سورية: العقدة الإيرانية تلغّم المناطق الآمنة

05 مايو 2017
خلال التوقيع على اتفاق مناطق التهدئة في أستانة(عليا رايمبيكوفا/الأناضول)
+ الخط -

فرض التوافق الروسي التركي نفسه على مؤتمر أستانة 4، الذي خرج بإقرار الرؤية التي قدّمتها موسكو وتتضمن إقامة مناطق "تخفيف التصعيد" في جنوب ووسط وشمال غربي سورية، ما يُدخل القضية السورية منعطفاً جديداً ويفتح أبواب صراعات إضافية، تشمل النظام والمعارضة والأطراف الفاعلة على الأرض كإيران والمليشيات. لكن تبقى العبرة في النجاح بتنفيذ الاتفاق الجديد، بعد تجارب سابقة أظهرت عدم احترام موسكو لالتزاماتها، وفي ظل رفض المعارضة لأن تكون إيران ضامنة للاتفاق. ووقّعت الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار، وهي روسيا وإيران وتركيا، يوم الخميس، في اختتام مؤتمر أستانة 4، على "مذكرة تفاهم" قدّمتها موسكو تنص على "إنشاء مناطق تخفيف التصعيد في محافظة إدلب وشمال حمص وفي الغوطة الشرقية، وفي جنوب سورية، يتم إنشاؤها من قبل الضامنين والأطراف المهتمة الأخرى، بهدف وضع حد فوري للعنف، وتحسين الحالة الإنسانية، وتهيئة الظروف المواتية للنهوض بالتسوية السياسية للنزاع المسلح الداخلي في سورية". كما حددت الوثيقة الروسية آلية ضبط الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة، إضافة إلى إقامة نقاط التفتيش لضمان حرية تنقل المدنيين غير المسلحين وإيصال المساعدات الإنسانية، فضلاً عن الأنشطة الاقتصادية، وكذلك مراكز المراقبة لضمان تنفيذ أحكام نظام وقف إطلاق النار. وطالبت بضمان وفاء الأطراف المتصارعة بالاتفاقات، واتخاذ كل التدابير اللازمة لمواصلة القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة فتح الشام".

وأعلنت وزارة الخارجية التركية أن مناطق تخفيف التوتر في سورية ستشمل كامل محافظة إدلب، وأجزاء من محافظات اللاذقية وحلب وحماة وحمص ودمشق/ الغوطة الشرقية، ودرعا والقنيطرة، مشيرة إلى أن المذكرة تنصّ على وقف استخدام كافة الأسلحة بما فيها الجوية بين الأطراف المتصارعة (في مناطق تخفيف التوتر) وضمان إيصال المساعدات الإنسانية والعاجلة إلى المناطق المذكورة. واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن خطة إقامة مناطق تخفيف التصعيد في سورية ستساهم في حل النزاع السوري بنسبة 50 في المائة. وفي حديثه إلى صحافيين أتراك في طائرته أثناء عودته من سوتشي الروسية، أمس، أكد أردوغان أن هذه المناطق ستتضمن إدلب، وجزءاً من محافظة حلب والرستن في حمص، إضافة إلى جزء من كل من دمشق ودرعا. وعبّر عن أمله بأن يساهم "تنفيذ ذلك في حل 50 بالمائة من المسألة السورية". ووصف الخطة بأنها تنطوي على "مفهوم جديد" يختلف عن مقترحات أنقرة السابقة لإقامة مناطق آمنة.

