على مشارف الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف 3، الأربعاء المقبل، يظهر فشل النظام السوري ومن خلفه روسيا، في فرض حلولهما على المعارضة، وذلك عبر إعلان النظام، أمس الأحد، أن "معركة تحرير حلب ستنطلق، بعملية عسكرية مشتركة مع الروس". ويعني هذا إنهاء هدنة "وقف الأعمال العدائية" التي بدأت في 27 فبراير/ شباط الماضي، والتي قررتها روسيا والولايات المتحدة، وتشرفان على تنفيذها. كما يثبت هذا الإعلان عدم جدّية الروس بالتوصّل لحلّ سياسي، ما لم يكن ضامناً لبقاء النظام. بالتالي، من المتوقع أن تتحوّل حلب إلى نقطة مفصلية مواكبة للمفاوضات برمّتها، ويتزامن الإعلان مع تأكيد إيران، تمسّكها بدعم النظام السوري للنهاية، واعتبارها أن "بشار الأسد خط أحمر". في المقابل، أظهرت المعارضة نواياها التفاوضية، بإعلان "الهيئة العليا للتفاوض" في العاصمة السعودية الرياض، موافقتها على الدخول في مفاوضات مباشرة مع وفد النظام السوري، في جنيف. إلا أن وزير الإعلام في النظام السوري عمران الزعبي، كان رافضاً لهذه الفكرة. واعتبر في كلمة له، مع وصول المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا إلى العاصمة السورية دمشق، للقاء وزير خارجية النظام وليد المعلم، أن "الدخول في مفاوضات مباشرة مع المعارضة تحتاج تفسيراً وتبريراً يقدم للناس"، معتبراً أنه "لا يجب أن يضمّ وفد المعارضة جماعات وتنظيمات إرهابية عند الحديث عن مفاوضات مباشرة" على حد تعبيره. وأضاف الزعبي أن "لا حكومة موحدة موسعة إذا تم استبعاد أطراف معينة".
بالتزامن مع تصريحات الحلقي، جدّد مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، تأكيد بلاده على دعم الأسد، معتبراً أن "الأخير خط أحمر بالنسبة لإيران، ويجب أن يبقى في الرئاسة حتى نهاية مدة ولايته"، بحسب قوله.
ويبدو أن قوات النظام المدعومة روسياً، قد أدركت أنها لم تحقق هدفها من الاستثمار في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) باستعادة مدينة تدمر من التنظيم، وذلك بسبب تحقيق المعارضة نصراً موازياً على التنظيم في ريف حلب، وتمكنها من السيطرة على بلدة الراعي الاستراتيجية، وعدد من القرى والبلدات المحيطة بها كقرى الوقف، وتلة عيشة، وهدبات، وتل أحمر، وتل عار، وتل بطال شرقي، لتدخل للمرة الأولى منذ بداية عام 2014 هذه المسافة الكبيرة في عمق مناطق سيطرة "داعش" شمال حلب. تطوّر أفقد النظام فرصة التسويق لنفسه كقوة وحيدة بإمكانها الانتصار على التنظيم واستثمار هذه الميزة في محادثات جنيف، كما أن انتصار المعارضة على "داعش" أنهى عملياً فرص قوات "حماية الشعب" الكردية المتحالفة مع الروس من تقديم نفسها كمرشح وحيد، للقضاء على التنظيم في منطقة شمال وشرق حلب.
فضلاً عن ذلك، فشلت قوات النظام في محاولة التقدّم بريف حلب الجنوبي، بدعوى محاربة تنظيم "جبهة النصرة"، بل خسرت بعض المناطق المهمة كتلة العيس، بالإضافة إلى فشل حلفائها "وحدات حماية الشعب" الكردية، في قطع خط الإمداد الوحيد عن المعارضة في حلب الواقع على طريق الكاستيلو، وفشلهم في تحقيق تقدم على المعارضة. مع العلم أن روسيا كانت تعوّل على تسويق "وحدات حماية الشعب" كطرف معارض في مواجهة النظام، ويقبل بتسوية سياسية على مقاس الرؤية الروسية، على أن تُشكّل قواته العسكرية الذراع الذي يتمكن الروس من استخدامه في ضرب المعارضة من جهة والاستثمار به سياسياً في محاربة تنظيم "داعش". ويبدو أن كل هذه الأسباب قد دفعت بالنظام وروسيا إلى اللجوء إلى لعبة قلب الطاولة، من خلال إنهاء الهدنة والعودة إلى حل الأمور عسكرياً قبل بدء المفاوضات.
وتكشف الذرائع التي يسوقها النظام للقيام بعمليته العسكرية في حلب بغطاء روسي، أن تصنيف روسيا للإرهاب، يقوم على تبني رؤية النظام، وهي أن "كل من يعادي النظام هو إرهابي"، وبالتالي فهي تستطيع القيام بأي عمل عسكري ضد فصائل المعارضة في أي وقت تحت ذريعة "محاربة فصائل إرهابية"، وتستطيع في أي مرحلة من مراحل التفاوض أن تقلب الطاولة وتعود إلى ساحة الحرب وفرض أمر واقع على كل الأطراف. يُذكر أن دي ميستورا، في طريقه إلى طهران، أجرى في العاصمة الأردنية عمّان، مباحثات مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، بشأن "أهمية دعم وإنجاح" محادثات جنيف. وذكرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا" أن "دي ميستورا وجودة بحثا خلال اللقاء في تطورات الوضع على الساحة السورية والجهود المبذولة للتوصل إلى تفاهم مشترك بشأن عملية الانتقال السياسي وفي مقدمتها مفاوضات جنيف". وأكد جودة التزام الأردن بدعم كل الجهود والمساعي الرامية إلى ايجاد حل سياسي في سورية". وجدد موقف بلاده الداعي إلى "التوصّل لحلّ يضمن أمن وأمان سورية ووحدتها الترابية".