الملف الحقوقي يعمّق التوتر بين السيسي وحلفائه الأوروبيين

15 مايو 2016
علّقت إيطاليا إرسال سفيرها للقاهرة بانتظار التعاون بقضية ريجيني(Getty)
+ الخط -
أُعلنت حالة الطوارئ القصوى في أروقة وزارة الخارجية المصرية، على خلفية تطورات العلاقة بدولتين كان نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يعتبر أنهما من ركائز تحركاته الأوروبية والدولية، وهما ألمانيا وإيطاليا، وذلك على خلفية استدعاء وزارة الخارجية الألمانية للسفير المصري في برلين بدر عبدالعاطي؛ بسبب التضييق على منظمات ألمانية حقوقية، وتجديد الخارجية الإيطالية تأكيدها عدم إرسال سفيرها الجديد إلى مصر إلى حين تقييم التعاون الثنائي في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.
ففي الملف الأول، وعلى الرغم من تعهدات السيسي لوزيري الداخلية والاقتصاد الألمانيين اللذين زارا القاهرة منذ أسابيع بتسهيل عمل المنظمات الألمانية الحقوقية داخل مصر، إلا أن رفض الجهات المختصة، ومنها وزارة الخارجية، تجديد مقر منظمة "فريدريش ناومان" في القاهرة، دفع وزارة الخارجية الألمانية لاستدعاء السفير المصري وإبلاغه رسالة شديدة اللهجة مفادها بأن برلين ليست مرتاحة للتصرفات المصرية القائمة على تضييق المجال العام بصفة عامة وعلى منظمات ألمانيا بصفة خاصة.
وتشمل قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني التي يحقق فيها القضاء المصري حالياً، وقائع خاصة بمنظمتين هما "كونراد أديناور" و"فريدريش ناومان"، مما دفع المنظمة الأولى لترك مصر بعد مداهمة مكتبها وتقديم عدد من أفرادها للمحاكمة وصدور حكم غيابي ضدهم، كما اضطرت المنظمة الثانية لترك القاهرة وتدشين مقر إقليمي جديد في الأردن.
ولا تقتصر المشاكل على ذلك، بل إن السلطات المصرية أعاقت أيضاً عمل هيئة التنمية الألمانية العالمية، وضيقت على بعض مشروعاتها في محافظات الصعيد، مما أثار غضب برلين، ﻻ سيما أن هذه الهيئة حكومية وليست تابعة لأي من الأحزاب الرئيسية كالمنظمتين اللتين غادرتا مصر.
وكشف مصدر حكومي مطلع في وزارة التضامن الاجتماعي أنه "على الرغم من تعليمات السيسي بتسهيل عمل المنظمات الألمانية، إلا أن الأمر لم يسر على ما يرام، ولم تذلل العقبات بسرعة، نظرا لوجود ادعاءات حكومية مصرية بمخالفات في عمل منظمة فريدريش ناومان، ﻻ تتعلق بعملها الخاص فقط، بل بسبب دعمها المالي خارج إطار المراقبة الحكومية لمنظمات مصرية متورطة في قضية التمويل الأجنبي". وأضاف المصدر أن "ألمانيا لاحظت عدم جدية مصر في تنفيذ وعود السيسي، خصوصاً في ظل وجود شخصية بالقرب من السيسي "غير مقبولة" للألمان وغيرهم من الدول المانحة للتمويلات لمنظمات المجتمع المدني، وهي الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا التي تشغل منصب مستشار السيسي للأمن القومي".
وفي السياق نفسه، قال مصدر دبلوماسي مصري إن "القاهرة لن تتحمل سوء العلاقات بألمانيا، وأن برلين لن تظل ترتكز على ملف الاستثمارات فقط كسبيل وحيد للتعامل والتقارب مع النظام الحاكم". وأشار المصدر إلى أن "إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية التي يسيطر عليها ضباط استخبارات ينتمون للدائرة الاستخباراتية-الرقابية التي يديرها مدير مكتب السيسي، لم تبدِ المرونة الكافية في التعامل مع المنظمات الأجنبية العاملة في مجال حقوق الإنسان"، كاشفاً أن "اجتماعاً جرى الأسبوع الماضي بين ممثلي بعض السفارات الأجنبية المهتمة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، شهد صداماً واضحاً بسبب اعتراض ممثلي السفارات على تشديد الرقابة على التمويل القانوني لجمعيات حقوق الإنسان واحتجاز بعض التمويلات لدى الدولة".


كما رجّح مصدر حقوقي مصري، أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الاحتجاجات الأوروبية الرسمية على أداء الحكومة المصرية في ملف المجتمع المدني، مشيراً إلى أن "عدداً من الحكومات الغربية ومنها الفرنسية والألمانية، أعدت ملفات عن الخروقات المصرية، والسبب المباشر لذلك هو عدم ارتياح الدولتين للهجة التي تحدث بها السيسي أخيراً عن هذا الملف، وادعائه بأن هناك معايير مصرية خاصة لأوضاع حقوق الإنسان تختلف عن المعايير الدولية".