من جهته، أعلن رئيس الوفد الروسي إلى أستانة ألكسندر لافرينتيف، أن وقف النار في المناطق المذكورة في المذكرة سيبدأ منذ فجر 6 الحالي، معتبراً أنه في حال تحقيق هدنة مستقرة في سورية، يمكن الحديث عن إخراج القوات الخاضعة لإيران من البلاد. وأضاف أنه "ستتم إقامة مناطق تخفيف التصعيد في سورية لمدة 6 أشهر مع إمكانية التمديد، علاوة على ذلك المذكرة يمكن أن تكون إلى أجل غير مسمى". وأكد أن بلاده مستعدة للتعاون عن كثب مع الولايات المتحدة والسعودية بشأن سورية، مضيفاً: "للأسف الأميركيون لا يزالون يتجاهلون محاولاتنا لتوثيق التعاون العسكري، لكننا نواصل المحاولة"، مشيراً إلى أن موسكو مستعدة لإرسال مراقبين إلى مناطق وقف التصعيد في سورية. وأعلن أن روسيا ستبذل كل ما في وسعها لمنع استخدام الطيران الحربي في مناطق تخفيف التصعيد، لافتاً إلى أن "وزارة الخارجية السورية أعلنت أن القيادة السورية ترحب بالاتفاقات الخاصة بمناطق وقف التصعيد وستوقف تحليق الطيران فوقها، ونعبّر عن ثقتنا بأن طلعات الطيران الحربي السوري وعمله فوق أراضي مناطق وقف التصعيد ستتوقف بعد مثل هذا التصريح".

وأعلن وزير الخارجية الكازاخستاني خيرت عبدالرحمنوف، أن المشاركين في مؤتمر أستانة اتفقوا على إجراء اللقاء المقبل في منتصف يوليو/ تموز المقبل، وعلى إجراء مشاورات تمهيدية على مستوى الخبراء في أنقرة قبل أسبوعين من انطلاق الجولة المقبلة من الحوار. وأكد أن عملية أستانة تستهدف دعم العملية السياسية التي تجري في جنيف. ولم يتأخر النظام السوري ليلعن عبر وفده المشارك في أستانة عن موافقته على الاتفاق.



أما المعارضة السورية المسلحة، التي شاركت في اجتماع أستانة أمس، بعدما كانت قد علّقت مشاركتها الأربعاء، فعبّرت عن رفضها لهذا الاتفاق. وقال عضو وفد المعارضة أسامة أبو زيد، في مؤتمر صحافي بعد اختتام مؤتمر أستانة، إن "المعارضة تريد أن تحافظ سورية على وحدتها"، مضيفاً: "نحن ضد تقسيم سورية. أما بالنسبة للاتفاقات، فنحن لسنا طرفاً في هذا الاتفاق، وبالطبع لن نؤيده أبداً طالما توصف إيران بأنها دولة ضامنة". وذكّر أن هناك فجوة كبيرة بين وعود روسيا وأفعالها. وأكد رفض "أي مبادرة أو اتفاق عسكري أو سياسي ما لم يعتمد على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخصوصاً القرار 2254". وأضاف أن أي اتفاق لن يكون مقبولاً إذا لم يتضمن وحدة الأراضي السورية وضرورة خلوه من أي إشارة يمكن أن تفضي إلى تقسيم سورية.
ورأى أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يشمل كل الأراضي السورية، ولا يستثني أي منطقة و"خصوصاً حماة التي تتعرض الآن لقصف جوي".

وحول انسحاب بعض أعضاء وفد المعارضة خلال توقيع الاتفاق، ومنهم القيادي في الجيش الحر الرائد ياسر عبد الرحيم، قال أبو زيد إن ما حصل يعبّر عن "مشاعر صادقة لكل أعضاء الوفد والشعب السوري الذين يرفضون أن تكون إيران دولة ضامنة"، وهو موقف يتوافق مع موقف كل المعارضة. وطالب بوضع استراتيجية دولية واضحة للتعامل مع النفوذ الإيراني في سورية لا تقوم على مجرد طلب تنازلات من الشعب السوري. وأبدى أبو زيد تحفظاً على تسمية "مناطق تخفيف التوتر" التي قال إنها تثير إشكاليات. وحول ما إذا كان التحفظ على وجود إيران بين الدول الضامنة يعني عدم الموافقة على الاتفاق، قال أبو زيد إن المعارضة مع أي حل يهدف إلى إخراج المعتقلين وإدخال مساعدات للمناطق المحاصرة، لكن إيران "قاتلة للشعب السوري ولا يمكن أن يكون القاتل هو المخلّص". وأوضح أن هناك إشكالية أخرى وهي أن روسيا ليس لديها جواب واضح بشأن كيفية التعامل مع خروقات النظام وإيران ومليشياتها لأي اتفاق. وأكد أن قدوم وفد المعارضة إلى أستانة لا يعني ضعفاً من جانبها أو تنازلاً عن ثوابتها، قائلاً "إذا لم تجلب لنا المفاوضات حقوقنا، سنعود إلى البندقية".

