زيارة ديمبسي للعراق تحسم الخلاف الأميركي بشأن الحرب البرية

17 نوفمبر 2014
ديمبسي أكد أن مواجهة "داعش" بدأت تؤتي ثمارها (الأناضول)
+ الخط -

لن تسفر الزيارة المفاجئة لرئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي إلى العراق، عن حسم المعركة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ولكن تقييم الوضع الذي سيخرج به ديمبسي في ختام زيارته، سيحسم بلا أدنى شك معركة أخرى موازية تدور رحاها في واشنطن بين البيت الأبيض والبنتاغون.

ولم يكن ديمبسي بحاجة لعناء التوجّه إلى العراق من أجل قيادة المعركة مع "داعش"، فموقعه العسكري الكبير يجعله قادراً على توجيه القادة الميدانيين من إحدى غرف العمليات العسكرية في تامبا أو في البنتاغون. ولكن زيارته إلى العراق جاءت على الأرجح بغرض تقييم الوضع الميداني حول ما تحقّق خلال الأشهر الماضية، ثم العودة بتقرير يكفل في نهاية المطاف حسم معركة واشنطن. فمثلما تُحسم معارك العراق غالباً بقرارات تُتخذ في واشنطن، فإن معركة واشنطن في المقابل قد لا تُحسم إلا من بغداد، بتقرير يهتدي به صنّاع القرار الأميركيون.

ويقع على عاتق العسكري الأول في الولايات المتحدة مسؤولية حسم المعركتين معاً، ولكنه لن يتمكّن من حسم المعركة الأساسية في العراق وسورية، قبل أن يحسم معركة واشنطن بين معارضي التورط الأميركي البري لمواجهة "داعش"، والساعين إليه بحماسة منقطعة النظير.

يمثّل الطرف الأول الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن خلفه الحزب "الديمقراطي" وبعض الجنرالات المعتدلين في الجيش الأميركي، فيما يمثل الطرف الثاني وزير الدفاع تشاك هاغل المنتمي سياسياً إلى الحزب الجمهوري، ومن خلفه الحزب الذي خرج لتوه من انتصار تاريخي في معركة الانتخابات النصفية، ويسانده بقوة صامتة بعض صقور العسكريين في الجيش الأميركي.

أما الجنرال ديمبسي فيتبنى موقفاً وسطاً بين الطرفين، لكن قدرته على الحسم ليست نابعة من أي حق دستوري لا يملكه سوى الرئيس، بل نابعة من احترام الطرفين له، ومن ضرورات سياسية تجبر وزير الدفاع ورئيس الدولة للامتثال إلى رأي العسكريين، كي لا يتحمّل العسكريون لاحقاً تبعات فشل قرار حذروا منه مسبقاً.

وتؤكد تصريحات أوباما التي أدلى بها في أستراليا، وتصريحات هاغل في كاليفورنيا، أن الرجلين يعوّلان كثيراً على تقرير ديمبسي بعد عودته من العراق، ويرسلان إشارات بأن كلاً منهما سوف يتخذ موقفه على ضوء ذلك التقرير.

وقال أوباما أثناء حضوره قمة العشرين إن "ديمبسي لم ينصحني أن أرسل قوات برية للقتال"، في إشارة واضحة منه بأنه لن يتجاهل رأي رئيس هيئة الأركان، فيما لو تضمن تقريره توصية بإشراك الجيش الأميركي في خوض معارك برية.

لكن ديمبسي من جهته أرسل إشارات متناقضة يمكن لأوباما أن يؤولها لصالحه، إذا ما وردت رسمياً في تقرير ديمبسي، ويمكن لهاغل أن يخرج منها بنتيجة معاكسة.

وأعلن رئيس الأركان أن المعركة مع "داعش بدأت تؤتي ثمارها"، ما يُمكن أن يُفهم منه أن لا حاجة لإرسال قوات برية أميركية مقاتلة، لكنه توقّع في المقابل "عمليات عسكرية مطوّلة تستمر عدة سنوات"، وهو ما يمكن أن يجادل به هاغل بأن الحرب البرية ستحسم المعركة في أيام أو أسابيع بدلاً من الانتظار لعدة سنوات.

كما يمكن لأوباما دعم حججه بالاستفادة من أي كلام إيجابي عن دور القوات العراقية يأتي من ديمبسي، لكن في المقابل قد يحاججه هاغل بأن سورية لا توجد فيها قوات حليفة حتى الآن، يمكن أن تقوم بدور مماثل لدور الجيش العراقي وقوات الأمن العراقية، وبمعنى آخر فإن إرسال قوات برية أميركية إلى سورية قد يكون مهما جداً لتحقيق انتصار حاسم في المعركة ضد "داعش".

