تزويد أوكرانيا بالنظائر المشعّة، قال فيه بشكل مباشر وصريح إن "الغرب في مجموعه، بتلك الخطوة، يباشر فعليّاً استخدام أسلحة بمكونات نووية؛ ما يعني أن روسيا سترد بشكل متناسب".

لكن ذلك كان في مارس/آذار الماضي، حينما أعلنت بريطانيا عن عزمها تزويد أوكرانيا بتلك القذائف، في حزمة واحدة مع دبابات "تشالينجر"؛ وهو ما تم بالفعل، من دون أن نرى ردًّا روسيًّا معلنًا حتى الآن.

هل تنطبق عليها الصفة النووية بالفعل؟

في ردها على تحذير بوتين إيّاه، نفت وزارة الدفاع البريطانية أن تكون تلك القذائف محظورة في أي اتفاقية دولية. على النغمة ذاتها، فنّد منسّق مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، تصريحات بوتين "المخادعة"، على حد تعبيره، وقال إن "هذا النوع من الذخائر شائع إلى حد كبير، والدراسات خلصت إلى أنها لا تحمل خطراً إشعاعيّاً.

اليورانيوم المنضب هو أحد الأسباب الرئيسية في تشوهات الأجنة، وارتفاع حالات السرطان، وظهور أمراض غير معهودة بين العراقيين

وفي عام 1996، أصدرت محكمة العدل الدولية بالفعل رأيًا استشاريًا -غير ملزم- بشأن "مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها". ومنها اليورانيوم المنضب. المحكمة استندت في حكمها إلى إعلان لاهاي الثاني، واتفاقية لاهاي الرابعة، وبروتوكول جنيف، وخلصت إلى أن اليورانيوم المنضب ليس من ضمن الأسلحة المحظورة بموجب الاتفاقيات تلك، إذ إن استخدامه الأساسي "ليس للتسمم ولا الخنق، ولكن لتدمير العتاد وقتل الجنود من خلال الطاقة الحركية".

لكن تقريرًا حديثًا للأمم المتحدة، صدر العام الماضي عن برنامج البيئة، خلص إلى أن "السمية الكيميائية" لليورانيوم المنضب تمثّل أكبر خطر محتمل، "ويمكن أن تسبب تهيّجًا للجلد وفشلًا كلويًّا، وأن تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان".

تلك التبعات الصحية كانت قابلة للتعقب والإثبات في العراق، على سبيل المثال، حيث استخدمت الولايات المتحدة هذا النوع من الذخائر بكثرة. خلص تقرير سابق لقناة "ألجزيرة"، نشر عام 2013، إلى أن اليورانيوم المنضب هو أحد الأسباب الرئيسية في تشوهات الأجنة، وارتفاع حالات السرطان، وظهور أمراض غير معهودة بين العراقيين، ومنها اعتلالات جديدة في الكلى والرئتين والكبد، وكذلك الانهيار المناعي الشامل، وارتفاع حالات اللوكيميا والأنيميا، بالذات بين الأطفال. ومن المؤشرات التي يستند إليها التقرير، أن أرقام السرطان المسجلة قبل حرب عام 1991 كانت تعادل 40 حالة من كل 100 ألف عراقي، لكنها قفزت في عام 1995 إلى 800 حالة من كل 100 ألف.

تقاطعاً مع ذلك، يشير معهد التكنولوجيا النووية للحماية من الإشعاع في اليونان، إلى أن "الانبعاثات الجوية الناتجة عن ارتطام واحتراق ذخائر اليورانيوم المنضب يمكن أن تلوث مناطق واسعة حول مواقع الارتطام، وأن يستنشقها المدنيون والعسكريون على حد سواء".

وبوسعنا أن نجد في أرشيف المنظمة الأممية العديد من القرارات والدراسات التي تدق ناقوس الخطر من استخدام اليورانيوم المنضب. على سبيل المثال، أقرّت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات التابعة للجنة الأممية لحقوق الإنسان، في عامي 1996 و1997، قائمة بأسلحة الدمار الشامل، وحثوا جميع الدول على كبح إنتاجها وانتشارها، وكان من ضمنها ذخائر تحتوي على اليورانيوم المنضب. في عام 2002، سلّمت اللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في المنظمة الأممية دراسة حول استخدامات بعض الأسلحة، ومنها اليورانيوم المنضب، وخلصت فيها إلى أنه قد ينتهك واحدة أو أكثر من المعاهدات التالية: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ميثاق الأمم المتحدة، اتفاقية الإبادة الجماعية، اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وكذلك اتفاقيات جنيف، واتفاقية الأسلحة الكيميائية.

هل تملك روسيا هذا النوع من الأسلحة؟

حتى اليوم، لم تعترف أي دولة باستخدام ذخائر اليورانيوم المنضب إلا اثنتان: الولايات المتحدة وبريطانيا. تقنيّاً، تملك روسيا ذلك النوع من اليورانيوم، بالنظر إلى أنها دولة نووية، وأن كل عملية تخصيب ستنتج مخلّفات من هذا المعدن الثقيل؛ لكنها لم تفصح عن استخدامها حتى الآن، إلا عرضيًّا، وكان هذا في نشرة لوزارة الدفاع، تعود لعام 2018، تستعرض التحديثات المضافة إلى دبابة T-80، ومن بينها قذائف اليورانيوم المنضب.