ولا يبتعد الملف الثاني الخاص بقضية ريجيني وإيطاليا، عن الإطار الحقوقي الذي بدأ يُفقد الغرب الثقة في نظام السيسي، فقد علّقت وزارة الخارجية الإيطالية توجّه سفيرها الجديد إلى القاهرة على تقييم المدعي العام في روما لمدى التعاون المصري مع المحققين الإيطاليين في القضية.
وقال مصدر دبلوماسي مصري حضر جزءاً من المحادثات بين فريقي التحقيق، إن "النيابة والشرطة المصريتين أبدتا أخيراً قدراً أكبر من المرونة، إذ سلمت المحققين الإيطاليين سجل المكالمات الخاص بعدد ممن تربطهم صلات بريجيني، لكن الشرطة لم تقدّم حتى الآن تفريغ كاميرا مراقبة محطة المترو التي استقلها الشاب القتيل، كما لم يتم تسليم سجل محادثات المواطنين في منطقة اختفائه". وأضاف المصدر أن "المحققين الإيطاليين سألوا نظراءهم المصريين عن احتمالات حبس ريجيني قبل اختفائه في قسم الأزبكية (وهو ما نشرته "العربي الجديد" سابقاً) وقوبل هذا السيناريو بالنفي القاطع من الشرطة المصرية".
وعن سبب استئناف التعاون الثنائي بين البلدين في التحقيقات على الرغم من إعلانهما سابقاً قطع الاتصالات، أكد المصدر أن "الحكومة الإيطالية تقع تحت ضغط شديد من البرلمان والشارع في هذه القضية، وتحاول المضي قدماً بأقصى ما لديها من ضبط نفس"، مشيراً إلى أن المحادثات الحالية التي تدور على فترات متقطعة في مصر منذ الأسبوع الماضي "قد تكون الفرصة الأخيرة أمام الشرطة المصرية لإثبات حسن نواياها".
وأكد المصدر أن "المحققين الإيطاليين رفضوا بشكل قاطع الحديث عن سيناريو قتل ريجيني على يد عصابة سرقة أجانب، وأنهم أشاروا لعدم صلاحية هذا السيناريو للبحث في ظل قتل جميع أفراد العصابة المزعومة". وأشار إلى أن "المحققين الإيطاليين يعتقدون أن جهة مصرية رسمية تريد أن تنسب اتهامات بالتخابر أو الإضرار بمصالح مصر بريجيني، وذلك ارتباطاً بواقعة استخدام بريده الإلكتروني بعد وفاته، لكنهم لا يملكون المعطيات الكافية لإثبات ذلك".
ونشرت صحف مصرية مقربة من دائرة السيسي، وفي مقدمتها "اليوم السابع"، خلال الأيام الأخيرة تلميحات لتورط ريجيني في علاقات سرّية مشبوهة مع عدد من الناشطين في مجال حقوق العمال، في إشارة لاحتمال قيامه بأنشطة استخباراتية لصالح دولة أجنبية، على الرغم من أن ريجيني كان معروفاً بنشاطه الأكاديمي في هذا المجال تحديداً، وبعلاقاته الممتدة بعدد من النشطاء اليساريين والحقوقيين في مجال العمال، وتحديداً بممثلي بعض النقابات المستقلة.
وتأتي هذه المستجدات بالتوازي مع سفر وفد مصري، على رأسه أحمد الفضالي، رئيس ما يسمى بـ"تيار الاستقلال" المؤيد للسيسي شعبياً وغير الممثل في البرلمان، إلى العاصمة الإيطالية روما، حيث سيبدأ حملة "طرق أبواب" مع المسؤولين الإيطاليين وبعض النواب بهدف "دعم العلاقات المصرية الإيطالية والقفز على قضية ريجيني التي يحاول البعض استغلالها لضرب العلاقات التاريخية بين البلدين"، على حد وصفه.
وقلّلت مصادر سياسية مطلعة في القاهرة من أهمية هذه الخطوة عملياً على الملف، ووصفتها بـ"محاولة جذب الاهتمام الشعبي وتسجيل نقاط لدى السلطة الحاكمة في مصر وليس شيئاً آخر"، ارتباطاً بأن الوفد يضم عدداً من الشخصيات المثيرة للجدل كالنائب سعيد حساسين، رئيس اتحاد كرة القدم جمال علام، والإعلامي وائل الإبراشي، ونجيب جبرائيل المحامي المقرب من الكنيسة القبطية، وراعي الكنيسة الكاثوليكية الأنبا يوحنا قلتة. وسيقتصر نشاط الوفد على المقابلات السياسية، ولا يشمل جدول أعماله أي لقاء مع المحققين الشرطيين أو القضائيين المختصين في القضية.