النظام السوري يساوم المرضى بالأسرى... ويكمل تهجير الغوطة الغربية

29 ديسمبر 2017
دفعتان من المرضى والجرحى أُخرجتا من الغوطة(حمزة الأجوي/فرانس برس)
+ الخط -

تواصلت عملية إجلاء المرضى والجرحى من الغوطة الشرقية المحاصرة من قبل النظام السوري، مقابل الإفراج عن عدد مماثل من الأسرى التابعين للنظام المحتجزين لدى "جيش الإسلام"، في حين تأجلت عملية خروج مقاتلي المعارضة من آخر معاقلهم في الغوطة الغربية، والتي كان مقرراً أن تبدأ أمس الخميس، إلى اليوم الجمعة أو يوم غد.
وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن الهلال الأحمر السوري، وبالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي، أجلى الدفعة الثانية من الحالات الحرجة للمرضى العالقين في مدن وبلدات الغوطة الشرقية المحاصرة في ريف دمشق، والتي ضمّت 12 مريضاً في حالة حرجة. وأوضحت المصادر أن مجموعة من الأسرى المحتجزين لدى فصيل "جيش الإسلام" رافقت القافلة، وذلك بموجب الاتفاق بين الأخير والنظام، والذي يقضي بالسماح بإجلاء 29 من مرضى وجرحى الغوطة إلى المستشفيات، مقابل إطلاق عدد مماثل من الأسرى التابعين للنظام المحتجزين لدى "جيش الإسلام".

وخرجت القافلة من دوما في ريف دمشق، عن طريق معبر مخيم الوافدين الذي تسيطر عليه قوات النظام والمليشيات التابعة لها، وتوجد فيه شرطة عسكرية روسية بموجب اتفاق "خفض التصعيد". وكانت الدفعة الأولى، والتي تمّ إجلاؤها أمس الأول الأربعاء، ضمّت خمسة من المرضى المحاصرين، ومثلهم من عناصر قوات النظام الأسرى لدى "جيش الإسلام".
ومن المرتقب أن يجري، اليوم الجمعة أو غداً، استكمال عملية الإجلاء، والتي سيتم فيها تسليم ما تبقّى من أسرى لدى "جيش الإسلام" إلى سلطات النظام، مقابل السماح بإخراج 12 حالة مرضية من الغوطة الشرقية. وقالت مصادر محلية إن معتقلي النظام، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى 14 رجلاً، كانوا جميعاً محتجزين لدى "جيش الإسلام" منذ معارك عدرا العمالية، وبعضهم جرى نقله من سجون "هيئة تحرير الشام" إلى سجنٍ لـ"جيش الإسلام"، في أعقاب اقتتال دار بين الطرفين قبل أسابيع.

من جهتها، قالت المتحدثة باسم بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سورية، إنجي صدقي، في تصريحات لوسائل إعلام النظام، إن المرضى ممن تم إخلاؤهم جرى إيصالهم إلى عدد من المستشفيات في العاصمة دمشق لتلقي العلاج، مشيرة إلى أن الاتفاق ينص على أنه يمكن للمرضى العودة إلى الغوطة أو البقاء في دمشق.
كما نقلت صفحات موالية للنظام على موقع التواصل الاجتماعي عن المسؤول في "وزارة المصالحة الوطنية" التابعة للنظام، أحمد منير، قوله إن عدد المحتجزين والمرضى الذين شملهم هذا الاتفاق قابل للزيادة ولا يقتصر على 29 حالة لدى كل طرف، مشيراً إلى أن "جيش الإسلام" يحتجز في "سجن التوبة" عشرات "المخطوفين من قوات الجيش العربي السوري، بينهم ضباط وعائلاتهم".

ويحاصر النظام السوري نحو 300 ألف نسمة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، بينهم مئات المرضى ونحو 700 حالة متردية تحتاج إلى تلقي العلاج خارج الغوطة، فضلاً عن تلك التي تستدعي السماح بإدخال المواد الطبية اللازمة لعلاجها. وحسب معطيات مختلفة، فإن هناك أكثر من 500 حالة في الغوطة الشرقية لمصابين بمرض السرطان، بينهم أكثر من 100 حالة تحتاج لعلاج فوري، نتيجة تردّي وضعها الصحي بشكل كبير، إضافة إلى نحو 60 حالة لمرضى يعتقد أنهم مصابون بالسرطان، من دون أن يتم الجزم بذلك، بسبب عدم قدرة القائمين على المركز المتخصص في تشخيص ومعالجة السرطان بالغوطة الشرقية على تحديد حالتهم، لعدم وجود المواد اللازمة، وتوقف المختبر عن العمل. وهناك أيضاً أكثر من 30 حالة لمصابين بمرض السل المعدي، و25 حالة فشل كلوي، ونحو 70 حالة بين نقص المناعة والتلاسيميا والسكري وأمراض أخرى.