من جهته، قال عضو وفد المعارضة العقيد فاتح حسون، الذي قاطع الجلسة الحالية، لـ"العربي الجديد"، إنه فضلاً عن الاعتراض على وجود إيران بين الدول الضامنة للاتفاق، فإن هناك ملاحظات عديدة على مضمونه ويحتاج إلى تحسين وتلافي سلبياته. فيما قال المتحدث باسم "جيش العزة" النقيب مصطفى معراتي، لـ"العربي الجديد"، إن تنفيذ الاتفاق يتطلب إجراءات حسن النية من طرف يدعي أنه ضامن أمام المجتمع الدولي، لكنه يقوم في الوقت نفسه بمشاركة النظام في قصفه للمدن والمستشفيات ومراكز الدفاع المدني، كما يصر على الدفاع عمن ضرب خان شيخون بغاز السارين، مشيراً إلى تورط روسيا مباشرة في عمليات قتل السوريين من الجو ومن الأرض.

مقابل ذلك، أشاد المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، بخطة إقامة مناطق لتخفيف التصعيد، قائلاً للصحافيين: "اليوم في أستانة أعتقد أنه كان بوسعنا أن نشهد خطوة إيجابية مهمة واعدة في الاتجاه الصحيح في عملية وقف تصعيد الصراع". ولا يُلزم تطبيق الرؤية الروسية المعارضة والنظام، طالما أن ضامني الطرفين اتفقوا على تطبيقها، ما يجعل القضية السورية برمتها بيد الأطراف الخارجية. ومن غير الواضح بعد إمكانية صمود اتفاق أستانة 4، خصوصاً أنه يتضمن ثغرة لطالما اتخذها النظام وحلفاؤه ذريعة لارتكاب المجازر بحق المدنيين، وهي استمرار مقاتلة "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) التي تتشارك مع المعارضة المسلحة مناطق النفوذ، خصوصاً في شمال سورية وجنوبها. ومن ثم فإن مذكرة التفاهم في أستانة 4 تتيح لروسيا التدخّل العسكري في الوقت الذي تشاء تحت حجة استهداف "جبهة فتح الشام"، وهو ما يجعل الاتفاق غير قابل للصمود إلى أمد بعيد.

ومن المتوقع أن ترفض "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة فتح الشام" ثقلها الرئيسي، اتفاق أستانة 4، ما يعني استمرار القصف الجوي على مناطق تسيطر عليها، ما يُبقي الباب مفتوحاً أمام مزيد من المجازر بحق المدنيين. كما قد يفتح الاتفاق الباب واسعاً أمام اقتتال داخلي بين فصائل المعارضة في ما بينها، وبينها وبين "جبهة فتح الشام"، وهو ما يدفع باتجاه تشتيت قوى المعارضة، ويجبرها على قبول حلول لا تحقق الحد الأدنى من مطالب الشارع السوري المعارض. ويتيح اتفاق أستانة 4 لإيران مناطق نفوذ ثابتة في العاصمة دمشق ومحيطها، وهو ما كانت تسعى إليه من خلال عمليات التهجير الواسعة التي قامت بها أخيراً. كما يطلق الاتفاق يد تركيا أكثر في شمال سورية وشمالها الغربي، وربما يتيح لها الضغط أكثر على الوحدات الكردية في شمال سورية. وتبقى هناك العديد من القضايا العالقة باتفاق أستانة 4 شائكة لم تتضح بعد آليات تطبيقها، خصوصاً القوى التي ستدخل إلى سورية لتكون قوات فصل بين قوات النظام والمليشيات من جهة، والمعارضة السورية من جهة أخرى. وعلمت "العربي الجديد" أن قوات الفصل في مناطق تخفيف التصعيد، ستتكون بشكل أساسي من الدول الضامنة، أي كل من إيران وروسيا وتركيا، مع إمكانية مشاركة قوات مراقبة من دول أخرى.

المساهمون