لماذا يخشى السيسي آل مبارك؟

12 يونيو 2018
جمال وعلاء محرومان من حقوقهما السياسية (فرانس برس)
+ الخط -
يتسبب الظهور المتكرر لأفراد أسرة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك بين الحين والآخر في قلق وتوتر بين أركان نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. فكلما شارك أحد أفراد أسرة الرئيس المخلوع في مناسبة اجتماعية، تأتي ردود فعل أجهزة النظام والمقربين منه كاشفة لحالة القلق والتوتر تلك.
وبينما تمتنع وسائل إعلام تماماً عن نشر أخبارهم، يرصد مراقبون كتّاباً محسوبين على نظام السيسي يهاجمونهم، ويصبح السؤال المطروح هو "لماذا يخشى نظام السيسي من أبناء مبارك إلى هذا الحد؟". هل يحدث ذلك بسبب تراجع شعبية السيسي إلى حد كبير نتيجة الإجراءات الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع رهيب في أسعار جميع السلع والخدمات، أم بسبب علاقات قوية تربط مبارك وعائلته بدول في المنطقة لها تأثير سياسي ومالي كبير، أم لوجود أنصار لمبارك لا يزالون موجودين في أجهزة الدولة المختلفة، لا سيما المؤسسة العسكرية؟




ظهر علاء مبارك، الابن الأكبر للرئيس المخلوع، أخيراً في تسجيل مصور، وهو يصلي صلاة الفجر في مسجد الحسين، بوسط القاهرة. وأظهر الفيديو الاستقبال الذي حظي به نجل المخلوع لدى دخوله إلى المسجد، وبينما روّج بعض من ينتمون للدولة العميقة للاستقبال باعتباره يعكس حالة الحنين لمرحلة ما قبل السيسي، وما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، رأى كثير من المصريين أن استقبال علاء مبارك بهذا الشكل هو أمر يدعو للحزن بعد ثورة أطاحت بنظام فاسد راح ضحيتها مئات الشباب الذين كانوا يحلمون بالحرية والعدالة الاجتماعية. وأرجعوا السبب في ذلك إلى ظلم السيسي وفشله الذي لولاه لما كان يجرؤ أبناء مبارك على الخروج من منازلهم خوفاً من الشعب. وباعتقاد هؤلاء فإن السيسي هو مَن أوصل الناس إلى أنهم أصبحوا يحلمون بأيام مبارك.
لكن ظهور علاء مبارك بهذا الشكل لم يكن الأول من نوعه لأفراد أسرة المخلوع، إذ سبقته مرات أخرى، كان آخرها ظهوره برفقة شقيقه جمال، في حفل عقد قران لاعب فريق "المقاولون العرب" محمد غريب، نجل المدير الفني السابق لمنتخب مصر الأولمبي لكرة القدم شوقي غريب. حرِص علاء وجمال يومها على التقرب من المشير حسين طنطاوي الذي كان حاضراً هو الآخر للحفل، ومن جانبه تحدث الأخير إلى نجلي الرئيس المخلوع بطريقة فسّرها البعض بأنها حميمية، وتحمل في ما بدا أنه اعتذار عن سجن والدهما إبان فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي رأسه طنطاوي بعد ثورة 25 يناير، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وحالة من السخط بسبب ما اعتبروه هزيمة للثورة.
وبعيداً عن الغضب الذي أثاره ظهور علاء وجمال مبارك بهذا الشكل مع طنطاوي، كان هناك غضب من نوع آخر، وتحديداً في معسكر نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ كتب الصحافي المقرب من السيسي، ياسر رزق، مقالاً مطولاً بعنوان "القلق على مستقبل الحكم... والخطر على ثورة يونيو"، ظهرت من خلاله حالة من القلق على مستقبل حكم السيسي. ورأى الكاتب أن أبناء مبارك قد يشكلون خطراً على السيسي.
وهدد رزق، الذي كان مقرباً أيضاً من نظام مبارك، في مقاله، جمال مبارك وقال نصاً: "ولعلي أظن أن الأستاذ جمال مبارك بحاجة إلى من يهمس في أذنه، ناصحاً إياه بأن يُقبّل كفيه حمداً وشكراً على أنه لم يحاكم سياسياً على ما أفسده في البلاد، وعلى محاولته قلب النظام الجمهوري، وأن يقرّ في بيته ولا يتبرج إعلامياً تبرج جاهلية عهد أبيه".
وعلى الرغم من أن جمال مبارك كوالده وشقيقه علاء محكوم عليهم بحكم نهائي وباتّ بالسجن في قضية "القصور الرئاسية"، إلا أن رزق لم يخف قلقه من أن يشكل أحد أفراد عائلة مبارك خطراً على حكم السيسي.
كما هاجم رزق فلول نظام مبارك، على الرغم من أن السيسي حاول أكثر من مرة عبْر أذرعه، استمالتهم للاستفادة منهم في إعادة إنتاج نظام الرئيس المخلوع، وترشح بعضهم في انتخابات مجلس النواب الماضية، سواء عبْر أحزاب موالية للنظام الحالي أو في قوائم "في حب مصر" التي تشكلت بمعرفة أجهزة أمنية، والتي تحولت إلى ائتلاف "دعم مصر" صاحب الأغلبية في البرلمان.
وقال رزق في مقاله "لا بد أن يعي الجميع أن الحزب الوطني في عنفوانه مع أمانة سياساته، لم يستطع أن يجمع أكثر من 5 في المائة في أي انتخابات جرت في عهده، ومن ثم لا فضل لبقايا بقاياه في حشد الجماهير ونزولها إلى اللجان في أي انتخابات أعقبت ثورة 30 يونيو. بل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة تحديداً، لا يستطيع أحد سواء من الكتل البرلمانية أو من رؤوس العائلات أو عواقل القبائل الادعاء بأنهم وراء نزول الجماهير بكثافة للتصويت في الانتخابات، فشخص الرئيس السيسي وما يمثله للناخبين من إنجاز وأمل كان هو الدافع لاحتشاد المواطنين أمام اللجان بهذه الأعداد الهائلة".
ولا يمكن فصل هذا الهجوم عن القلق الذي يثيره الظهور المتكرر لنجلي الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، علاء وجمال، لدى الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وهو ما يفسره البعض بأنه محاولة للتواجد على الساحة السياسية مرة أخرى، على الرغم من عدم التطرق لأي أمور سياسية أو اقتصادية.
إلا أن مصادر مقربة من أسرة مبارك رفضت الكشف عن هويتها تقول، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ظهور أسرة مبارك بهذا الشكل المتكرر وفي مناسبات عدة أغلبها يكون وسط الناس، هدفه ليس العودة للمشهد السياسي أو الترشح للانتخابات الرئاسية في وقت قريب، ولكن الهدف منه استراتيجي على المدى الطويل، إذ يقومون باستعادة الشعبية رويداً رويداً، على حد قولهم.
وبحسب مراقبين أيضاً، فإن جمال وعلاء لا يحق لأي منهما الترشح إلى انتخابات الرئاسة المقبلة، لاتهامهما في قضية مخلّة بالشرف، ويحظر عليهما مباشرة حقوقهما السياسية إلا بعد مرور نحو 6 سنوات، وتقديم طلب برد الاعتبار.
مع العلم أن مصادر خاصة كانت قد كشفت عن تلقِّي علاء وجمال مبارك رسائل من نظام السيسي بضرورة وقْف أي تحركات والظهور المتكرر في مناسبات عدة، باعتبارها مغازلة للشعب في وقت تراجعت شعبية السيسي.

