النائب العام المصري مستمر في تعطيل الدستور: قضية حسن مالك نموذجاً

11 نوفمبر 2017
بعض المحاكم باتت من دون سند دستوري (مصطفى الشامي/الأناضول)
+ الخط -


يهدد البطلان قرار النائب العام المصري، نبيل صادق، بإحالة رجل الأعمال الإخواني المسجون، حسن مالك، و22 متهماً آخرين إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"الإضرار بالاقتصاد الوطني"، والتي اتُهم فيها مالك وأصحاب شركات الصرافة المنتمين أو المحسوبين على جماعة الإخوان، بتجميع العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأميركي لرفع قيمته السوقية وخفض قيمة الجنيه المصري. وهي الوقائع التي حاول النظام التحجج بها كأسباب لانهيار قيمة الجنيه المصري أمام الدولار في أعقاب قرار تعويم الجنيه، كما تم استغلالها للسيطرة على سوق صرافة العملات الأجنبية خارج البنوك حتى الآن.

في هذا السياق، أفاد مصدر قضائي بمحكمة النقض بأن "قرار إحالة مالك وباقي المتهمين في هذه القضية لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ، بحجة أن البلاد تعيش حالياً تحت حالة الطوارئ المعلنة منذ 10 إبريل/نيسان الماضي، مشوب بالبطلان بأكثر من وجه، وبصورة صارخة، مما يثير التساؤلات حول كفاءة النائب العام الحالي وكذلك مصداقيته، في ظل تقاربه الملحوظ مع الدائرة الشخصية للسيسي ووزير العدل حسام عبدالرحيم".
وأضاف المصدر أن "المشكلة الأولى في القرار هي أن الوقائع المسندة للمتهمين، في حال صحتها، تعود جميعها إلى الفترة من يونيو/حزيران 2015 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2016، أي أن آخرها كان قبل إعلان حالة الطوارئ بنحو 6 أشهر، مما منع خضوعها للمحاكم المنصوص عليها في قانون الطوارئ، لأن هذا القانون أنشأ تلك المحاكم بصفة مؤقتة، لنظر الوقائع التي تحدث في ظل سريان حالة الطوارئ فقط، وليس قبلها، وبالتالي فقد أنشأ نظاماً قضائياً استثنائياً ومؤقتاً لا يجوز التوسع فيه بأثر رجعي".

وذكر المصدر أن "ما فعله النائب العام في هذا السياق يشبه ما فعله النائب العام السابق، هشام بركات، الذي قرر إحالة جميع قضايا العنف والتظاهر إلى المحاكم العسكرية، بناء على القانون 136 لسنة 2014، بما في ذلك الوقائع التي حدثت قبل إصدار القانون بأكثر من عام، وهو ما ترتب عليه إحالة أعداد غفيرة من الأشخاص المتهمين بمعارضة النظام والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها إلى القضاء العسكري رغم عدم اختصاصه بمحاكمتهم ولائياً أو زمنياً".

ولفت إلى أن "المشكلة الثانية هي أن إقامة محاكم أمن الدولة طوارئ في حد ذاتها تمثل مخالفة دستورية واضحة للمادة 97 من الدستور الحالي، التي تحظر بشكل قاطع إنشاء المحاكم الاستثنائية، فلا يحاكم أي شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، ومحكمة أمن الدولة العليا طوارئ، بنفسها، قررت في حيثيات أحدث حكم لها والصادر في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2016 في الجناية رقم 308 لسنة 2010، المعروفة إعلامياً بخلية الزيتون، أنه لا جدال في أن محاكم أمن الدولة العليا أصبحت محظورة منذ صدور دستور 2014، غير أن هناك فترة انتقالية يتعين فيها معالجة أوضاع القضايا التي تكون معروضة قبل صدور الدستور، ولذلك فستستمر محكمة أمن الدولة العليا طوارئ في نظر القضايا التي كانت محالة إليها قبل صدور قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 24 يناير/كانون الثاني 2012 بإنهاء حالة الطوارئ وعدم إحالة القضايا إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، ما عدا في جرائم البلطجة".