بل إن تصريحات أوباما نفسه بشأن سورية تصب لصالح دعم وجهة نظر هاغل ومؤسسة الدفاع، إذ استبعد الرئيس الأميركي التوصل إلى حل سياسي للحرب السورية يتضمن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، لكنه أقرّ بأن "طبيعة الدبلوماسية" تحتّم أن تتعامل واشنطن في نهاية المطاف مع بعض خصومها لإحلال السلام في سورية. وقال "في وقت من الأوقات سيتحتّم على شعب سورية واللاعبين المختلفين المعنيين واللاعبين الإقليميين أيضاً تركيا وإيران ومن يرعون الأسد، مثل روسيا، بدء حوار سياسي".

ومن هذا المنطلق، على ما يبدو، كشف الرئيس الأميركي أن واشنطن أبلغت الأسد ألا يتعرّض للطائرات الحربية الأميركية التي تُغِير على مقاتلي "داعش"، أي الدور المحايد لنظام الأسد هو أقصى ما يمكن أن يتوقعه أوباما في سورية.

أما في العراق، وعلى الرغم من بعض الإشارات الإيجابية لديمبسي عن دور القوات العراقية في المعارك البرية الدائرة، إلا أنه أرسل إشارات مناقضة بحديثه عن الانقسام الشيعي السنّي وتأثيره السلبي على الحرب، محمّلاً الحكومة العراقية مسؤولية إنهاء هذا الانقسام.

ويُفهم من إشارات ديمبسي أن حل هذه المعضلة قد يتطلب وقتاً طويلاً، وقد تظهر خلال وقت الانتظار ظروف أو تطورات جديدة تحتّم على القوات الأميركية البرية التدخل. ولهذا السبب يبدو وزير الدفاع الأميركي أكثر ثقة من أوباما بأن تقرير ديمبسي سيدعم حجج البنتاغون، واستبق الأحداث معلناً أن المؤسسة الدفاعية ستعيد النظر في مسألة إرسال قوات برية إلى العراق في حال أوصى ديمبسي بذلك.

ومن المعضلات الأخرى التي يمكن أن تلعب دوراً يخدم رأي هاغل عند تحديد الرأي النهائي لتقرير ديمبسي المنتظر، ما قاله كبار المسؤولين العراقيين لرئيس الأركان الأميركي من أنهم مستعدون لتجنيد أشخاص لبرنامج تأمل الولايات المتحدة في انطلاقه العام المقبل لإعادة تدريب وحدات عراقية، وفقاً لما نقلته عنه وكالة "رويترز".

وما لم تنقله الوكالة هو أن سؤال ديمبسي يقصد به على الأرجح (ضمنياً) تجنيد الشباب السنّة، ومدى استعداد الشيعة في حكومة حيدر العبادي لقبول ذلك والتعايش مع واقع جديد. فإذا كانت الإجابة سلبية فمعنى ذلك أن توصيات ديمبسي لن تكون في صالح أوباما.

ويُرجَّح ألا يخرج تقرير ديمبسي كثيراً عن تصريحاته العلنية، وقد يتضمّن خيارات ترضي كل الأطراف ليرمي الكرة في ملعب البيت الأبيض، بمعنى آخر فإنه قد يقيّم الموقف بأن الحسم العسكري السريع يحتاج إلى قوات برية كاسحة أميركية. أما الخيار الآخر فهو الاعتماد على القوات العراقية بما يتطلب ذلك من وقت وجهد، بالتزامن مع تدريب قوات المعارضة السورية المعتدلة الذي قد يستغرق وقتاً أطول مما تبقّى لأوباما في فترته الرئاسية الثانية والأخيرة. وهو ما يعني ترحيل المشكلة للرئيس الجديد.

ومع ذلك وبغض النظر عن الخيارات المتعددة التي قد يتضمنها تقرير ديمبسي لصانع القرار الأميركي، فإن نتيجة التقرير ستكون حاسمة: فإما أن يضطر أوباما لاتّباع رغبات مؤسسة الدفاع والحزب الجمهوري صاحب الأغلبية في مجلسي الكونغرس، والإبقاء على هاغل لتحمّل نتائج خيار أوباما، أو أن يلجأ للخيار الآخر الذي قد لا يمكن لوزير دفاع جمهوري أن يتعايش معه، ولا يمكن لذلك الخيار أن يعيش في ظل وزير دفاع جمهوري مهما كان معتدلاً، وبالتالي فإن الحسم لن يعني في وضع كهذا سوى خروج هاغل من إدارة أوباما.

وقد بدأت التكهنات تدور حول تغيير محتمل كهذا من دون طرح أسماء مرشحين، ولكن عندما يبدأ طرح الأسماء فإن المرشح سيكون ديمقراطياً يُكلَّف بتنفيذ خطة أوباما وخياراته الدفاعية كاملة في الفترة الرئاسية المتبقية له، وبذلك تكون معركة واشنطن قد حسمت بخروج هاغل من موقعه.

المساهمون