كما تتعرض المنطقة لحملات قصف شبه يومية، ما يوقع المزيد من الإصابات التي تحتاج إلى علاج لا تتوفر مقوماته في الغوطة. وفي هذا السياق، قصفت قوات النظام، أمس، وبعد ساعات من خروج المرضى والأسرى من الغوطة، بالمدفعية، أطراف بلدة النشابية في منطقة المرج بالغوطة الشرقية. وكان شخصان قد قتلا من جراء إصابتهما في قصف لقوات النظام على مناطق بين مدينة دوما وبلدة الريحان.


وفي الغوطة الغربية، تواصل الهدوء النسبي في بلدة بيت جن ومحيطها، وسط ترقب لبدء تنفيذ اتفاق إخراج مقاتلي "هيئة تحرير الشام" وتهجير المعارضة المسلحة إلى محافظة إدلب شمالاً ودرعا جنوباً. وقالت مصادر محلية إنه كان من المقرر أن تخرج الدفعة الأولى، أمس الخميس، إلا أنه تم تأجيلها إلى صباح اليوم الجمعة أو غداً السبت، وذلك بطلب من فصائل المعارضة، إذ لا يزال هناك خلاف ومفاوضات حول سماح النظام بخروج مقاتلين إلى مناطق سيطرة المعارضة في محافظة درعا إضافة إلى إدلب.

وجرى تنفيذ الخطوة الأولى من الاتفاق، يوم الأربعاء، بانسحاب مقاتلي "غرفة عمليات جبل الشيخ" من قرية مغر المير إلى بلدة بيت جن، ودخول الحافلات التي ستقل المقاتلين إلى منطقة سعسع القريبة من مغر المير. وقالت مواقع موالية للنظام إنه تم تأجيل تسليم مقام الشيخ عبدالله غربي مزرعة بيت جن من فصائل المعارضة إلى قوات النظام، إلى اليوم الجمعة. ونشرت تلك المواقع صوراً وفيديوهات لجنود النظام والمليشيات وهم يدخلون بلدة مغر المير ويرفعون علم النظام في محيطها.

وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن الاتفاق ينص على مغادرة مقاتلي "هيئة تحرير الشام" إلى مدينة إدلب في الشمال السوري، في حين يغادر مقاتلو بقية الفصائل نحو محافظة درعا في الجنوب السوري. ولفتت المصادر إلى أن المقاتلين سيخرجون بسلاحهم الفردي مع عائلاتهم، أما المدنيون فلهم حرية الاختيار بين الرحيل إلى الشمال السوري أو محافظة درعا، أو البقاء في بلدة ومزرعة بيت جن.
ويُقدَّر عدد المقاتلين المشمولين بالاتفاق بنحو 800 مقاتل، إضافة إلى نحو 700 آخرين مقيمين في بلدات بيت تيما وكفر حور وبيت سابر الخاضعة لاتفاق مصالحة مع النظام. وتطالب الفصائل بأن يتضمن الاتفاق إفراج النظام عن عدد من المعتقلين من أبناء الغوطة الغربية الموجودين في سجونه.

وحسب مصادر النظام، فإن الأخير يصر على ضرورة أن يخضع جميع المسلحين الراغبين بالبقاء في منطقة تجمّع بيت جن لـ"تسوية وضع" مع الأجهزة المختصة، "والتطوع في ما بعد في الدفاع الوطني في المنطقة". ونقلت تلك المصادر عن مسؤول في المليشيات الموالية للنظام قوله إن التفاوض يجري للاتفاق على عدة نقاط، أهمها "تسليم التنظيمات المسلحة الجيش خرائط الألغام للمنطقة التي زرعها المسلحون في منطقة سيطرتهم، وملف المخطوفين والمفقودين في هذه المناطق، والأسلحة التي سيخرج بها عناصر التنظيمات المسلحة من المنطقة".

ويجري الاتفاق بدون أيّ وساطة خارجية، وتم التوصل إليه بوساطة من قبل "لجان المصالحة" التابعة للنظام السوري، وذلك إثر حملهم رسالة من النظام إلى المقاتلين تُخيّرهم بين الاستسلام والمصالحة، أو منحهم طريق خروج إلى إدلب، وأمهل النظام المقاتلين مدة 72 ساعة للموافقة على العرض.
وقالت المصادر إن الهلال الأحمر السوري سيشارك في نقل جرحى المقاتلين، على أن تدخل قوات النظام بلدات الاتفاق بعد خروج الفصائل منها وترفع علم النظام فيها، وبالتالي خروج المعارضة بشكل نهائي من جبل الشيخ وكامل الغوطة الغربية. وكان النظام قد هجّر، في وقت سابق، مقاتلي المعارضة و"هيئة تحرير الشام" من منطقة الكسوة في الغوطة الغربية، ومناطق الزبداني ووادي بردى ومضايا ومناطق أخرى في محيط دمشق، إثر عمليات عسكرية عنيفة وحصار أجبر المدنيين والمقاتلين على القبول باتفاق التهجير.