واتضح من ذلك أن "قضاة هذه المحاكم أنفسهم يدركون أنه لم يعد لاستمرارها سند دستوري، وهو ما يزيد الأوضاع القانونية في مصر تناقضاً مع الدستور وتصادماً مع العدالة". ورجّح المصدر أن "تكون قضية حسن مالك هي البداية لتصرّف مماثل سيقدم عليه النائب العام في عشرات القضايا التي ما زال ينظرها ولم تحل إلى المحاكم منذ ما قبل إعلان حالة الطوارئ"، مشيراً إلى أنه "بمجرد إحالة قضية من النوعية التي حددها قرار رئيس الوزراء الشهر الماضي (كالتظاهر والتجمهر والإرهاب والبلطجة والتموين) إلى دائرة جنايات عادية فسوف تنظرها بهيئة أمن دولة عليا طوارئ، وبمجرد إحالة جنحة من تلك النوعية إلى دائرة جنح عادية في أي محكمة على مستوى الجمهورية فسوف تنظرها بهيئة أمن دولة طوارئ ابتدائية".

ووفقاً لقانون الطوارئ، فإن أحكام الإدانة أو البراءة الصادرة من تلك المحاكم لا تنفذ إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية أو من يفوضه (وهو حالياً رئيس الوزراء)، وهو الإجراء الذي وصفته المحكمة الإدارية العليا بـ"المشبوه بعدم الدستورية"، وأحالته إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيه في مايو/أيار الماضي. وبعد التصديق تصبح الأحكام باتة ولا يجوز الطعن عليها بأية صورة، مما يعني اختصار مرحلة تقاضٍ كاملة على الأقل.



وكان رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، بناء على تفويض من السيسي، قد أصدر قراراً الشهر الماضي بإحالة الدعاوى الجديدة في قضايا التظاهر والتجمهر والإرهاب والإضراب، إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، بناء على حالة الطوارئ المعلنة في مصر منذ 10 إبريل/نيسان الماضي، وتأكيداً لتقرير نشره "العربي الجديد" في 8 يونيو/ حزيران الماضي عن إعداد وزارة العدل مشروع قرار لضم قضايا التظاهر إلى الحالات التي تختص بها محاكم أمن الدولة طوارئ، وليس المحاكم العادية.

وألزم القرار النيابة العامة بإحالة الدعاوى الجديدة المرتبطة بالجرائم المنصوص عليها في قانون التظاهر 107 لسنة 2013، وقانون التجمهر 10 لسنة 1914، وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015، والجرائم المتعلقة بالإرهاب والمساس بأمن الدولة والترويع والبلطجة وتعطيل وسائل المواصلات؛ المنصوص عليها في قانون العقوبات، إلى محاكم أمن الدولة. وهي الاتهامات الموجهة دائماً للمتظاهرين ضد النظام وأعضاء الجماعات الإسلامية والقوى المعارضة، واستخدمت على نطاق واسع ضد المتظاهرين ضد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.

وشملت القائمة أيضاً جرائم التموين ومخالفة التسعير الجبري، وقانون تجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت الذي يجرم الإضراب العمالي، وكذلك قانون الأسلحة والذخائر، وقانون تجريم الاعتداء على أماكن العبادة. وشكّلت محاكم أمن الدولة طوارئ من دوائر جزئية في المحاكم الابتدائية، ودوائر عليا محاكم الاستئناف للفصل في الجرائم المترتبة على مخالفة الأوامر العسكرية الخاصة بحظر التجول وأي جرائم أخرى تحال إليها، وتم تعيين أعضاء محاكم أمن الدولة بقرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء بعد أخذ رأي وزير العدل.

وسبق أن أصدر السيسي قراراً برقم 840 لسنة 2017، بأن يعيّن في محاكم أمن الدولة العليا طوارئ والجزئية، وفقاً للمادة رقم 7 من قانون الطوارئ جميع رؤساء ونواب ومستشاري الاستئناف وجميع الرؤساء من الفئتين (أ، ب) والقضاة في المحاكم الابتدائية، للنظر في الجرائم المنصوص عليها في قانون الطوارئ وبتطبيق القرارين. وبمجرد إحالة جناية من تلك النوعية إلى دائرة جنايات عادية فستنظر فيها هيئة "أمن دولة عليا طوارئ"، وبمجرد إحالة جنحة من تلك النوعية إلى دائرة جنح عادية في أي محكمة على مستوى الجمهورية فستنظر فيها هيئة "أمن دولة طوارئ ابتدائية".



المساهمون