لم يكن معهوداً أن يخرج المتحدث العسكري لـ"كتائب القسام"، (الذراع العسكرية لحركة المقاومة الفلسطينية حماس)، أبو عبيدة، إلى الإعلام لنفي اتهامات تطاول الذراع العسكرية الأقوى لفصيل فلسطيني. غير أنّ نفي أبو عبيدة تورّط "القسام" في حوادث سيناء، الأربعاء الماضي، عبر شاشة "الجزيرة"، له مدلولات كثيرة، وفق متابعين ومحللين، إذ كان يمكنه الاكتفاء بتدوينته عبر موقع تويتر، التي نشرها يوم السبت، مؤكداً من خلالها أنّ التصريحات الإسرائيلية حول علاقة "القسام" بما يجري في سيناء، "محض أكاذيب وتلفيق، ومحاولة جديدة لخلط الأوراق وزرع الفتنة والفوضى".
حرص أبو عبيدة، في المقابلة المباشرة، يوم السبت، على التأكيد أنّ بوصلة "القسام" هي فلسطين، وأنّ الاتهامات الإسرائيلية التي تروج لتدخلهم في الهجمات التي تُشن ضد الجيش المصري في سيناء، محاولة إسرائيلية "لبث الفتنة بين الأشقاء".
وكان مسؤولون إسرائيليون ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، اتهموا حركة "حماس" بالتدخل في العملية التي نفذها تنظيم "ولاية سيناء" ضد الجيش المصري، الأربعاء الماضي، ولم يقدّم أي منهم دليلاً ملموساً على هذه الاتهامات، كما لم تتبن إسرائيل الرسمية هذه الاتهامات ولم تسوقها.
ويعتقد محللون وخبراء أنّ "حماس" وذراعها العسكرية، أرادت تأكيد نفي تدخلها في الشؤون المصرية الداخلية، بعدما بات واضحاً، في الأسابيع الماضية، وجود حراك خفي بين الجانبين أدى إلى تطور تدريجي في العلاقة، وأدى أيضاً إلى تخفيف بعض الخناق المفروض مصرياً على القطاع، عبر فتح معبر رفح لأيام معدودة. ويأتي ذلك أيضاً في وقت أعلن فيه نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية، يوم السبت، أنّ انفراجة شهدتها العلاقة بين حركته والسلطات المصرية، مشيراً إلى أن "اللقاءات مع الجانب المصري مستمرة حتى قبل الأحداث الأخيرة".
اقرأ أيضاً: "القسام": لا علاقة لنا بما يجري في سيناء
ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، عدنان أبوعامر، لـ"العربي الجديد"، أنه ليس معهوداً على "القسام" أن تخرج عبر التلفزيون بشكل شخصي لنفي اتهامات، في ظلّ تطورات ميدانية لا تستدعي أكثر من تصريح صحافي، لافتاً إلى أنّ "القسام" لديها رغبة جادة في تأكيد أنّ بوصلتها الأساسية هي إسرائيل فقط، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ النفي، "جاء ليفنّد اتهامات إسرائيل والسلطة بالتورط في أحداث سيناء. ولعل الأهم مخاطبة أبوعبيدة كل الأطراف، بأن وجهتهم هي الاحتلال الإسرائيلي، وألا يحرّفوا البوصلة".
ويشير أبوعامر إلى أنّ النفي ليس موجهاً لنفي اتهامات إسرائيل والسلطة فقط، بل يخاطب مصر دولة وقيادة، بأنّ "القسام" ليست لها علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، في السابق واليوم، بما يجري في سيناء، إلى جانب رسائل أخرى للجماعات التي تحارب النظام المصري، بضرورة عدم إقحام المقاومة الفلسطينية في معركتها.
ويعتقد أبوعامر أنّه "ربما تكون هناك مخاوف وتقديرات لدى حماس في مزيد من إقحام غزة في معارك لا ناقة لها فيها ولا جمل"، وخصوصاً أنه بات من الواضح أنّ هناك بعض الأطراف تريد توتير العلاقة بين "حماس" ومصر، عبر هذه الاتهامات غير المستندة إلى أدلة، أو إحداث حراك ميداني من شأنه وضع عصى في دواليب تحسّن علاقة حماس ومصر.
من ناحيته، يشير الكاتب والمحلل السياسي في غزة، حسام الدجني، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ هناك تطورا لافتا في العلاقة بين مصر و"حماس"، وأنّ هذا التطور تُرجم بشكل عملي بفتح معبر رفح وإدخال مواد بناء، ما أزعج البعض مثل إسرائيل والسلطة، اللتين أرادتا إعادة الأزمات إلى العلاقة بين غزة و"حماس" من جهة، ومصر من جهة أخرى.
ويعتبر الدجني أنّ خروج أبوعبيدة، في ظلّ ما يتمتع به من ثقة ومصداقية، مرة عبر تويتر ومرة عبر الجزيرة، دليل مباشر على أنّه قد تكون هناك مطالب من المخابرات العامة المصرية لـ"حماس" بأن تؤكد النفي، لأنّ هناك أيضاً في مصر من لا يريد تطور العلاقة مع "حماس". ويوضح الدجني أنّ "أبوعبيدة أراد أن يجزم في المرتين، أنّ لا دخل لحماس بما يجري في سيناء"، لافتاً في ذات الوقت إلى أنّ هناك مصالح مشتركة بين "حماس" ومصر حالياً، فالمرحلة التي تلي سيطرة "داعش" على سيناء ستكون قطاع غزة، بحسب تهديدات داعش الأخيرة.
ويقدّر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أنّ إسرائيل نظرت بشكل مريب إلى إدخال الإسمنت إلى القطاع عبر مصر وفتح معبر رفح، وهما إشارتا تحسن في العلاقة مع غزة، لأنّ ذلك ضربة لها ولنظرتها ولجهودها في خنق القطاع، وربما رأت أنّ مصر تجاوزت المأمول منها، وتريد أن تضغط على مصر لتكون هي فقط من يتحكم في القطاع.
اقرأ أيضاً: إسرائيل تستغل اعتداءات سيناء لاتهام "حماس" بمساندة "داعش