وزار علاء مبارك في العام الماضي منطقة إمبابة الشعبية، وقضى نحو ساعتين في مطعم "البرنس" الشهير، تناول خلالهما العشاء، ثم انتقل إلى مقهى مجاور للعب الطاولة، وسط احتفاء من مواطنين طلبوا التقاط الصور معه. وفي فبراير/ شباط من العام الماضي وقبل أيام من ذكرى خلع والده، ظهر علاء في مطعم بمنطقة السيدة زينب الشعبية، وهو يتناول الطعام مع أصدقائه من دون حراسة.
وفي إبريل/ نيسان من العام 2015، ظهر الأخوان مبارك في عزاء والدة الصحافي مصطفى بكري بمسجد عمر مكرم في ميدان التحرير الذي شهد الثورة على والدهما، وكان ذلك بعد خروجهما من السجن مباشرة. بعدها ظهر جمال مبارك في المدرسة البريطانية حيث تدرس ابنته، وكان ذلك في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه. أما الظهور الأول لجمال وعلاء مبارك بعد خروجهما من السجن، فكان خلال حفل نظمه حمو الأول رجل الأعمال منصور الجمال بفندق الماريوت في منطقة الزمالك، وكان ذلك في فبراير 2015. ظهر بعدها جمال مبارك في حفل بدار الأوبرا المصرية، كانت ابنته فريدة تعزف فيه البيانو. ثم ظهر الشقيقان في أثناء عيد الأضحى في أحد الشوارع والتقط مواطنون معهما الصور. وفي يوليو/ تموز من العام 2016، فاجأ جمال مبارك رواد قرية "هاسيندا" السياحية بالساحل الشمالي بالظهور في إحدى السهرات بمفرده. كما فوجئ المصلون بمسجد السيدة نفيسة بوجود علاء مبارك بينهم. وفي يناير/ كانون الثاني من العام 2016 تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لجمال مبارك في نادي "المقاولون العرب" بصحبة ابنته فريدة.
جمال مبارك حرص أيضاً على الظهور في العديد من المناسبات بصحبة زوجته خديجة الجمال وابنته فريدة، إذ زار الثلاثة منطقة الأهرامات بالجيزة، برفقة حارس أمن وحيد، كما اصطحب جمال مبارك ابنته في مايو/ أيار من العام 2016، في ثالث أيام العرض العالمي الخاص بالنجم الأميركي مايكل جاكسون في أحد المولات بالقاهرة الجديدة. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني ظهر الشقيقان مبارك في عزاء الفنان الراحل محمود عبد العزيز بمسجد الشرطة بمدينة 6 أكتوبر.
ويرى الخبير السياسي محمد عز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تحركات علاء وجمال مبارك والظهور في المناسبات العامة تشير إلى وجود رغبة في التواجد مرة أخرى على الساحة، ولكن ربما ليس على المدى القريب المنظور. ووفقاً لعز، فإن السيسي يخشى من ظهور أي شخص ينازعه، إذ إن أخبار ظهور علاء وجمال تحظى بمتابعة وتعليقات كبيرة سواء بالموافقة أو الرفض، ولكن كل ظهور لهما تصاحبه ضجة كبيرة.
ويلفت عز إلى أن السيسي تراجعت شعبيته بشكل كبير ويتخوّف من أي ظهور لشخصيات عامة تنازعه مكانته كرئيس جهورية، وهو الحال بالنسبة للمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق والرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، وغيرهما من الشخصيات التي حاولت الترشح للانتخابات. وعلى الرغم من أن جمال وعلاء محرومان من حقوقهما السياسية، يرى عز أن هذا لا يكفي للسيسي، وهذه هي شخصيته التي ظهرت في مناسبات عدة، فهو لا يقبل إلا أن يكون الشخصية المحورية في كل شيء، ويتدخل بما هو أقل من منصب رئيس الجمهورية، وتنتج عنه أخطاء كبيرة تؤثر سلباً على صورته.