مستشفيات سيناء... مقرات حربيّة لا طبيّة

مستشفيات سيناء... مقرات حربيّة لا طبيّة

11 ديسمبر 2015
زرعت قوات الجيش كمائنها في سيناء(أحمد محمود/فرانس برس)
+ الخط -
تقطع أم محمد عشرات الكيلومترات من قرية الضهير، جنوب الشيخ زويد، شمال شرقي مصر، برفقة ابنها الذي يقود سيارته عبر طرق التفافية غير ممهّدة، ووسط طلقات نارية عشوائية، للوصول إلى المستشفى المركزي في مدينة الشيخ زويد، لتلقّي العلاج. وما إنْ وصلا إلى محيط المستشفى، حتى تفاجآ بسواتر ترابية وأسلاك شائكة وانتشار لقوات الجيش في محيط المستشفى وعلى أسطح المباني الخاصة به. يستوقف الجيش المنتشر في محيط المستشفى، ابنها ويعتقله ويتحفظ على سيارته. تدخل أم محمد المستشفى متردّدة في خطواتها، لاستكمال طريقها طلباً للعلاج أو الخروج للبحث عن ابنها الذي أصبح مجهول المكان.

لا تتوقف قصص معاناة أهالي شبه جزيرة سيناء عند هذه الحادثة، وما يظهر في الإعلام ليس إلّا عيّنة لا تُقارن مع هول المصاعب على أرض الواقع. منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وبعدما أنشأت قوات الجيش كميناً إلى جوار مباني مستشفى الشيخ زويد المركزي، فضلاً عن أبراج مراقبة على أسطح مبانيه، بهدف القضاء على التنظيمات المتشددة المنتشرة، تحوّل المستشفى من ملجأ للمرضى إلى معسكر لقوات الجيش، له مواعيد محددة. وطالبت العناصر الأمنية العاملين فيه، بإنهاء العمل عند الساعة الرابعة عصراً، ولم يعد يُسمح لأحد من الأهالي البقاء في المستشفى، باستثاء المقيمين فيه، ليصبح محرّماً على الأهالي.

توتُّر الأوضاع الأمنية في مناطق رفح والشيخ زويد، والخوف من هجمات المسلحين على قوات الجيش الذين لم يجدوا مكاناً للاحتماء به سوى في كمين حول أسوار المستشفى العام، دفعت العاملين في المستشفى إلى الإسراع في مغادرته قبل الموعد المحدّد، ما جعل الأهالي يتوجّهون إلى العيادات الخاصة التي لا يستطيع عدد كبير من أبناء المدينة تحمُّل تكاليفها بسبب سوء الأوضاع المعيشية.

ومع قرار منع سيارات الإسعاف في مدينتَي رفح والشيخ زويد، الذي تم إصداره منذ أكثر من عام وإنشاء كمين لقوات الجيش داخل المستشفى المركزي، زادت معاناة الأهالي. يقول أحد سكان قرية أبو طويلة في الشيخ زويد، لـ"العربي الجديد"، "والدي يعاني من فشل في وظائف الكبد وأصيب بغيبوبة في المساء، لم نتمكن من نقله إلى المستشفى لأنّه لا توجد سيارات إسعاف، بل ولن يسمح لنا المستشفى باستقباله، فبعد إنشاء الكمين الجديد لم يعد يستقبل حالات في هذا الوقت. قضيت الليل أشاهد والدي يصارع الموت، وما إنْ أشرقت الشمس، توجّهت به سريعاً إلى المستشفى، وبالكاد تمكّنّا من إنقاذ حياته".

اقرأ أيضاً: التطمينات الأمنيّة للسيسي تدحضها تفجيرات سيناء

واستهدفت القوات المتمركزة حول المستشفى العام، سيارة إسعاف، الأسبوع الماضي، أثناء نقلها إحدى الحالات، مساءً، وأصيب سائقها. كما تخلو الوحدات الصحية في مختلف قرى المدينة من الأطباء الذين هربوا من جحيم الاشتباكات والاستهداف العشوائي من دون وجود بدائل حقيقية لتوفير خدمات صحية لا تتجاوز كونها إنسانية. كما أنّ عمليات التفتيش التي تقوم بها قوات الجيش وينتج عنها اعتقال عشوائي للأهالي، جعلت كثيرين يخافون التوجُّه مع أبنائهم.

لا تقتصر المعاناة على كل ذلك، إذ اتخذت قوات الجيش من منازل الأهالي في محيط المستشفى مقراً لها، وقامت بتجريف مساحات واسعة من أراضي الأهالي في محيط الكمين. يقول الناشط الحقوقي أحمد مفرح لـ"العربي الجديد"، "يجب أن نفرّق بين أمرَين؛ الأوّل، توفير الخدمات الصحية أثناء الأزمات والحروب، إذ إنّ القانون الدولي سمح للدول في وقت الحروب والأزمات، أن تتخذ التدابير المناسبة لمواجهة هذه الأوضاع بشرط عدم اتخاذ أي إجراءات تمنع أو تحدّ أو تتعرض للحقوق الأساسية، سواء المتعلقة بسلامة الإنسان أو الحقوق الصحية والاجتماعية. المشكلة في سيناء، ليس فقط أنه لم يتم أي تعديل على هذا الحظر منذ أكثر من عامين، بل تمثّل في ارتكاب جرائم قامت بها قوات الجيش والشرطة أثناء وقبل إعلان حالة الطوارئ في شمال سيناء. أمّا الأمر الثاني، فيكمن في احتلال المنشآت الطبية والصحية، سواء المتعلّقة بسيارات الإسعاف أو المنشآت الطبية، وهي طبقاً لاتفاقية جنيف، تُعتبر جريمة حرب".

اقرأ أيضاً: رئيس "اتحاد قبائل سيناء" للسيسي: الحل الأمني سيزيد القتل

المساهمون